من يحمي المغاربةَ من لوبي التعليم الخاص؟
أصبح لوبي التعليم الخاص في المغرب أحد أكثر اللوبيات شراسةً، بعد أن نجح في توسيع شبكة نفوذه التي سمحت له بتحصين مكاسبه التي راكمها في غياب المحاسبة والرقابة. جديد فصول هذه الشراسة إصرار معظم المدارس الخاصة على استخلاص رسوم شهر يوليو/ تموز الجاري من أسر التلاميذ، في وقت انتهى الموسم الدراسي في مختلف المراحل التعليمية نهاية الشهر المنصرم (يونيو/ حزيران). وقد أعاد ذلك إلى الواجهة التوتر الذي حصل قبل سنتين (2020) بين هذه المدارس وأولياء أمور التلاميذ، حين أصرّ أربابها على استخلاص رسوم الأشهر الثلاثة للحجر الصحي، مستغلين ظروف الجائحة وتداعياتها.
ترفض معظم المدارس الخاصة إعفاء الأسر من أداء رسوم الشهر الجاري. ولتبرير استخلاصها، لجأت إلى تمديد الموسم الدراسي، من خلال برامج ترفيهية مكرورة، في خرق سافر لما تضمنته المذكّرة الوزارية، الصادرة في 20 مايو/ أيار الفائت، بشأن مواعيد فروض المراقبة المستمرّة والامتحانات في التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي، والتي حُدِّدت ما بين 27 يونيو/ حزيران و2 يوليو/ تموز. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها ''اتحاد آباء وأمهات وأولياء تلميذات وتلاميذ مؤسسات التعليم الخاص بالمغرب''، من أجل تدخل الوزارة الوصية، ووضع حدٍّ لتحايل المدارس الخاصة، وإيقاف الابتزاز الذي تقوم به، عبر تمطيط الزمن المدرسي بشكل غير مبرّر، ومن دون سياق تربوي يؤطّره، إلا أن الأسر وجدت نفسها مجبرةً على الانصياع لجشع أرباب هذه المدارس الذين يسابقون الزمن من أجل ''قطع الطريق'' عليها والحيلولة دون تبلور حلٍّ متوافق عليه يُرضي الطرفين. أكثر من ذلك، لم تتورّع مؤسساتٌ كثيرة عن رفع رسوم إعادة التسجيل وأسعار التمدرس بشكلٍ مبالغ فيه، في غياب حماية قانونية للأسر التي وجدت نفسها في وضعٍ لا تُحسد عليه، خصوصا في ظل اللامبالاة التي أبدتها الوزارة في تعاطيها مع هذا الملف.
لا يمكن تفسير سلوك لوبي التعليم الخاص في المغرب إلا بغياب إطارٍ قانونيٍّ وتنظيمي متوازن يحفظ مصالح الأطراف المعنية، بما يمكِّن هذا التعليم من لعب دوره، المفترض، في النهوض بمنظومة التربية والتكوين وتجاوز أعطابها. وتجعل هذه الفجوة القانونية اللوبي المذكور أكثر تغوّلا في التصدّي للبرامج والسياسات التي تتوخّى إصلاح التعليم العمومي، ما يُحوِّل التعليم الخاص إلى خيار وحيد ومفروض على الأسر التي تتطلع إلى تمكين أبنائها من تعليم جيّد، ولو ضمن الحدود الدنيا. ومع التضخّم الذي شهدته مؤسسات التعليم الخاص، وغياب أي أفق لإصلاح آليات اشتغالها، تحولت إلى لوبي حقيقي يُكرّس طبقية التعليم في المغرب، ويُفاقم الفوارق الاجتماعية والثقافية والمجالية. ولعل المفارقة الكبرى أن مؤسّساتٍ خاصةً كثيرةً لا تتوفر على الوسائل والموارد اللازمة التي تؤهلها لتقديم تعليم جيد، يتوافق مع متطلبات الانخراط في العصر. وقد كشفت جائحة كورونا ذلك بشكلٍ أعاد إلى النقاش العمومي التخبّط الذي تعرفه القطاعات الاجتماعية الحساسة، وفي مقدمتها التعليم والصحة، اللذان يختزلان، إلى حد كبير، محنة الطبقة الوسطى وهما بالنسبة إليها الحصن الأخير، في ظل تراجع وزنها في معادلة الصراعين، الاجتماعي والسياسي، وفقدانها مكاسب اجتماعية هامة نتيجة السياسات الليبرالية للحكومات المغربية المتعاقبة.
في البلدان المتقدّمة والديمقراطية، تلعب جماعات الضغط دورا حيويا في الصراعين، السياسي والاجتماعي، فتسعى إلى التأثير في صناعة القرار من أجل حماية مصالح القوى الاجتماعية التي تمثلها، ولكن من دون إضرار بمصالح القوى الأخرى، مع وجود آليات ناجعة للمحاسبة والرقابة والحكم الرشيد، بما يحقّق التوازن بين مختلف المصالح. أما في البلدان المتخلفة، الغارقة في الفساد والاستبداد، فغالبا ما تسعى جماعات الضغط، الهجينة في معظمها، إلى تسخير مؤسّسات دولها للحفاظ على مصالحها الفئوية التي تتعارض، بالضرورة، مع مصالح أوطانها.