مصيدة فستان الزفاف الملكي
تعالت التعليقات والمقارنات بشأن فستان الزفاف الملكي الذي ارتدته عروس ولي عهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله، وحيث منحت عروسه السعودية الأصل لقب أميرة ليصبح فستان زفاف الأميرة رجوة حديث النساء بكل أطيافهن، حيث ذهبت كثيراتٌ إلى ضرورة الاقتداء بفستان الأميرة واعتماد الشكل البسيط عند اختيار فساتين الزفاف. وقد درجت هذه الأيام موضة اختيار فساتين الزفاف المنفوخة الواسعة، والتي تنتهي بأذيال طويلة، ووضعت معايير لم تنقرض للأسف عند اختيار الفتيات أثواب زفافهن، فكلما كانت تنّورة الفستان واسعة وذيله طويلا دل ذلك على أن العروس قد اعتنت بثوب زفافها الذي غالبا ما ترتديه مرّة في العمر، وهو حلم حياة كل بنت منذ طفولتها. ودلّ أيضا على أن هذه العروس قد حظيت بتقديرٍ من عريسها، بحيث أمكنها اختيار فستان زفاف بهذه المواصفات.
اللافت أن فستان زفاف الأميرة الملكي لا يحمل أيا من تلك المعايير التي سارت عليها النساء منذ قرون مضت، فالفستان يمتاز بتنّورة ضيقة إضافة إلى عدم وجود ذيل جرّار له. وفيما خلا من الزركشات والإكسسوارات التي تضاف لفساتين الزفاف التي نراها على واجهة المحالّ المخصصة لبيع فساتين الزفاف، وأحيانا تأجيرها للفتيات من الطبقة الفقيرة، إلا أن ذلك لا يعني أن نصف الفستان بأنه بسيط، لو نظرنا إلى ثمنه وكلفته الفعلية.
وقد بلغ بي الفضول مبلغَه، لكي أبحث عن معلوماتٍ عن ثمن فستان زفاف رجوة وكلفته، فاكتشفت أن سعر الفستان الذي اختارته من مجموعة المصّمم اللبناني العالمي إيلي صعب يصل إلى حوالي 27 ألف دولار، ما يعني أن ثمنه يبلغ أضعاف أي فستان تختاره عروس لا تتجاوز قيمة مهرها سبعة آلاف دولار. ولذلك علينا أن نعرف أن الحديث عن البساطة يجب أن يكون حين يجمع الفستان بين بساطة الشكل وبساطة الثمن، وهذا ما يعني أننا قد وقعنا في مصيدة فستان الزفاف الملكي وسط نداءاتٍ لم تتوقف بشأن ضرورة الاحتذاء بفستان الأميرة، والبعد عن الفساتين التي يحتاج الواحد منها لقاعة زفاف منفردة لكي يتمدّد بذيله وجوانبه وطول طرحته، ونسينا أن التاج الذي يوضًع فوق شعور الأميرات والملكات يعادل ثروة ضخمة، بما يحويه من قطع اللؤلؤ والماس، إضافة إلى الحلي التي على صغر حجمها مثل الأقراط، فهي باهظة الثمن لا تحلم العرائس المزهوّات بفساتينهن المنفوشة والمزركشة بلمسها.
ليست مصيدة ثوب الزفاف الملكي حديثة العهد، حيث تخرج الأميرات في العالم بأثواب تبدو في ظاهرها بسيطة، ولكن كلفتها الفعلية باهظة، لا تتحمّلها أي ميزانية لفتاة متواضعة، وكأن الفتيات من الطبقتين المتوسّطة والفقيرة يعمدن إلى اختيار فساتين الزفاف المنفوشة والمزركشة لإخفاء الثمن الحقيقي لهذه الفساتين، والتي غالبا ما تحاك من أقمشةٍ ليست ذات جودة عالية. وغالبا ما يتعرّض فستان الزفاف للتمزّق خلال مراسم الزفاف. ولذلك لا تتردّد أم العروس الحريصة على إتمام حفل زفاف ابنتها في أن تستقدم خيّاطة بأدوات خياطتها لتندسّ بين المدعوّات لإنقاذ أي موقفٍ. وبالتأكيد لم تلجأ أم رجوة لهذا الخيار الاحترازي البائس.
بدأت مصيدة ثوب الزفاف الملكي حين كانت العرائس الفقيرات لا يخترن أثواب زفاف بيضاء ناصعة في أيام أعراسهن، لأن القماش الأبيض كان غالي الثمن وصعب التنظيف. وفيما لا تستطيع العروس الفقيرة استغلال الفستان لكي ترتديه في مناسبات أخرى، فكنّ يخترن فساتين سوداء، حتى ظهرت صور الأميرات والملكات بأثواب زفاف بيضاء. وكان ذلك قبل القرن التاسع عشر، حيث انتقلت موضة فساتين الزفاف البيضاء إلى عرائس عامّة الشعب، بعد تصوير حفل زفاف الملكة فيكتوريا من الأمير ألبرت في عام 1840، وظهرت الملكة بثوب زفاف أبيض من الدانتيل، فتمسّكت العرائس بهذا اللون الذي كان قاصراً على الأثرياء، ويتعلق بالتباهي بالثروة، وليس رمزا للنقاء والبراءة، كما ذهبت المعتقدات، عند اختيار هذا اللون بالذات لفساتين الزفاف في العالم.