06 نوفمبر 2024
فضفضة ستّات
قرّرت أن أقضي أمسية نهاية الأسبوع الحافل بالعمل في زيارةٍ صديقة ألمّ بها حادث عارض، وقرّرت أن أصحب ابنتي الكبرى في الزيارة، ولم يكن هذا مألوفاً، ولا مقبولاً في زماننا، حيث كانت أمي، ومن قبلها جدتي، تزوران الجارات والصديقات، من دون صحبة البنات غير المتزوجات، بدعوى أن الأحاديث النسائية سوف تفتح عين البنت باكرا. والقصد أن فتح "عين البنت" لا يعني إتاحة مجال الرؤية البصرية، بل اطلاعها على أمور الزواج، وبما يعدّ محرّماً على الفتيات معرفته، قبل أن يصبحن زوجاتٍ. وعلى ذلك، كان من العيب أن تصحبني أمي في زيارة جارة أو صديقة، ما لم يكن لدى هذه المضيفة فتاة في سني، فألح على أمي بمصاحبتها، وتقتنع بصعوبة. وبمجرد أن ترى صديقتها، تدفعني أمي نحو ابنتها، وتطلب مني أن ألهو معها في مكانٍ ما بعيداً عنها. ويرافق طلبها تأكيدٌ من المضيفة، وهي تعدّد الألعاب التي تمتلكها ابنتها، ووسائل الترفيه المتوفرة في ذلك الوقت، والتي لم تكن تزيد عن لعبةٍ على شكل عروسة، أو رقعة " السلم والثعبان" على اعتبار أنني "قطيطة".
إيماناً مني بأن لا شيء أصبح محظوراً على الفتيات، اصطحبت ابنتي، وهي خريجة كلية الصيدلة، لنعود المريضة التي جمعتنا في بيتها "فضفضة ستات" حول مائدة ضيافة رحبة وعامرة مع صديقاتٍ أخرياتٍ جئن لعيادتها، وسرعان ما جرى التعارف بيننا، وتبادلنا أرقام الهاتف والحسابات على "فيسبوك". وبدأ الحديث يتشعب ويتفرّع لأحوال البلاد والربيع العربي وأثره على الشباب، وكان تعليقي الأول أن وضع البلاد العربية لا يوفر فرصة عمل لأولادنا الخريجين. وهنا قاطعتني إحدى الضيفات: لم لا تتوجهي، أنت وأولادك، إلى التجارة من خلال الإنترنت. وتحدثت بسعادة كيف أنها تقضي كل وقتها مع ابنها الخرّيج أمام شاشة اللاب توب، وحققا دخلاً جيداً، وحرّكت يديها بسعادةٍ لتلفت أنظارنا إلى الأساور الذهبية اللامعة في معصميها.
لفت انتباهي حديثها عن الربح، من خلال كبسات على الأزرار. فيما تدخلت ضيفة أخرى يقطر صوتها بالغيرة، بقولها إن هذه تجارة رائجة هذه الأيام، وإن كانت الشركات الوهمية، والتي تمتهن النصب، أكثر من الشركات الحقيقية، فأدرت دفّة الحديث، قبل أن تشتبكا بالتلاسن نحو أمورٍ أخرى ليس الطبخ أحدها، لأن الإنترنت أيضاً وفر لربّات البيوت طريقة إعداد كل "الأكلات"، من دون الاستفسار من الجارات والصديقات. ولذلك، تحدثنا عن ضريبة ذلك التغيير؛ فحياتنا أصبحت جافةً، وافتقدنا الزيارات العائلية، واكتفينا بتبادل مشاعر باردة من خلال "فيسبوك" و"واتس آب"، حتى جاء دوري، لكي أفتح جرحاً مغلقاً لدى الضيفة التي نصحتنا بالتجارة الإلكترونية. وجهت حديثي لجميع الحاضرات قائلة إن الرجال العرب يخرجون وحدهم في أمسيات نهاية الأسبوع، ويتركون نساءهم، وكأن ليلة الجمعة مخصّصة للخروج مع الأصدقاء. وهنا طفرت من عينها دمعة، وبدأت تتحدّث عن أملها في أن يطاوعها زوجها، ويمضيان الإجازة الأسبوعية، بدءًا من مساء الخميس، في شاليه صغير على شاطئ البحر، على أن يبقى الأولاد الذين كبروا في البيت، وسرحت بنظرها بعيداً عنا، فحسبت أنها تتذكّر الإجازات التي كانت كذلك في بداية زواجها، حتى تنهّدت، وأكدت ذلك في حزن، والدليل وجودها بيننا الآن.
