04 نوفمبر 2024
مقاطعة الاحتلال والبعد الإنساني للقضية الفلسطينية
لا أحد يُنكر أن القضية الفلسطينية، باعتبارها نضالاً مشروعا ضد الاحتلال، فقدت، على الرغم من نبلها الكثير من بريقها، ولم تعد تثير تعاطف أحرار العالم على نحو ما فعلت في الستينيات والسبعينيات من القرن الفارط، حيث تطوع للنضال المسلح عدة مناضلين، وخاضوا أشرس المعارك، وانضووا تحت ألوية الفصائل الفلسطينية المسلحة، كما انخرط عديدون منهم في أشكال أخرى من النضال، لا تقل سمواً عن ذلك. كتب بعضهم نصوصاً، وأنجز آخرون أفلاما، وقاطع بعض آخر بضاعة. ....
انحسار الدعم هذا، حتى في شكله الأدنى، ناجم عن عدة عوامل، منها ما يعود إلى تبدّلات النظام العالمي وتراجع موجات حركات التحرّر الوطني، ومنها ما يعود إلى مسارات التسوية التي عرفتها القضية، خصوصا بعد "أوسلو"، فضلا عن الانقسام الداخلي الفلسطيني، وبعض أخطاء التقدير التي أساءت للقضية الفلسطينية. ومع صحة ما ذكرنا، إلا أن الأمر أعمق من ذلك بكثير. لا ننسى أن الأذى الذي لحق بعدالة النضال الفلسطيني كان أيضاً جرّاء ما اقترفه بعض العرب والمسلمين من عمليات إرهابية كانت معولاً دامياً قد أغرس في الرأس بشكل قاتل. هناك انزياحات رهيبة تمت في العقدين الأخيرين بشكل خاص، فهذا العربي المسلم الذي يرتكب تلك الفظاعات هو شقيق الفلسطيني وجاره، لكنه غدا، فيما بعد، هو الفلسطيني نفسه. تلعب الآلة الدعائية المضادة للعرب، وللفلسطينيين بالذات، على إعادة تركيب الصورة، وتلبيسها لجعل كره الفلسطيني أحد مشتقات كره العرب، والعكس صحيح، يستعمل بعض الإرهابيين، وهم يتلون بيناتهم ووصاياهم، القضية الفلسطينية مبرّراً.
ومع كل تلك التغيرات الدرامية، لن نفعل شيئاً يذكر لتعديل هذا المشهد المرعب. ولم ننجز شيئاً لاستئناف تغذية موجات التعاطف مع الشعب الفلسطيني. ولعل فشلنا في وقف بناء جدار العزل، وفي كسر الحصار الظالم عن غزة، ووقف تهويد القدس، من مؤشرات ذلك العجز.
أعتقد أن هناك جبهة هادئة ومشلولة، يمكن أن نشتغل على إشعالها حقيقة، لا تقل نبلاً وشراسة عن إشعال جبهات أخرى، وهي لا تعد نفسها أصلاً بديلاً عنها، إنها استئناف تعبئة الرأي العالمي من أجل مناصرة القضية الفلسطينية، وحشد مختلف أشكال التعاطف وتعبئتها ضد الاحتلال.
إعادة جاذبية القضية الفلسطينية إلى أوساط واسعة من المتعاطفين في مختلف أنحاء العالم،
استناداً إلى تجربة المقاطعة هي الهدف الأخلاقي وراء مبادرة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عقد مؤتمرٍ ينظر في تفعيل أشكال المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
خارج ضغط اللحظة التونسية بامتياز التي تخنقنا جميعا، وانكفاؤنا على الشأن الوطني، في بعده القُطْري، حرص المركز أن تحتضن تونس بالذات، لرمزيتها المكثفة في سياقنا العربي، هذه البادرة، خصوصا وأن هناك خشية تتعاظم من أن تندس القضية الفلسطينية تحت ركام فشلنا وارتباكنا في تدبر أقوم المسالك في إنجاح الانتقال الديمقراطي، فثورات الربيع العربي، على أهميتها ونبل وعودها ومشروعية اندلاعها، بقطع النظر عن مآلاتها، قد انغمست في الشأن المحلي، وذلك ما جعل أوجاع أشقائنا الفلسطينيين تفقد، حتى أدنى صداها في وجدان بعضنا. تؤكد جل المؤشرات، فضلا عن استطلاعات الرأي، ما ذهبنا إليه.
