08 نوفمبر 2024
إسبانيا بعد الانتخابات
لم تخرج نتائج الانتخابات التشريعية في إسبانيا في 20 ديسمبر/ كانون أول الجاري عمّا توقعته معظم استطلاعات الرأي. حل الحزب الشعبي (يمين الوسط)، والذي يقوده رئيس الحكومة، ماريانو راخوي، أولاً، بحصوله على 123 مقعداً، متبوعاً بالاشتراكي العمالي بـ 90 مقعداً، ثم "بوديموس" اليساري بـ 69 مقعداً، و" ثيودادانوس" اليميني بـ 40 مقعداً، وتوزعت باقي المقاعد على الأحزاب القومية والصغيرة. وإذ تؤشر هذه النتائج إلى صعود قوى سياسية جديدة، فإنها تؤشر، في المقابل، على تراجع الحزبين الكبيرين بكل ثقلهما التاريخي، فما حصل عليه "الشعبي" أضعف نسبة يحصل عليها حزب فائز منذ 1982، وما حصل عليه "الاشتراكي العمالي" هو الأسوأ في تاريخه، ما يعني نهاية مرحلة وبداية أخرى في إسبانيا.
يطرح ذلك تحديات جديدة أمام الديمقراطية الإسبانية التي قامت، منذ البداية، على نظام الثنائية الحزبية على ضوء التوافق الوطني التاريخي بين اليمين واليسار نهاية السبعينات، واستمر في تناوب الحزبين على السلطة، منذ اقتراع عام 1982، غير أن المتغيرات في المجتمع، طوال هذه السنوات، واستشراء الفساد في مؤسسات عديدة، وارتفاع البطالة، وتدهور أوضاع الطبقة الوسطى، وتراجع الإيديولوجيات الكبرى، كان لذلك كله أثره على قواعد اللعبة السياسية التي بدأت تعرف نوعاً من التغيير، وهو ما بدا بجلاء في الانتخابات الجهوية والبلدية في مايو/أيار الماضي، حين استطاع الحزبان الجديدان، بوديموس وثيودادانوس، الفوز في عدد من البلديات، وصولاً إلى تحقيقهما اليوم إنجازاً غير مسبوق، بحصولهما معاً على 109 مقعداً في أول انتخابات تشريعية يخوضانها، ما يدل، في نظر محللين، على أن الأصوات التي فقدها "الشعبي" و"الاشتراكي" و"العمالي" آلت إليهما. في إشارة دالة على هذا التغيير.
لأول مرة، ستجد الطبقة السياسية الإسبانية نفسها في مواجهة وضعٍ صعب جداً، فانقسام الخارطة الانتخابية في البرلمان لن يسمح لأي حزب بالانفراد بتأليف الحكومة كما كان الأمر سابقاً. فالحزب الشعبي الذي لن يستطيع الحكم بمفرده مضطر للتحالف مع أحزاب أخرى في سيناريوهات مختلفة. فإذا تحالف مع "ثيودادانوس"، وهو ما يراه بعضهم مستبعداً، للخلافات بينهما، فإن عدد مقاعدهما مجتمعة (163) لا تخوّلهما حيازة الأغلبية المطلقة التي تتطلب 176 مقعداً، وهو ما قد يدفع براخوي إلى فتح مشاورات مع غريمه التاريخي الاشتراكي العمالي، لتشكيل تحالف يجمع الأحزاب الثلاثة.
الشيء نفسه لدى أحزاب اليسار، بات تحالفها صعباً، بعد أن ربط بابلو إيغليثياس زعيم "بوديموس" تحالفه مع الاشتراكي العمالي بقبول الأخير تنظيم استفتاء على استقلال كتالونيا، وتعديل دستوري يعطي الحق لمناطق الحكم الذاتي لتنظيم الاستفتاءات والاستشارات الشعبية، ما يبدو شرطاً تعجيزياً لن يقبل به حزب بيدرو سانشيث. وحتى لو تحالف الحزبان، يظلان بعيدين عن النصاب المطلوب، إذ لا يتجاوز عدد مقاعدهما 160، ما يحتم عليهما التحالف مع الأحزاب الأخرى (اليسار الجمهوري الكتالاني، الديمقراطية والحرية "يمين كتالاني محافظ"، القومي الباسكي، واليسار الموحد..)، والتي يظهر أنها أصبحت تمتلك مفاتيح تشكيل أي حكومة مقبلة. وحسب مقتضيات الدستور الصادر عام 1978، ستكون الشخصية التي سيختارها الملك فيليبي السادس لتأليف الحكومة مطالبةً بحيازة ثقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب في تصويت أول، والنسبية في تصويت ثان. وفي حالة إخفاقها في ذلك، يمكن للملك اختيار شخصية أخرى، وهذا وارد في ضوء خريطة ما بعد الانتخابات، لا سيما أن الأحزاب الأربعة الأولى مختلفة بشأن قضايا عديدة تؤرق المجتمع، مثل الأزمة الاقتصادية والفساد والبطالة والقروض البنكية وتعديل التنظيم الترابي وانفصال إقليم كتالونيا.
