08 نوفمبر 2024
أفروديت التي فينا
ثمّة نظرة معممة ونمطية عن الكاتبات عموماً، والشاعرات بشكل خاص، لا تكاد تنجو منها أية شاعرة، لا في الشرق ولا في الغرب، تتمحور حول أن الشاعرة لا يمكن أن تكون "ست بيت ممتازة"، فهي فوضوية، وتحب الكراكيب، ولا تهتم بنفسها ولا بمنزلها، وليست خبيرةً في الطبخ، ولا تصلح أن تكون زوجةً. ربما تصلح لأن تكون عشيقة، ولكن ليست زوجة، فهي مزاجية، ولا تحب أن يسيطر عليها أحد، ولا تحب أن تكون في النسق الثاني. حتى في علاقة الحب، هي متنمرة وسريعة الغضب ونكدية.
كل ما سبق تسمعونه عن الشاعرات، أيها السادة. ولن أقول لكم إنه ليس فيه بعض الحقيقة، لكن هذه الحقيقة ليست لأن من يتم التحدّث عنها هكذا هي شاعرة، بل لأنها كائنٌ بشريٌّ مثل باقي الكائنات البشرية التي خلقها الله، فبين النساء عموما، بوصف النساء من البشر على رأي معمر القذافي، من لا تصلح لأن تكون زوجة، ومنهن من لا تحب الطبخ، ومنهن من هي متنمّرة، ومنهن الفوضوية، ومنهن من تحب أن تكون في المقدمة. وبين الشاعرات من تحب الاهتمام بنفسها وبجمالها، ومنهن من تحب الطبخ وتهتم بأناقة منزلها، ومنهن من تحتاج إلى حماية ذكورية دائمة، ومنهن زوجات رائعات وأمهات مثاليات وحبيبات مخلصات!
من أين إذاً هذه النظرة النمطية عن الشاعرات؟ أعتقد أن منبعها ممتدٌ من الرؤية الذكورية للعالم وللمجتمعات، والتي بدأت مع فكرة التوحيد والاستغناء عن الآلهة المتعدّدة في الزمن القديم، حين أصبح الإله الواحد الوحيد ذكراً. عندها بدأت الانزياحات التي طاولت الأنثى، لتصبح في النسق الثاني في أنساق الحياة، ولينحصر دورها وعاءً لاستمرار الحياة، وتابعة جارية للرجل. ومع تصاعد وتيرة الانزياحات، نمطت الأنثى أماً مثالية، وزوجة مخلصة، وابنة مطيعة، مع كل ملحقات هذه الصفات، ما جعل أي افتراقٍ عن صفةٍ واحدةٍ من هذه الصفات يضع الأنثى في حالة النشوز.
كانت الكتابة، زمناً طويلاً، فعلاً ذكورياً محضاً. أسماء الكاتبات اللواتي تركهن لنا التاريخ قليلة جداً نسبة إلى أسماء الكتاب الذكور، ما جعل المجتمعات تحيل صفات النشوز على أي اسم أنثوي له علاقة بالكتابة. والنشوز هنا طبعاً يعني أنها لا تصلح زوجةً ولا أماً. ولاحقاً، لا يمكن أن تكون ست بيت، مع ما يلحق بهذا من صفات غير مستحبة اجتماعيا. ومع التطور المضطرد للعقلية الذكورية، وتوسعها وانتشارها، تبنّت حتى النساء هذه النظرة عن الكاتبات والشاعرات. كثيراتٌ النساء اللواتي ينظرن إلى الشاعرة ناشزةً، يحدث ذلك في هذا الزمن الذي نعيش فيه، وإلا ما معنى أن يستغرب كثيرون أنه يمكن لشاعرةٍ أن تجيد الطبخ، أو أن تهتم بشكلها، أو أن ترتب منزلها، أو تعيش مع زوجها منذ وقت طويل، أو تهتم بأبنائها؟ يتم التعامل مع الشاعرات بوصفهن جنساً مفرداً. هن نساء، لكنهن شاعرات، ما يعني أنهن يحملن صفات مشتركة واحدة ولا تتغير بين شاعرة وأخرى. ومع أنه، وبمنطق طبيعي، قد تكون الشاعرة الأكثر اهتماما بالتفاصيل من باقي النساء، التفاصيل التي تصنع كينونة الأنثى، تفاصيل البيت والمطبخ والفرش وتفاصيل ثيابها وحليها ومكياجها، وتفاصيل علاقتها بالرجل، زوجا أو حبيبا أو عشيقا، وتفاصيل علاقتها مع أبنائها.
