04 نوفمبر 2024
الدولة والإدارة "غنيمة" في تونس
يشكّل جهاز الإدارة العمومية، أي جملة الموارد البشرية والأدبية واللوجستية التي تستند إليها الدولة في تخطيط برامجها وتنفيد خططها في فترات الانتقال الديمقراطي، أحد الرهانات الحاسمة التي يعقد عليها نجاح الانتقال الديمقراطي أو فشله، خصوصا أن السياسات العمومية تظل "رهينة ذلك الجيش المدني"، ولا سيما قبل استقرار مؤسسات الدولة، وترسخ قيم الديمقراطية واستكمال البناء الدستوري (محكمة دستورية، هيئات المراقبة، استقلالية القضاء، المجالس الحلية...)، فالإدارة العمومية قد تحدّد مصير هذا التحول، على خلاف تصورات سياسوية تختزل عوامل نجاحه في مجرّد التوافقات السياسية بين الأحزاب. وأعتقد أن مديح التوافق السياسي، الجاري في تونس منذ ثلاث سنوات، على الرغم من أهميته بين حزبي النهضة ونداء تونس، الحاكمين حالياً، قد ينحرف، إن لم تسنده شروط أخرى، لعل أهمها الاتفاق على" الدستوري الإداري"، كما ينعته بعض خبراء المرفق العمومي.
تثير التعيينات (التسميات) التي بادر إليها رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في سلك الولاة (المحافظين)، والتي ستتولاها، في الأيام القليلة المقبلة، موجة أخرى من تسميات المعتمدين، إضافة إلى تسميات على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية لدى عديدين، جملة من التحفظات، متعلقة منها الرئحة الحزبية والولاءات. ويتعاظم هذا الخطر إذا ما استحضرنا أن الانتخابات المحلية والبلدية المقبلة، الموكول إليها تأسيس الحكم المحلي، كما نص الدستور، ستكون حاسمة في هذا الشأن. ونعتقد أنه، مهما نص القانون الانتخابي على حيادهم، فإن تلك الانتخابات ستكون تحت تأثيرهم، إن لم نقل إشرافهم بشكل أو بآخر، وذلك ما يقتضي مقاربةً
تتجاوز مجرد الاستحقاق الانتخابي الذي يخوّل، قانوناً، أن تعيّن الأحزاب الحاكمة أعضاءها، أو المتعاطفين معها، في مثل تلك المناصب، غير أن بيداغوجية الانتقال الديمقراطي تقتضي، برأينا، مقاربةً أكثر تشاركية، تزهد أحياناً في ما تمكنه تلك الاستحقاقات من أجل مصلحة التحول الديمقرطي الذي يتناساه بعضهم في تحديد مهام المرحلة. واللبس والخلط الذي يرتكبه بعضهم ما بين الأهداف والغايات.
من التهم التي كانت موجهةً إلى حكومة الترويكا التعيينات الحزبية التي يتهم بعضهم أيضا حركة النهضة آنذاك بأنها استحوذت على سهم الأسد منها، بل يذهب بعضهم إلى أنها سعت إلى "أخونة الدولة"، ضمن فزاعات سخيفة. ولكن أتت أكلها للأسف، في ظل إعلام ظل مشدوداً إلى الماضي، بكل ملامحه القبيحة التي عتمت الخبر ونكّلت بالإعلام الحر... هذا الإعلام الذي حرّض على عقد المحاكمات الشعبية في حق "الترويكا"، وأخرجها من الحكم، حتى لو كان ذلك ضد القانون. وقد انخرطت في تلك الحملة منظماتٌ محسوبةٌ على المجتمع المدني، ومن بينها جمعياتٌ اختصت في حياد المرفق العام والتعيينات الحزبية والشفافية إلخ. و قد اختفت تلك المنظمات، وما أكثرها، فجأةً، ما إن تسلم حزب نداء تونس مقاليد الحكم، إثر انتخابات أكتوبر 2014.
تؤكد كل المؤشرات الحالية التي ترصدها عيون الملاحظين المحايدين أن الأمر استمر، بل استفحل مع حكومات "نداء تونس" التي تعاملت مع جهاز الدولة، وأساسا مع مرفق الأداة العمومية باعتباره غنيمة عليها أن تديرها بمنطق الغنيمة التي استرجعتها من أيدي "الترويكا". ورأينا كيف قاد "نداء تونس" هذا حملات تطهير لاصطياد من كانت قد علقت بهم التعاون مع وزراء "الترويكا"، في ظل إجراءات انتقامية طاولت بعضهم، على غرار إجراءات النقل التعسفي ومراجعة التسميات، بل والإحالة المبكرة على التقاعد، خصوصا إذا تعلق الأمر ببعض الأسلاك الخصوصية. أما الأكثر مدعاة للسخرية، فهو صمت الإعلام، بل استلطاف نخب عديدة، وحتى أوساط مهمة من الرأي العام، مثل هذه الإجراءات. يحدث ذلك كله، وعديدون يعلمون أن دوائر القرابة والعائلة المحيطة برئيس الجمهورية بدأت، منذ أشهر، تتدخل، وبشكل فج، في مثل تلك التعيينات. وقد لاحظ عديدون هذه العودة المسترابة، كما علق مرّة مدير المرصد الوطني لاستقلال القضاء، القاضي أحمد الرحموني، على تعيين وجوه البروباغندا في حزب تجمع بن علي، كما أن التعيينات أخيراً بدأت تستنجد بجيل الشاب الذي تربي في الأكاديمية السياسية خلال العشرية الأخيرة من سقوط بن علي، وجلهم من قيادات منظمته الطلابية المقبورة.
