أم العروسة
كان خبراً مفرحاً الذي تلقيته، عبر الهاتف، من صديقة العمر، والتي مارست أمومتها الأولى معي، بحكم أنها تكبرني سنوات، وأن الجيرة في المخيم كانت تعني أن الجميع عائلة واحدة، ففرحت من أعماق قلبي، حين نقلت لي خبر خطوبة ابنتها الوحيدة، وكانت فرحتي مضاعفةً لأن صديقتي، المميزة فكراً وثقافة، وضعت مع زوجها شروط زواج ميسرة وغير معتادة، خصوصاً أن ابنتهما تخرجت من واحدةٍ من كليات القمة، كما يطلق عليها، حسب تصنيف الجامعات والكليات في بلادنا العربية، فصديقتي وجارة المخيم باختيارها لـ "صهر المستقبل" كسرت عدة قواعد مفاجئة ومذهلة، لازال الجميع يجري عليها.
القاعدة الأولى التي كسرتها أم العروسة أن لديها ابنة وحيدة، ونظرة المجتمع للابنة الوحيدة التي تربت بين عدة أشقاء، أنها مدللة وكثيرة المتطلبات. ولذلك، فغالبية الأمهات الراغبات في البحث عن زوجة لأبنائهن، حسب الطريقة التقليدية للزواج، يرين أن الابنة الوحيدة تكون مرهقةً كزوجة مستقبلية، وليست" بنت عيشة"، لكن ابنة صديقتي تحملت المسؤولية منذ صغرها، وتعلمت أن تكون ربة بيت مدبرة وماهرة، في غياب الأم عن البيت.
تخرجت العروسة طبيبة أسنان، وكان الجميع يتوقع أن تختار عريساً من التخصص نفسه، أو من تخصص مشابه، فالمتعارف عليه في مجتمعاتنا، إلا فيما ندر، أن يتزوج الطبيب من طبيبة، والمهندس من مهندسة، لكن صديقتي، وبصوت مفعم بالفرح، قالت لي: ليس المهم أن يكون طبيباً مثلها، فالأهم أن كلاً منهما شعر بالراحة والتقارب نحو الآخر.
والد العروسة هو صاحب القرار فيما يخص تحديد مهر العروس، حسب العادات وأمام وجهاء " طلبة العروس"، حيث يفد العريس مع عائلته إلى منزل عائلة العروسة لتحديد المهر، ولكنه اتفق مع أم العروسة على أن أن يكون مهرها المعجل ديناراً واحداً، والمؤخر ديناراً واحداً. ومن دون تفصيلاتٍ شرعيةٍ ودينيةٍ في هذا المقام، للوالدين رؤية أخرى، هي أن ابنتهما عزيزة وغالية، ولا مال في الدنيا يقدّرها، فكيف تقدر ببضعة آلاف من الدنانير، حسبما تعارف عليه بين الناس، خصوصاً أن الدارج، هذه الأيام، تحديد المهر للعروس الجامعية بمبلغ معين، يجري عليه الناس في تزويج بناتهن، وتحديد مبلغ آخر يجري عليه بالنسبة للعروس الحاصلة على شهادة الثانوية العامة فقط، لكن الوالدين أرادا التيسير أيضاً على الخاطب، وتركا باب تحديد تكاليف الزواج، وما تحتاجه العروس لذوقه مع عائلته، وبالتراضي بين العائلتين والعروسين خصوصاً، كما أن المهر المؤجل الذي حدّده الأب ضاحكاً بأنه دينار، فذلك حسبما يرى، لكي لا يكون المال الرابط الوحيد بين زوجين، إن استحالت العشرة، كما يحدث في كل القضايا الزوجية، والتي نسمعها، حيث يعتقد ذوو الأمر أنهم يقيدون الزوج بمبالغ ضخمة، لكي "لا يلعب بذيله"، وهم لا يعرفون أنه سيلعب بذيله وشواربه ولحيته، وابنتهم في بيتها تغط في سبات عميق، مع حفنة من أطفالها.
كسرت صديقتي، أم العروسة، عدة قوانين صارمة، شحذها المجتمع على رقاب الشباب والشابات، ليصبح العزوف عن الزواج ديدن الشباب، وتأخره موضة العصر بالنسبة للبنت التي تحلم بالأمومة والبيت الدافئ والعش الصغير، فلا عجب أن ارتفاع المهور واشتراط الآباء وتعنت الأمهات ومجاراة الصاحبات، وحب التفاخر والمباهاة، من الأسباب التي نغفل عنها لتفشي جريمة التحرّش ببناتنا، والتي قد تصل إلى حد الاغتصاب. ولكثرة المشكلات الزوجية، إن حدث الزواج، بسبب ما ينتظر الزوج من أقساط وديون تنغص عليه سعادته، وتكدّر عليه مناماته وصحوه، وقد يصب جام غضبه فوق رأس عروسه التي كانت السبب في التفاف مشنقة الأموال المستحقة حول عنقه.
لأم العروسة، صديقتي، كل التهاني والأمنيات، ولكل الأمهات والآباء مني الدعوات بأن يجعلن من "أم العروسة" صديقتي بداية الشرارة للتغيير، لأن الحياة السعيدة تبدأ بخطوة يخطوها أحدهم في مجتمعٍ لازال يسير معصوب العينين خلف الموروث القديم.