حرصنا في المؤتمر على استحضار تجربة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، لبلاغتها وعمقها الإنساني، فضلا على مردوديتها السياسية. التجربة للاستلهام وليست للنقل الحرفي، فالسياقات غير السياقات والفاعلون غير الفاعلين. ولكن، علينا ثانيةً أن نكون أكثر تواضعاً في التعلم من تجارب غيرنا.
حضر ما يناهز 70 مشاركاً، جلهم أجانب أو قادمون من الشتات، وهم عازمون على تقييم تجربة المقاطعة، كما خاضتها مختلف الحركات الاجتماعية والشبابية المدنية، وكان ذلك من وجهة نظر أكاديمية، بعيداً عن التمترس الأيديولوجي، وعن شعارات كالتي رفعها في قاعة المؤتمر غوغائيون فاشيون اقتحموا الجلسة العلمية الافتتاحية للمؤتمر، ما تسبب بإرباك سيرها الطبيعي. ما الذي دفع هؤلاء إلى ارتكاب هذه الحماقة سوى جبال من الجهل والسمسرة، تكدّسوا وراءها، حتى عادوا كالبراميل المتفجرة؟
قد تكون وراءهم غاياتٌ أخرى، لا تعنينا كثيراً. ولكن، ما جناه هؤلاء من أفعالهم الشنيعة تلك هو مزيد من الاستهجان والاستخفاف إلى حد الشفقة. كان الأمر يهون، لو أن من قاموا بهذه السخافات كانوا شباباً. كنا سنقول طيش شباب، وحماسة مراهقة مررنا بها كلنا، بشكل أو بآخر. ولكن، وقد تصدر ذلك من في السبعين من أعمارهم، فإن الأمر جلل حقيقة، فهم لم يبارحوا مطلقا مواقعهم منذ ستينيات القرن الماضي، وظلوا متمترسين في قوالب محنطة، تشي بكثير من السطحية والجهل. هل تشفع لهم أعلام فلسطين، أو شعارات المنظمات الفلسطينية المرفوعة فعلتهم. قبلهم، هناك من رفعوا المصحف، وآخرون تلحفوا بقميص عثمان، لمواراة خبثهم أو لؤمهم.
قال محمود درويش، مرة، "أريحونا من هذا الحب القاتل"، لفضح زيف من "أحبّ" الفلسطينيين، وهو ينحرهم حقيقة.
انحسار الدعم هذا، حتى في شكله الأدنى، ناجم عن عدة عوامل، منها ما يعود إلى تبدّلات النظام العالمي وتراجع موجات حركات التحرّر الوطني، ومنها ما يعود إلى مسارات التسوية التي عرفتها القضية، خصوصا بعد "أوسلو"، فضلا عن الانقسام الداخلي الفلسطيني، وبعض أخطاء التقدير التي أساءت للقضية الفلسطينية. ومع صحة ما ذكرنا، إلا أن الأمر أعمق من ذلك بكثير. لا ننسى أن الأذى الذي لحق بعدالة النضال الفلسطيني كان أيضاً جرّاء ما اقترفه بعض العرب والمسلمين من عمليات إرهابية كانت معولاً دامياً قد أغرس في الرأس بشكل قاتل. هناك انزياحات رهيبة تمت في العقدين الأخيرين بشكل خاص، فهذا العربي المسلم الذي يرتكب تلك الفظاعات هو شقيق الفلسطيني وجاره، لكنه غدا، فيما بعد، هو الفلسطيني نفسه. تلعب الآلة الدعائية المضادة للعرب، وللفلسطينيين بالذات، على إعادة تركيب الصورة، وتلبيسها لجعل كره الفلسطيني أحد مشتقات كره العرب، والعكس صحيح، يستعمل بعض الإرهابيين، وهم يتلون بيناتهم ووصاياهم، القضية الفلسطينية مبرّراً.
