سعيّد يخشى منافسة انتخابية حقيقية
يُضاعف الرئيس التونسي، قيس سعيّد، منذ أسابيع قليلة تحرّكاته، قبل أن يقتحم المُنعطفَ الأخيرَ من الانتخابات الرئاسية، التي ستُجرى يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول المُقبل. يدرك أنّ حصيلته لم تكن كما أعلن بُعيد انقلابه (25 يوليو/ تمّوز 2021)، حين قال إنّه يفتتح عصر العلوّ الشاهق، ومع ذلك، كان المُنجز هزيلاً. لن يكون الرئيس سعيّد سعيداً لو أجبرته المنافسة الانتخابية أن يخوض الجولة الثانية مع أيّ منافسٍ ثانٍ، وهو يطمح إلى أن يفوز بها في الدور الأول، وهو يعمل جاهداً ألّا يخوض شوطاً ثانياً في مباراة تبدو له صعبةً رغم التضييقات، علاوة على خلوّ الساحة من منافسين شرسين زُجّوا في السجن بتهم تتعلّق بالنيْل من "أمن الدولة وسلامتها".
يخشى سعيّد أن يواجه منافسة حقيقيةً قد تجبره على خوض دورة ثانية هي نصف هزيمة
يُفرَز المُترشّحون بدءاً من اليوم، 29 يوليو/ تمّوز، حين تبتّ الهيئة العليا المُستقلّة للانتخابات في مدى استيفاء ما يفوق 85 مُترشّحاً شروط الترشّح للرئاسية. العقبات التي وضعتها الهيئة ستُقصي طيفاً واسعاً منهم، رغم أنّ المُختصّين في القانون الانتخابي يعتبرون أنّ الهيئة ليست لها صلاحيات تحديد شروط الترشّح، وهي، بحسب اعتقادهم، في الأصل من مشمولات مجلس النواب، الذي لم يواجه تلك التجاوزات، وهو الذي تحوّل مُجرّدَ مكتبِ ضبطٍ ينظر في مشاريع القوانين، الواردة تحديداً من مؤسّسة رئاسة الجمهورية.
أخيراً، ضاعف الرئيس من أنشطته الميدانية، فزار منشآت مائية عديدة، في وقتٍ تشهد فيه البلاد انقطاعات مُتكرّرة للمياه الصالحة للشرب، ليستنتج في تصريح أدلى به إلى التلفزة الوطنية، وورد في بيان الرئاسة عبر صفحتها في "فيسبوك"، أنّ "السدود ملآنة"، وأنّ انقطاع الماء جزء من مؤامرات لتأجيج الأوضاع بالبلاد"، وتأتي هذه المؤامرات لتشويه مُنجزات الرئيس في العهدة الفارطة (!) فهذه الانقطاعات المُتكرّرة جزء من مؤامرة هدفها تأجيج الأوضاع، وهي جزء من أعمال إجرامية للتنكيل بالشعب، متوعّداً بملاحقة هؤلاء لمحاسبتهم. والغريب أنّ الشركة الوطنية لاستغلال المياه تُعلِم المواطنين في اليوم ذاته، في مراسلة قصيرة توجّهها إليهم، أنّ السنوات السبع من الجفاف المتتالية، التي ضربت البلاد، قلّصت من مخزون المياه، ولهذه الأسباب تدعو المواطنين الى التقشّف في استهلاك الماء، والمحافظة عليها، حتّى لا يتكرّر انقطاع المياه في هذا الصيف القائظ.
يدرك طيف واسع من التونسيين، حتّى بحسّهم العفوي واليومي، أنّ الحصيلة كانت ضعيفة، إن لم تكن كارثية، فخلال السنوات الخمس، وتحديداً منذ ثلاث سنوات (تاريخ انقلابه على الدستور) تراجعت نسبة النمو لتكون خلال السنة الماضية في حدود 0.2%، في حين أنّها كانت سنة 2021 في حدود 2%. لم يستطع الرئيس أن يُنجز أيَّ مشروع تعهّد به، ولعلّ أبرز مثال على ذلك هو المدينة الطبّية في القيروان، التي كرّر الحديث عنها خلال آخر خمس سنوات، خصوصاً أنّ تصريحاته كلّها تفيد بأنّ السعودية هي الجهة المانحة. غير أنّ هذا المشروع لم يرَ النور لأسباب عديدة، يرى الرئيس أنّها لا تخرج عن المؤامرة، فأقال جُلّ المسؤولين الجهويين، الذين اعتبرهم جزءاً من المؤامرة أو عجزوا عن التصدّي للمـتآمرين، حتّى إذا زار الصين، في الشهر الماضي (يوينو/ حزيران)، تنبهنا إلى وصول وفد صيني، يقول الإعلام الرسمي إنّه من سيتولى إنجاز المشروع الضخم هذا، الذي سينصف جهات الوسط التونسي، التي ظلّت منذ الاستقلال تفتقد مركزاً صحّياً كبيراً يُخفّف عنها وطأة الأزمات المتتالية. أمّا البطالة فارتفعت نسبتها من 15.3% سنة 2021 لتبلغ نسبة 16.2% سنة 2024.
ضعف الإقبال على المحطّات الانتخابية خلال عهدة سعيّد، يعني أنّ أنصاره لا يُقبِلون على التصويت له ولمشاريعه بكثافة
وبقطع النظر عن هذه المشكلة اليومية، التي أرهقت التونسيين، فإنّ سعيّد لا يُبالي بها، ويعتبرها تفاصيلَ صغيرةً أمام جسامة معركة التحرير الوطني. خلال السنوات الخمس المنقضية من عهدته، تعوّد الناس الاصطفاف في طوابير طويلة للفوز بالخبز والشاي والسكّر والقهوة، ومواد غذائية عديدة اختفت من محلّات التجارة. لم يتعوّد التونسيون على هذه السلوكات والممارسات، فمنذ استقلال البلاد ظلّت هذه المواد، رغم شحّها أحياناً، في السوق متوفّرة. يكابر الرئيس عند تدخّلاته التلفزيونية للردّ على تذمّرات المواطنيين، فيوجّه أصابع الاتّهام إلى الخونة والمرتزقة والمُحتكِرين، وإلى الغُرف المُظلمة التي تعمل في التنكيل بالمواطنين وتجويعهم، وهي جمل تتكرّر كلّما تطرّق الرئيس إلى هذه المسائل، حتّى حفظها الناس عن ظهر قلب، وأصبحوا يُردّدونها للتندّر بين حين وآخر.
لقد جرفت جرارة السياسة كلّ ما اعترضها خلال آخر خمس سنوات، لتخلو الساحة السياسية للرئيس؛ إعلام يشوّه، قضاء يحاكم، ورأي عام يرذل الساسة والسياسيين. ومع ذلك، يخشى الرئيس أن يواجه منافسة حقيقيةً قد تجبره على خوض دورة ثانية هي نصف هزيمة، وهو الذي يعتقد أنّه ضمير الشعب وروحه. ضعف الإقبال على المحطّات الانتخابية خلال عهدة سعيّد، سواء في الاستفتاء على الدستور، أو في انتخابات مجلس النواب، أو في الانتخابات المحلّية، يعني أنّ أنصار الرئيس لا يُقبِلون على التصويت له ولمشاريعه بكثافة.