يحيا الكسل
يبدو أنّك قد قرّرت أن تقنع نفسك بأن تُجري تحوّلاً في نظام حياتك، وهو أن تتكاسل قليلاً، وألّا تُمضي ما تبقى من حياتك مثل نحلة لا تتوقّف عن الطيران والدوران، فقرّرت أن تلصق بنفسك لقب "دبّ كسول"، أو قطّة سيامية من دون أن ترفق صفة الكسل فيها، فمعروفٌ عن هذا النوع من القطط الكسل، لكن هل سيستمرّ قرارك هذا طويلاً؟ تسأل نفسك وأنت تتأمّل صورتك في المرآة، وأنت تتلمّس الخطوط الرفيعة التي وجدت طريقها إلى جبهتك وزوايا عينيك، وترفقه بسؤال آخر، وهو: هل سيمهلك العمر لكي تقدّم احتجاجاً ضد التزامات الحياة التي توشك أن تخنقك.
تحاول إقناع نفسك بأنّ الكسل هو رديف الترف على مرّ العصور، والكسل للأنثى هو رديف الدلال تحديداً، وأنّ هذا النشاط الذي اتّخذته شعاراً لحياتك ما هو إلّا دليل بؤسك. هكذا تنظر ثانية إلى المرآة، وتقرّر أن تسترخي ولينتظرك كلّ شيء في هذا العالم فأنت مُنهك، ولن تقوم القيامة ويأتي الطوفان لأنّك لم تنهض راكضاً من سريرك وكأنك تركتَ فوقه كل شياطين الجحيم.
في تغريدات ومنشورات عابرة، تكلّم روّاد مواقع التواصل الاجتماعي عن يوم عالمي للكسل، ولم يحتفلوا به مثل باقي الأيام العالمية، وكأنّ كل واحدٍ قد قرّر ألّا يلصق تهمة الكسل بنفسه، حتى إنّ قلّة من يعرفون موعده الحقيقي وقلّة من يعترفون بوجوده، وكأن من قرّروا ابتداعه قد تكاسلوا عن الاحتفال به، وكأنّي أنا مثلاً قد تكاسلتُ أو تظاهرتُ بأنني قرّرت أن أرفع شعار "يحيا الكسل" في حياتي، فكتبتُ عنه متأخّرة جداً، وذلك لا يمنع أنّ الكسل في رأيي ومنذ نعومة أظافري صفة مذمومة في الإنسان. ولأنّهم هكذا علّمونا، فقد حرصتُ أن أكون طفلة ثم فتاة ثم امرأة نشيطة، ولم أكن أعرف أن المرأة النشيطة قد تتحوّل إلى امرأة مُنهكة تخشّب قلبها، ففقدت أجمل عناصر الأنوثة.
بإمكانك أن تتشبّث بتفاصيل الاحتفال بقرارك أن تتكاسل قليلاً وأنت تكتشف أن هذا اليوم العالمي يكرّم الكسالى. ولذلك فهو لم يعلن عن نفسه إلّا على استحياء، وأنّ هذا اليوم مجهولُ المنشأ، على عكس كل الأيام التي هناك من يتبارى ويتنافس ليعلن أبوّته لها مهما كانت غبيّة أو تافهة، وبتشبثٍ متراخٍ عن تفاصيل اليوم العالمي للكسل تعرف أنّ للكولومبيين سلوكاً مختلفاً حول الدعوة إلى التكاسل، والبقاء في الفراش، وعدم دخول المطبخ في يوم واحد من السنة، حيث إنهم وفي مدينة إيتاغوي (شمال غربي كولومبيا)، اعتادوا على الخروج إلى الشوارع، في محاولة لحثّ العمّال المتعبين المتناثرين على الأرصفة على نيل قسط من الراحة.
يقول الدعاة إلى الكسل إن تكاسل المرأة أحياناً يكون في صالحها، فلا تتحوّل المرأة الكادحة إلى كائنٍ قاسٍ بالتدريج، وأوّل شخصٍ يقسو عليه هو نفسها فتحمّلها ما لا تطيق. ولذلك ونحن نلتفت حولنا نرى الأمهات اللواتي تبادلن الأدوار مع الرجال قد تحوّلن إلى آلات متهالكة، وتكالبت عليهن الأمراض مبكّراً، ورسم الزمن على وجوههن علاماته سريعاً حتى ذهب علماء لتفسير ظهور الشيب المبكّر بأنّ التعب الجسدي من أحد أسبابه إذ يقصّر الإنسان في الحصول على التغذية الصحّية المتوازنة بما فيها عناصر مهمة تمنح الشعر الأبيض لونه الطبيعي ورونقه.
يدعو هؤلاء المرأة إلى أن تستمتع بأنوثتها، ويقولون إنّ العرب قديماً كانوا يستقدمون الجواري، لكي تتفرّغ النساء لأنفسهن، فيعتنين بجمالهن، ويبقين مستعدّات لإسعاد أزواجهن، حتى إنّ الواحدة لم تكن تتزوّج من دون أن تصحب جارية معها، أو يهديها لها أبوها، أو أحد أحبّتها. وبذلك تكتشف أنّ المرأة النشيطة المنهكة التي تركض اليوم وراء لقمة عيشها هي مستحدثة، جارت عليها المدنيّة، وجار عليها الرجال الذين تملّصوا من أدوارهم، والذين يبحثون في الأساس عن القطط الكسالى اللواتي يقلّمن أظافرهن في استرخاء، ويطلين هذه الأظافر بتكاسلٍ وتمهّلٍ لا يوصف.