يحدث ذلك كله في علاقةٍ بالتطوّرات الأخيرة من أجل ترتيبٍ لمشهد سياسي مقبل، تتم صناعته وفق معادلة سياسية محلية غير عادلة، ولا منصفة، بمقتضاها يحكم حزب نداء تونس، ممثلا شرساً للنظام القديم، مسكونا بروح الثأر مع "نهضةٍ" منكسرة مرعوبة دوماً، في ظل التطورات الإقليمية التي تضيق عليها الخناق باستمرار. وتعمد، من حين إلى آخر، وباستمرار، إلى إحداث فزّاعات، خصوصا وقد عجزت القوى نفسها عن القضاء عليها، في صناديق الاقتراع.
تثير التعيينات (التسميات) التي بادر إليها رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في سلك الولاة (المحافظين)، والتي ستتولاها، في الأيام القليلة المقبلة، موجة أخرى من تسميات المعتمدين، إضافة إلى تسميات على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية لدى عديدين، جملة من التحفظات، متعلقة منها الرئحة الحزبية والولاءات. ويتعاظم هذا الخطر إذا ما استحضرنا أن الانتخابات المحلية والبلدية المقبلة، الموكول إليها تأسيس الحكم المحلي، كما نص الدستور، ستكون حاسمة في هذا الشأن. ونعتقد أنه، مهما نص القانون الانتخابي على حيادهم، فإن تلك الانتخابات ستكون تحت تأثيرهم، إن لم نقل إشرافهم بشكل أو بآخر، وذلك ما يقتضي مقاربةً
من التهم التي كانت موجهةً إلى حكومة الترويكا التعيينات الحزبية التي يتهم بعضهم أيضا حركة النهضة آنذاك بأنها استحوذت على سهم الأسد منها، بل يذهب بعضهم إلى أنها سعت إلى "أخونة الدولة"، ضمن فزاعات سخيفة. ولكن أتت أكلها للأسف، في ظل إعلام ظل مشدوداً إلى الماضي، بكل ملامحه القبيحة التي عتمت الخبر ونكّلت بالإعلام الحر... هذا الإعلام الذي حرّض على عقد المحاكمات الشعبية في حق "الترويكا"، وأخرجها من الحكم، حتى لو كان ذلك ضد القانون. وقد انخرطت في تلك الحملة منظماتٌ محسوبةٌ على المجتمع المدني، ومن بينها جمعياتٌ اختصت في حياد المرفق العام والتعيينات الحزبية والشفافية إلخ. و قد اختفت تلك المنظمات، وما أكثرها، فجأةً، ما إن تسلم حزب نداء تونس مقاليد الحكم، إثر انتخابات أكتوبر 2014.
تؤكد كل المؤشرات الحالية التي ترصدها عيون الملاحظين المحايدين أن الأمر استمر، بل استفحل مع حكومات "نداء تونس" التي تعاملت مع جهاز الدولة، وأساسا مع مرفق الأداة العمومية باعتباره غنيمة عليها أن تديرها بمنطق الغنيمة التي استرجعتها من أيدي "الترويكا". ورأينا كيف قاد "نداء تونس" هذا حملات تطهير لاصطياد من كانت قد علقت بهم التعاون مع وزراء "الترويكا"، في ظل إجراءات انتقامية طاولت بعضهم، على غرار إجراءات النقل التعسفي ومراجعة التسميات، بل والإحالة المبكرة على التقاعد، خصوصا إذا تعلق الأمر ببعض الأسلاك الخصوصية. أما الأكثر مدعاة للسخرية، فهو صمت الإعلام، بل استلطاف نخب عديدة، وحتى أوساط مهمة من الرأي العام، مثل هذه الإجراءات. يحدث ذلك كله، وعديدون يعلمون أن دوائر القرابة والعائلة المحيطة برئيس الجمهورية بدأت، منذ أشهر، تتدخل، وبشكل فج، في مثل تلك التعيينات. وقد لاحظ عديدون هذه العودة المسترابة، كما علق مرّة مدير المرصد الوطني لاستقلال القضاء، القاضي أحمد الرحموني، على تعيين وجوه البروباغندا في حزب تجمع بن علي، كما أن التعيينات أخيراً بدأت تستنجد بجيل الشاب الذي تربي في الأكاديمية السياسية خلال العشرية الأخيرة من سقوط بن علي، وجلهم من قيادات منظمته الطلابية المقبورة.
يحدث ذلك كله في علاقةٍ بالتطوّرات الأخيرة من أجل ترتيبٍ لمشهد سياسي مقبل، تتم صناعته وفق معادلة سياسية محلية غير عادلة، ولا منصفة، بمقتضاها يحكم حزب نداء تونس، ممثلا شرساً للنظام القديم، مسكونا بروح الثأر مع "نهضةٍ" منكسرة مرعوبة دوماً، في ظل التطورات الإقليمية التي تضيق عليها الخناق باستمرار. وتعمد، من حين إلى آخر، وباستمرار، إلى إحداث فزّاعات، خصوصا وقد عجزت القوى نفسها عن القضاء عليها، في صناديق الاقتراع.