متلازمة سعد لمجرد
مع صدور الحُكم الذي حسمَ سنوات من الجدل، تعاطفَت عدة نساء مع المغني المغربي سعد لمجرد، وهو أمر يستحق أن يُدرجه الطّب النّفسي ضمن المُتلازمات النّفسية التي تضمُّ مشاعر غير طبيعية، مثل غرام المختَطفات بخاطفيهن. هذا رجلٌ حاول بكلّ الطّرق أن يتخلّص من تبعات فعله، لإدراكه أنه سيخرُج من المحكمة مداناً، فعرض المال على الضّحية المدّعية عليه، وشوّه سمعتها، وادّعى أنه ضحية مؤامرة، ثم تزوج. الأمر الذي يبدو الآن، بالنّظر إلى كل التفاصيل، أنّه مقصودٌ لتحسين صورة لمجرد أمام المحكمة.
مع ذلك، ورغم تواتر الأدلة والسّوابق، ما زال المُدان يحظى بدعم فئة كبيرة من الفتيات اللواتي أحببن المغنّي الظريف بوسامة وادعة لا خشنة، والناجح بقدرةٍ ممتازةٍ على صناعة الحدث في أغانيه التي تشرّب بعضها روح الأغاني الشعبية التي تذمُّ المرأة وتهاجمها. لكن السُّؤال الذي لا يمكن تفاديه هنا: لماذا لم تُرفع ضدّه أيّ قضيةٍ في المغرب أو أي بلد عربي؟ هل لأنه لم يؤذ أحداً حقاً، أم لأنّ ضحاياه لم تجرُؤن على ذلك فأغلب ضحايا الاغتصاب لا يبلِّغن، لأن المجتمع سيحمّلهن المسؤولية. عدا عن أن نجوميته وامتلاكه المال، مع نزاهةٍ مشكوكٍ فيها لفئة من منفّذي القانون، ستؤّدي إلى اختفاء التهم، واقتناع الضّحايا بأنّهن لن ينلن منه، حتى لو وصلت شكاويهن إلى المحكمة، لأنّه لا دليل لديهن ضدّه؟
هل لديكِ دليل؟ هذه الجملة تسمعها النساء ضحايا العنف الجنسي، في العالم كله، إلّا في الدول التي تمتلك قضاء عادلاً، حيث تجد الضّحايا غالباً من يصدّقهن، ويُثبت العنف الجنسي الذي تعرّضن له بشتى الطرق الممكنة، فالفرق شاسع بين مجتمع وقضاء يلومان الضّحية، ومجتمع وقضاء يحميان الضّحية. في المجتمعات الشرقية، المرأة ضحية العنف الجنسي مُلامة على ما تتعرّض له من عنف وتحرّش جنسي، فمدة طويلة رأى كثيرون، وما زال بعضهم يرى ذلك، أن مجرّد خروجها من البيت يعني موافقةً ضمنيةً على ما تتعرّض له. وأن المرأة التي تركب سيارة مع صديقٍ أو زميل، أو تعمل في مكتبٍ مغلقٍ مع زميل، أو تدخل بيتاً آخر، هي مسؤولة عما تتعرّض له. كأن الذي يرافقها بهيمةٌ عمياء، تنقضّ على أي أنثى، وليس كائناً عاقلاً، بل بفهم المجتمعات الأبوية فهو الأعقل. إذن، كيف تنقلب الآية هنا، وتُسقَط المسؤولية عن العاقل لتوضع على الذي بنصف عقل، وبقدرةٍ جسديةٍ أضعف حسب رؤيتهم القاصرة؟
حتى عند كثيرين من مدّعي الحداثة والعصرنة، ظلّ جل الرجال منزّهين عن فعل دنيء، كالتحرّش الجنسي أو الاغتصاب، فـ"فلان" لن يفعلها لأنه أكثر ثقافة ووجاهة، أو ألطف من أن يعنّف، أو له شعبية بين النساء تغنيه عن الحاجة إلى العنف ... وهذا ما يستغلّه المجرمون الجنسيون، فجلّهم يرتكبون العنف الجنسي، في أمكنةٍ لا يعرفهم فيها أحد، أو في الخفاء. ويبقى الآخرون في غفلةٍ عن الوجه الحقيقي للكائن المحترم عند العموم، والوحش عند ضحاياه.
الغريب أنه رغم مساحة الحرية الاجتماعية الموجودة الآن، والتعليم، بل وإمكانية بناء علاقات رضائية بلا حسيب. مع ذلك، العنف الجنسي في ازدياد، فإذا كان بعضهم يتحرّش بسبب الكبت والحرمان، فإن آخرين يغتصبون بسبب الوفرة، فهم لم يعودوا يجدون متعةً فيما هو رضائي، بل يبحثون عن الجنس العنيف غير الإرادي. وشخص مثل سعد لمجرد لا تعوزُه في الشرق أو الغرب نساء يبادلنه الرغبة، بالنظر إلى نجوميته، وغرام شاباتٍ كثيراتٍ به. لكن يبدو، في ظل تكرّر الشكاوى ضده، أن العنف الجنسي سلوكٌ ثابت لديه. ولا شك في أنه في البلاد العربية، وبلده المغرب، لم يتوقف عن هوايته في إخضاع أجساد ضحاياه، ولكن لأن أسئلة مثل: لماذا خرجتِ معه؟ أين الدليل؟ كيف نعرف أنه فعل ما تقولينه؟ تُطرح على الضّحايا، لم نره بعد يواجه تبعات أفعاله.
متلازمة سعد لمجرد تصل إلى دائرة الأصدقاء من الوسط الفني، الذي ينتمي إليه هو، ووالداه الممثلة نزهة الرّكراكي والمغني البشير عبدو، والذين يعرفون هويات الذين يتعاطفون معه. مع ذلك، يقفون أمام العالم، ويحاولون تغطية الحقيقة بأصابعهم. ولكنهم يكشفون وجوههم التي تنصر القريب، ظالما كان أو مظلوما.