ومع كل تلك التغيرات الدرامية، لن نفعل شيئاً يذكر لتعديل هذا المشهد المرعب. ولم ننجز شيئاً لاستئناف تغذية موجات التعاطف مع الشعب الفلسطيني. ولعل فشلنا في وقف بناء جدار العزل، وفي كسر الحصار الظالم عن غزة، ووقف تهويد القدس، من مؤشرات ذلك العجز.
أعتقد أن هناك جبهة هادئة ومشلولة، يمكن أن نشتغل على إشعالها حقيقة، لا تقل نبلاً وشراسة عن إشعال جبهات أخرى، وهي لا تعد نفسها أصلاً بديلاً عنها، إنها استئناف تعبئة الرأي العالمي من أجل مناصرة القضية الفلسطينية، وحشد مختلف أشكال التعاطف وتعبئتها ضد الاحتلال.
إعادة جاذبية القضية الفلسطينية إلى أوساط واسعة من المتعاطفين في مختلف أنحاء العالم،
خارج ضغط اللحظة التونسية بامتياز التي تخنقنا جميعا، وانكفاؤنا على الشأن الوطني، في بعده القُطْري، حرص المركز أن تحتضن تونس بالذات، لرمزيتها المكثفة في سياقنا العربي، هذه البادرة، خصوصا وأن هناك خشية تتعاظم من أن تندس القضية الفلسطينية تحت ركام فشلنا وارتباكنا في تدبر أقوم المسالك في إنجاح الانتقال الديمقراطي، فثورات الربيع العربي، على أهميتها ونبل وعودها ومشروعية اندلاعها، بقطع النظر عن مآلاتها، قد انغمست في الشأن المحلي، وذلك ما جعل أوجاع أشقائنا الفلسطينيين تفقد، حتى أدنى صداها في وجدان بعضنا. تؤكد جل المؤشرات، فضلا عن استطلاعات الرأي، ما ذهبنا إليه.
حرصنا في المؤتمر على استحضار تجربة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، لبلاغتها وعمقها الإنساني، فضلا على مردوديتها السياسية. التجربة للاستلهام وليست للنقل الحرفي، فالسياقات غير السياقات والفاعلون غير الفاعلين. ولكن، علينا ثانيةً أن نكون أكثر تواضعاً في التعلم من تجارب غيرنا.
حضر ما يناهز 70 مشاركاً، جلهم أجانب أو قادمون من الشتات، وهم عازمون على تقييم تجربة المقاطعة، كما خاضتها مختلف الحركات الاجتماعية والشبابية المدنية، وكان ذلك من وجهة نظر أكاديمية، بعيداً عن التمترس الأيديولوجي، وعن شعارات كالتي رفعها في قاعة المؤتمر غوغائيون فاشيون اقتحموا الجلسة العلمية الافتتاحية للمؤتمر، ما تسبب بإرباك سيرها الطبيعي. ما الذي دفع هؤلاء إلى ارتكاب هذه الحماقة سوى جبال من الجهل والسمسرة، تكدّسوا وراءها، حتى عادوا كالبراميل المتفجرة؟
قد تكون وراءهم غاياتٌ أخرى، لا تعنينا كثيراً. ولكن، ما جناه هؤلاء من أفعالهم الشنيعة تلك هو مزيد من الاستهجان والاستخفاف إلى حد الشفقة. كان الأمر يهون، لو أن من قاموا بهذه السخافات كانوا شباباً. كنا سنقول طيش شباب، وحماسة مراهقة مررنا بها كلنا، بشكل أو بآخر. ولكن، وقد تصدر ذلك من في السبعين من أعمارهم، فإن الأمر جلل حقيقة، فهم لم يبارحوا مطلقا مواقعهم منذ ستينيات القرن الماضي، وظلوا متمترسين في قوالب محنطة، تشي بكثير من السطحية والجهل. هل تشفع لهم أعلام فلسطين، أو شعارات المنظمات الفلسطينية المرفوعة فعلتهم. قبلهم، هناك من رفعوا المصحف، وآخرون تلحفوا بقميص عثمان، لمواراة خبثهم أو لؤمهم.
قال محمود درويش، مرة، "أريحونا من هذا الحب القاتل"، لفضح زيف من "أحبّ" الفلسطينيين، وهو ينحرهم حقيقة.