تترك طبيعة النظام الحزبي السائد في الديمقراطيات الغربية أثرها على المشهد السياسي، ومؤكد أن الثنائية الحزبية أصبحت جزءاً من تركيبة هذا المشهد في إسبانيا، غير أن ما حدث في الاقتراع، أخيراً، سيفتح الباب أمام تحول هذه الثنائية نحو تعددية حزبية، ستفرض على النخب الإسبانية تطوير ثقافة التفاوض لدى مختلف مكوناتها، والتمرّس على تقديم تنازلاتٍ متبادلة، حتى يسهل المرور إلى توافقاتٍ تتيح تشكيل الفريق الحكومي.
يطرح ذلك تحديات جديدة أمام الديمقراطية الإسبانية التي قامت، منذ البداية، على نظام الثنائية الحزبية على ضوء التوافق الوطني التاريخي بين اليمين واليسار نهاية السبعينات، واستمر في تناوب الحزبين على السلطة، منذ اقتراع عام 1982، غير أن المتغيرات في المجتمع، طوال هذه السنوات، واستشراء الفساد في مؤسسات عديدة، وارتفاع البطالة، وتدهور أوضاع الطبقة الوسطى، وتراجع الإيديولوجيات الكبرى، كان لذلك كله أثره على قواعد اللعبة السياسية التي بدأت تعرف نوعاً من التغيير، وهو ما بدا بجلاء في الانتخابات الجهوية والبلدية في مايو/أيار الماضي، حين استطاع الحزبان الجديدان، بوديموس وثيودادانوس، الفوز في عدد من البلديات، وصولاً إلى تحقيقهما اليوم إنجازاً غير مسبوق، بحصولهما معاً على 109 مقعداً في أول انتخابات تشريعية يخوضانها، ما يدل، في نظر محللين، على أن الأصوات التي فقدها "الشعبي" و"الاشتراكي" و"العمالي" آلت إليهما. في إشارة دالة على هذا التغيير.
لأول مرة، ستجد الطبقة السياسية الإسبانية نفسها في مواجهة وضعٍ صعب جداً، فانقسام الخارطة الانتخابية في البرلمان لن يسمح لأي حزب بالانفراد بتأليف الحكومة كما كان الأمر سابقاً. فالحزب الشعبي الذي لن يستطيع الحكم بمفرده مضطر للتحالف مع أحزاب أخرى في سيناريوهات مختلفة. فإذا تحالف مع "ثيودادانوس"، وهو ما يراه بعضهم مستبعداً، للخلافات بينهما، فإن عدد مقاعدهما مجتمعة (163) لا تخوّلهما حيازة الأغلبية المطلقة التي تتطلب 176 مقعداً، وهو ما قد يدفع براخوي إلى فتح مشاورات مع غريمه التاريخي الاشتراكي العمالي، لتشكيل تحالف يجمع الأحزاب الثلاثة.
الشيء نفسه لدى أحزاب اليسار، بات تحالفها صعباً، بعد أن ربط بابلو إيغليثياس زعيم "بوديموس" تحالفه مع الاشتراكي العمالي بقبول الأخير تنظيم استفتاء على استقلال كتالونيا، وتعديل دستوري يعطي الحق لمناطق الحكم الذاتي لتنظيم الاستفتاءات والاستشارات الشعبية، ما يبدو شرطاً تعجيزياً لن يقبل به حزب بيدرو سانشيث. وحتى لو تحالف الحزبان، يظلان بعيدين عن النصاب المطلوب، إذ لا يتجاوز عدد مقاعدهما 160، ما يحتم عليهما التحالف مع الأحزاب الأخرى (اليسار الجمهوري الكتالاني، الديمقراطية والحرية "يمين كتالاني محافظ"، القومي الباسكي، واليسار الموحد..)، والتي يظهر أنها أصبحت تمتلك مفاتيح تشكيل أي حكومة مقبلة. وحسب مقتضيات الدستور الصادر عام 1978، ستكون الشخصية التي سيختارها الملك فيليبي السادس لتأليف الحكومة مطالبةً بحيازة ثقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب في تصويت أول، والنسبية في تصويت ثان. وفي حالة إخفاقها في ذلك، يمكن للملك اختيار شخصية أخرى، وهذا وارد في ضوء خريطة ما بعد الانتخابات، لا سيما أن الأحزاب الأربعة الأولى مختلفة بشأن قضايا عديدة تؤرق المجتمع، مثل الأزمة الاقتصادية والفساد والبطالة والقروض البنكية وتعديل التنظيم الترابي وانفصال إقليم كتالونيا.
تترك طبيعة النظام الحزبي السائد في الديمقراطيات الغربية أثرها على المشهد السياسي، ومؤكد أن الثنائية الحزبية أصبحت جزءاً من تركيبة هذا المشهد في إسبانيا، غير أن ما حدث في الاقتراع، أخيراً، سيفتح الباب أمام تحول هذه الثنائية نحو تعددية حزبية، ستفرض على النخب الإسبانية تطوير ثقافة التفاوض لدى مختلف مكوناتها، والتمرّس على تقديم تنازلاتٍ متبادلة، حتى يسهل المرور إلى توافقاتٍ تتيح تشكيل الفريق الحكومي.