جاء دور ابنتي، لكي تؤيد ما ذهبت إليه. واستغربت أن يوم الخميس يشهد زبائن كثيرين يتردّدون على الصيدلية التي تتلقى تدريباتها فيها، وكيف يأتي هؤلاء بهيئات رثة، ويهمس أحدُهم لها بأنه يريد الحبّة الزرقاء، أو أخرى صفراء تؤدي المفعول نفسه، ويطلب منها أقل سعر، لأنه بالكاد تدبّر ثمنها. وعلقت ابنتي أن في وسع هذا الزبون أن يحصل على السعادة بطريقة أخرى، خارج جدران غرفه نومه. أبهرتني عقلية ابنتي، والتفت نحو الضيفة التي تحلم بإجازة نهاية أسبوع مميزة. كانت تمسح دمعةً كبيرةً، فرّت من عينها بيد، وتقطع قطعة كبيرة من الكيك، وتضعها في طبقها بيدها الأخرى المثقلة بالأساور الذهبية.
إيماناً مني بأن لا شيء أصبح محظوراً على الفتيات، اصطحبت ابنتي، وهي خريجة كلية الصيدلة، لنعود المريضة التي جمعتنا في بيتها "فضفضة ستات" حول مائدة ضيافة رحبة وعامرة مع صديقاتٍ أخرياتٍ جئن لعيادتها، وسرعان ما جرى التعارف بيننا، وتبادلنا أرقام الهاتف والحسابات على "فيسبوك". وبدأ الحديث يتشعب ويتفرّع لأحوال البلاد والربيع العربي وأثره على الشباب، وكان تعليقي الأول أن وضع البلاد العربية لا يوفر فرصة عمل لأولادنا الخريجين. وهنا قاطعتني إحدى الضيفات: لم لا تتوجهي، أنت وأولادك، إلى التجارة من خلال الإنترنت. وتحدثت بسعادة كيف أنها تقضي كل وقتها مع ابنها الخرّيج أمام شاشة اللاب توب، وحققا دخلاً جيداً، وحرّكت يديها بسعادةٍ لتلفت أنظارنا إلى الأساور الذهبية اللامعة في معصميها.
لفت انتباهي حديثها عن الربح، من خلال كبسات على الأزرار. فيما تدخلت ضيفة أخرى يقطر صوتها بالغيرة، بقولها إن هذه تجارة رائجة هذه الأيام، وإن كانت الشركات الوهمية، والتي تمتهن النصب، أكثر من الشركات الحقيقية، فأدرت دفّة الحديث، قبل أن تشتبكا بالتلاسن نحو أمورٍ أخرى ليس الطبخ أحدها، لأن الإنترنت أيضاً وفر لربّات البيوت طريقة إعداد كل "الأكلات"، من دون الاستفسار من الجارات والصديقات. ولذلك، تحدثنا عن ضريبة ذلك التغيير؛ فحياتنا أصبحت جافةً، وافتقدنا الزيارات العائلية، واكتفينا بتبادل مشاعر باردة من خلال "فيسبوك" و"واتس آب"، حتى جاء دوري، لكي أفتح جرحاً مغلقاً لدى الضيفة التي نصحتنا بالتجارة الإلكترونية. وجهت حديثي لجميع الحاضرات قائلة إن الرجال العرب يخرجون وحدهم في أمسيات نهاية الأسبوع، ويتركون نساءهم، وكأن ليلة الجمعة مخصّصة للخروج مع الأصدقاء. وهنا طفرت من عينها دمعة، وبدأت تتحدّث عن أملها في أن يطاوعها زوجها، ويمضيان الإجازة الأسبوعية، بدءًا من مساء الخميس، في شاليه صغير على شاطئ البحر، على أن يبقى الأولاد الذين كبروا في البيت، وسرحت بنظرها بعيداً عنا، فحسبت أنها تتذكّر الإجازات التي كانت كذلك في بداية زواجها، حتى تنهّدت، وأكدت ذلك في حزن، والدليل وجودها بيننا الآن.
جاء دور ابنتي، لكي تؤيد ما ذهبت إليه. واستغربت أن يوم الخميس يشهد زبائن كثيرين يتردّدون على الصيدلية التي تتلقى تدريباتها فيها، وكيف يأتي هؤلاء بهيئات رثة، ويهمس أحدُهم لها بأنه يريد الحبّة الزرقاء، أو أخرى صفراء تؤدي المفعول نفسه، ويطلب منها أقل سعر، لأنه بالكاد تدبّر ثمنها. وعلقت ابنتي أن في وسع هذا الزبون أن يحصل على السعادة بطريقة أخرى، خارج جدران غرفه نومه. أبهرتني عقلية ابنتي، والتفت نحو الضيفة التي تحلم بإجازة نهاية أسبوع مميزة. كانت تمسح دمعةً كبيرةً، فرّت من عينها بيد، وتقطع قطعة كبيرة من الكيك، وتضعها في طبقها بيدها الأخرى المثقلة بالأساور الذهبية.