تعال نرقص
ثورة جديدة اشتعلت في مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدو أننا أصبحنا نكتفي بإشعال ثوراتنا، ونحن نعبث بأزرار هواتفنا النقالة وحواسيبنا. وهذه المرة، اشتعلت الثورة بسبب صرعةٍ جديدةٍ، ظهرت في مدينة رام الله، العاصمة الثقافية لفلسطين، كما يطلق عليها، وهي افتتاح مدرسة لتعليم الرقص الشرقي المختلط فيها.
ستنطفئ الثورة بعد فترة قصيرة كالعادة، مثلما انطفأت الثورة على قيادة الفتيات الدراجات في غزة، وستبقى المدرسة مفتوحةً تحت أي مسمى، لامتصاص غضب الشارع، الصارخ أن هذه المدرسة منافيةٌ للآداب الإسلامية والأعراف الفلسطينية، وسوف تستمر أيضاً لأن صوتاً آخر سيتعالى، قائلاً: إن افتتاح المدرسة ليس العائق الوحيد في طريق تحرير فلسطين، وسيكتشف من يرقصون بألسنتهم، وليس خصورهم، أننا مدافعون فاشلون عن القضية، كما أن المسمى ذو فرقعة إعلامية، ويبدو مثل الإعلان عن افتتاح "كباريه"، وهو أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع الخبر، لأن الأفلام العربية ربطت بين الراقصة الشرقية وترنّح السكارى حولها، إلا أن هناك من يدافع عن افتتاح المدرسة، بأن هناك من يتوجه إلى المدرسة ليتعلم الرقص مع زوجته، وهناك من يريد أن يتعلم الرقص مع خطيبته، لكي ينقذ ماء وجهه يوم زفافهما، ولا تتّهمه صويحبات العروس بأنه "لخمة". في حين يؤكد مدافعون أن المدرسة ليست لتعليم الرقص الشرقي فقط، وهو رقص البطون كما يطلق عليه الأوروبيون، كما أن رقصة الفلامنكو هي رقصة الأقدام، ولكنّ هناك قسماً فيها لتعليم الدبكة الشعبية الفلسطينية.
تشبه الثورة التي اندلعت في "فيسبوك" تحديداً الثورة التي اشتعلت في بيتي، لأن أولادي، بمجرد سماعهم أن الطبيب نصحني بالمواظبة على أداء رقصة "الزومبا"، من خلال الاشتراك في نادٍ متخصص، حتى ثاروا وهاجوا، ولكني حين عددت لهم فوائد هذه الرقصة، من قبيل إنقاص الوزن ومعالجة الاكتئاب، تراجعوا عن اعتراضهم وشجّعوني، ولكني حرصت على إخفاء أمر التحاقي بنادٍ رياضي عن جاراتي الفضوليات.
لست أدافع عن افتتاح مدرسةٍ للرقص الشرقي المختلط، كما ظهر "مانشيت" عريض تسبب في هذا الغضب، لأن رام الله، بالتحديد، مدينة تحوي ديانات مختلفة، وتيارات فكرية وسياسية مختلفة، ويفد إليها الفلسطينيون خصوصاً من كل حدب وصوب، وترى أبناء القرى والبلدات يرتادون مقاهيها ويتسكّعون في طرقاتها ويشاركون شبابها وشاباتها العزف والدبكة، ويستأجرون الشقق والغرف الصغيرة ليمضوا أسبوع عملهم في دوائرها ومؤسساتها، أو يتلقون تعليمهم في جامعة بيرزيت، أو المعاهد الأخرى، ثم يعودون إلى قراهم وبلداتهم، أو حتى مدنهم، التي تعتبر أقلّ تحرّراً وانفتاحاً من رام الله التي يليق بها مسماها، لأنها تفعل كل شيء تحت الشمس، بعكس مدن عربية أخرى، ترفع شعار الدين وتحتل رأس القائمة العالمية في الدعارة المستترة.
إذن، لا يجوز الحديث عن مدرسةٍ للرقص الشرقي المختلط باعتبارها أمراً مستجداً، عند عرب ومسلمين مارسوا فنوناً مختلفة على مر العصور. وهناك من يمارس الرقص الشرقي القديم المنشأ في الأعراس المختلطة في المدن، وقد سبق أن افتتحت مدارس لتعليم الباليه، وكأن تعبير المختلط هو الذي أثار الرواد "الثوار" بسبب الربط الميكانيكي بين الاختلاط بين الجنسين والرذيلة، وكأن موبقات المجتمع، مثل تعاطي المخدرات والزنا وسفاح القربى التي تزداد وبصور بشعة، ناتجة عن الاختلاط بين الجنسين فقط، وليست بسبب ضعف الوعي والتطبيق النظري للتعليم، وعزل المرأة وممارسة الضغوط عليها، وكأنهم بذلك يحصّنونها بدلاً من الأخذ بيدها، لتكون قويةً وفاعلةً وقادرة على الدفاع عن نفسها وكينونتها.
بعد دروس تعلّم رقصة "الزومبا" الأولى، واكتشافي أن الرقص فنٌّ يعبّر فيه الإنسان عن ذروته، وقفت في شرفتي، أحاول تطبيق ما تعلمته، حين لمحتني جارتي التي تستيقظ مع الديكة، وتوجه نظرها إلى شرفتي، لتتلصص على مستجدات حياتي. وحين رأتني أمارس حركاتي الأولى، سارعت لترنّ على هاتفي، وجاءني صوتها جزعاً: حبيبتي سلامتك، سوف أدلك على شيخٍ يعطيك حجاباً، يبدو أن مسّاً شيطانياً قد أصابك، "اسم الله علينا وحوالينا".