سكّر .. والله الدنيا سكّر
لا يُعقل أن يموت من غنّى أغنيةً ردّدها الكبير والصغير "سُكّر.. والله الدنيا سُكّر" وحيدا في غرفة فندق. ستشعر بتفاهة الحياة، أو أنها كذبة حين تقرأ خبر موته هذا، فهو قد خرج ليغنّي هذه الأغنية قبل نصف قرن، لكي تكون من أسباب شهرته، وكذلك لكي يردّدها الصغار والكبار في كل مناسبة، فكلماتها تبعث على الأمل، وفيها دعوة إلى ترك اليأس، وكذلك دعوة إلى أن تعيش يومك، ولا تفكّر بالقادم، ولا الماضي. ورغم ذلك، فصاحب هذه الأغنية الذي لم يتوقف عن إيجاد مناسبةٍ لكي يغنيها قد رحل تاركا خلفه ما خطّطه للمستقبل من رقم هاتف ومبلغ مالي مناسب، للتواصل مع مسؤول إجراءات دفنه.
رحل الفنان الشامل، سمير صبري، قبل أيام. وقد سادت حالة حزن في الوسط الفني لرحيل ملك البهجة، وخرج زملاؤه من أهل الفن كما اعتادوا لرثائه، ولتأكيد أنهم كانوا بقربه، وعلى اتصال به كالعادة، والكذب بائن في حديثهم وادّعاءاتهم. وكما يحدث في كل حالة رحيل في الوسط الفني، يُكشف تدني مستواه يوما بعد يوم، فهناك شجارٌ حامٍ في أثناء الاستعداد لتشييع الفقيد بين عدد من الممثلات، وقد كان هذا الشجار سببا لنشر غسيل قذر أمام الجمهور تبنّته ممثلة لم تحقق شهرة (غادة إبراهيم) تجاه ممثلتين مثيرتين للجدل بتصريحاتهما وأفعالهما، إلهام شاهين وبوسي شلبي، مع الإشارة إلى صلة قرابة بينهما.
ومن قصصٍ جرى تداولها أن سمير صيري كان يعيش وحيدا في أيامه الأخيرة، وقد أصرّ على البقاء في غرفةٍ في فندق، لكي لا يموت وحيدا، وهذا الإحساس أو الخوف وحده كفيلٌ بأن يقضي على حلاوة الحياة التي تغنّى بها، وطالما أغرانا بمحبّتها ذلك الرشيق الأنيق في كل مناسبة.
غنّى سمير صبري للحياة، ودعا إلى حبّها رغم آلامها، وقد تألم كثيرا فيها. وخلال عمره المديد (86 عاما) عانى من المرض والوحدة، ولم يكن أحدٌ يخيل له أن هذا الفنان الشامل من الممكن أن ينتهي هذه النهاية، وأنت قد فتحت عينيك على الدنيا الحلوة التي أكّد على وصفها، ورأيته يتقافز بين الحسناوات، ويغنّي بخفّة محبّبةٍ بصوته الدافئ. ولذلك، عليك ألّا تركن أبدا إلى ما تراه من مظاهر حولك، ولا تتوقع أن كل هؤلاء المشاهير والأثرياء والمطلين على وسائل الإعلام بوجوه ضاحكة متفائلة، يرفلون في السعادة الحقيقية فعلا.
في الجنائز ومراسم التشييع، تخرج القصص الجانبية العشوائية التي تكشف عن خبايا قلوب وأسرارها، مثل اتهام الممثلة النصف مشهورة، غادة إبراهيم، المذيعة بوسي شلبي بأنها قد أوقعت الساحر محمود عبد العزيز في شباكها، وتزوّجته ردحا بسبب لجوئها إلى السحر. وبالمناسبة، راجت قصص كثيرة عن تعاطي أهل الفن والمشاهير مع السحرة والدجالين، واتخاذ السحر وأعماله وسيلة للانتقام من بعضهم وصيد الأزواج من الأخريات.
وفي الجنائز ومراسم التشييع، تخرُج صور الوفاء، وقد رأينا خلال مراسم تشييع من أوهمنا أن الدنيا حلوة مثل السكر من يتوكأ على عكّاز السنين، ويصرّ على ملاحقة موكب التشييع، وهو السيناريست والمنتج، فاروق صبري، وليس ببعيد الوفاء والحب الحقيقيان والصادقان في مراسم تشييع شهيدة الواجب الصحافي والإنساني، شيرين أبو عاقلة. وقد أظهرت جنازتها حبّ زملائها لها وحب بعضهم بعضاً، وحرصهم على البقاء على قلب رجل واحد، من أجل مصلحة العمل الصحافي، ومن ثم مصلحة الوطن. وعلى عكس ما ظهر من خلافات وتراشق واتهامات، في أثناء مراسم تشييع ممثلٍ قضى جل عمره في وسطٍ ندر فيه الوفاء والحب.
في حادثة وفاة الممثل والمذيع، سمير صبري، عبرٌ كثيرة، كما ذكرت، ولكنك يجب أن تتوقف قليلا أمام الدرس الأكبر في الحياة الدنيا التي أخطأ كثيرا سمير صبري في وصفها، ولأنه قد أخطأ فهو لم يترك وريثا من صلبه يسير في جنازته، ولا حبا حقيقيا يشيعه.