كارثة بايدن وتجارة ترامب
إذا كان من أمرٍ أجمع عليه الأميركيون أخيراً، فهو الأداء الكارثي للرئيس الحالي، المُرشّح الديمقراطي للبيت الأبيض، جو بايدن، خلال مناظرته قبل أسبوع مع الرئيس السابق والمُرشّح الجمهوري دونالد ترامب. منذ اللحظات الأولى لانطلاق المناظرة، كان يمكن تبيّن الفارق بين الرجلَين، الذي اتّسع شيئاً فشيئاً بمرور وقت المواجهة، إلى أن انتهت على نحو جعل حتّى أبرز المدافعين عن استمرار بايدن في ترشّحه، طوال الفترة الماضية، يتساءلون، في ختامها، عن جدوى الاستمرار في هذا الخيار.
منذ تلك اللحظة، لم تتوقّف محاولات فريق بايدن الهادفة إلى لململة تداعيات الكارثة، وبثّ الطمأنينة في صفوف المانحين، والقيادات الديمقراطية، بشأن أهليته للمنصب. حتّى الرئيس نفسه انخرط فيها مباشرةً من خلال عقد لقاءات مع كبار المسؤولين الديمقراطيين، بمن فيهم حُكّام الولايات، مُؤكّداً بقاءه في السباق "حتّى النهاية"، بينما لم يأخذ نفي ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، الأربعاء الماضي (3 يوليو/ تمّوز 2024)، عن أنّه يدرس الانسحاب من السباق، سوى وقت قليل على غير عادة البيت الأبيض. بالنسبة إلى فريق بايدن، أصبحت الدقيقة اليوم مُهمّة لمحاولة الاستمرار في السباق، بمعنى الحفاظ على أمل بهزيمة ترامب إذا ما خاض بايدن المعركة حتّى النهاية.
أما في حال انسحابه، وإن كان هذا الخيار مُستبعداً، لكن لا يمكن الجزم بعدم حدوثه، فإنّ أمام الحزب الديمقراطي معركةً صعبةً من نواحٍ عدّة، أولاها القدرة على الاتفاق والالتفاف خلف مُرشّح جديد في وقت قصير من عمر الحملة الانتخابية، خصوصاً في ظلّ الأصوات الرافضة لحلول نائبة بايدن، كاميلا هاريس، تلقائياً في مكانه إذا ما اختار بايدن الخروج من المشهد. وثانيتها، التفرّغ للمعركة في وجه ترامب، الذي منحته المناظرة، معطوفة على قرار المحكمة العليا في موضوع تمتّع الرئيس الأميركي بحصانة عن أعماله الرسمية، دفعةً ليست معنويةً فقط، بل فعلية، يستغلّها في أفضل وجه، أخيراً، في محاولة تكريس صورته بأنّه الأجدر بالمنصب في مقابل المُرشّح الديمقراطي، وإن كان هذا الأمر يجافي الحقيقة، فعودة ترامب، الذي استحقّ خلال المناظرة لقب "الكاذب الأكبر" لكثرة الأكاذيب التي أطلقها في اللقاء، أسوأ ما يمكن أن يحصل لأميركا في الفترة المُقبلة. ولا يعني هذا الأمر بطبيعة الحال أنّ بايدن أفضل، بل هي دائماً المفاضلة بين السيّئ والأسوأ، ليس في ما يتعلّق بالملفّات الداخلية الأميركية فقط، بل أيضاً بالسياسة الخارجية، وهو ما جعل حلفاء واشنطن يتعاطون مع تداعيات المناظرة بكثير من التوجّس، خصوصاً في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ يعتبرون أنّ عودة ترامب بمثابة كابوس من شأنه أن يطيح ما بذل خلال ولاية بايدن كلّه من أجل ترميم الخسائر التي سبّبتها ولاية الرئيس الجمهوري السابق، وتخطّي السجالات والخلافات التي تصبّ من وجهة نظر دول "ناتو" في صالح، أولاً روسيا الماضية في حربها ضدّ أوكرانيا مراهِنة على تغيّر الظروف لإخضاعها سياسياً، وثانياً الصين، التي تحوّلت ركناً أساساً في استراتيجيات أميركا ودول عدّة، في ظلّ محاولة تطويق نفوذها في المحيط الهندي والهادئ.
وحدها إيران، أقلّه في العلن، تبدو أكثر ارتياحاً لخيار عودة ترامب. وبغضّ النظر عمّن سيصل إلى الرئاسة بعد الجولة الثانية من الانتخابات اليوم، يمكن التوقّف هنا عند ما قاله الوزير الإيراني السابق علي عبد العلي زادة، الذي يدير حملة المُرشّح الرئاسي الإصلاحي مسعود بزشكيان، في مقابلة مع مراسل "العربي الجديد" في طهران، صابر غل عنبري، رداً على سؤال عن مدى إمكانية رفع العقوبات إذا ما عاد الرئيس الأميركي السابق إلى سدّة الحكم، إذ أعرب عن اعتقاده بأنّه "مع وجود ترامب ستزداد فرص رفع العقوبات" على قاعدة أنّ "ترامب تاجر، ونحن أيضاً، نفهم جيّداً لغة التجارة".