التفاصيل عادة هي عالم المرأة، وهي أيضاً ما يشكّل الجملة الشعرية في الشعر. عالم الشعر قائم على التفاصيل، كما هو عالم المرأة، وهو ما ينفي التناقض بين أن تكون المرأة شاعرةً وأن تكون كاملة الأنوثة، ليس بالمستوى الجمالي فقط، بل بالمستوى النفسي والروحي الذي نسيته نساء كثيرات، ومنهن شاعرات طبعا، يتبنين الذهنية الذكورية في التعامل مع الحياة من جهة، ومع اللغة الشعرية من جهة أخرى. ولعل من قرأ كتاب "أفروديت" لإيزابيل الليندي لاحظ تلك التفاصيل التي تشكل عالم المرأة في علاقتها مع فنون الحياة، الطبخ والحب نوعان من الفنون، مثل فنّي الكتابة والموسيقا، ومثل فن العلاقة مع الأصدقاء والعائلة. لاحظ أيضاً ربما أن ثمة أفروديت موجودة في كل امرأة، عليها فقط أن تحكّها قليلا لتنكشف.
كل ما سبق تسمعونه عن الشاعرات، أيها السادة. ولن أقول لكم إنه ليس فيه بعض الحقيقة، لكن هذه الحقيقة ليست لأن من يتم التحدّث عنها هكذا هي شاعرة، بل لأنها كائنٌ بشريٌّ مثل باقي الكائنات البشرية التي خلقها الله، فبين النساء عموما، بوصف النساء من البشر على رأي معمر القذافي، من لا تصلح لأن تكون زوجة، ومنهن من لا تحب الطبخ، ومنهن من هي متنمّرة، ومنهن الفوضوية، ومنهن من تحب أن تكون في المقدمة. وبين الشاعرات من تحب الاهتمام بنفسها وبجمالها، ومنهن من تحب الطبخ وتهتم بأناقة منزلها، ومنهن من تحتاج إلى حماية ذكورية دائمة، ومنهن زوجات رائعات وأمهات مثاليات وحبيبات مخلصات!
من أين إذاً هذه النظرة النمطية عن الشاعرات؟ أعتقد أن منبعها ممتدٌ من الرؤية الذكورية للعالم وللمجتمعات، والتي بدأت مع فكرة التوحيد والاستغناء عن الآلهة المتعدّدة في الزمن القديم، حين أصبح الإله الواحد الوحيد ذكراً. عندها بدأت الانزياحات التي طاولت الأنثى، لتصبح في النسق الثاني في أنساق الحياة، ولينحصر دورها وعاءً لاستمرار الحياة، وتابعة جارية للرجل. ومع تصاعد وتيرة الانزياحات، نمطت الأنثى أماً مثالية، وزوجة مخلصة، وابنة مطيعة، مع كل ملحقات هذه الصفات، ما جعل أي افتراقٍ عن صفةٍ واحدةٍ من هذه الصفات يضع الأنثى في حالة النشوز.
كانت الكتابة، زمناً طويلاً، فعلاً ذكورياً محضاً. أسماء الكاتبات اللواتي تركهن لنا التاريخ قليلة جداً نسبة إلى أسماء الكتاب الذكور، ما جعل المجتمعات تحيل صفات النشوز على أي اسم أنثوي له علاقة بالكتابة. والنشوز هنا طبعاً يعني أنها لا تصلح زوجةً ولا أماً. ولاحقاً، لا يمكن أن تكون ست بيت، مع ما يلحق بهذا من صفات غير مستحبة اجتماعيا. ومع التطور المضطرد للعقلية الذكورية، وتوسعها وانتشارها، تبنّت حتى النساء هذه النظرة عن الكاتبات والشاعرات. كثيراتٌ النساء اللواتي ينظرن إلى الشاعرة ناشزةً، يحدث ذلك في هذا الزمن الذي نعيش فيه، وإلا ما معنى أن يستغرب كثيرون أنه يمكن لشاعرةٍ أن تجيد الطبخ، أو أن تهتم بشكلها، أو أن ترتب منزلها، أو تعيش مع زوجها منذ وقت طويل، أو تهتم بأبنائها؟ يتم التعامل مع الشاعرات بوصفهن جنساً مفرداً. هن نساء، لكنهن شاعرات، ما يعني أنهن يحملن صفات مشتركة واحدة ولا تتغير بين شاعرة وأخرى. ومع أنه، وبمنطق طبيعي، قد تكون الشاعرة الأكثر اهتماما بالتفاصيل من باقي النساء، التفاصيل التي تصنع كينونة الأنثى، تفاصيل البيت والمطبخ والفرش وتفاصيل ثيابها وحليها ومكياجها، وتفاصيل علاقتها بالرجل، زوجا أو حبيبا أو عشيقا، وتفاصيل علاقتها مع أبنائها.
التفاصيل عادة هي عالم المرأة، وهي أيضاً ما يشكّل الجملة الشعرية في الشعر. عالم الشعر قائم على التفاصيل، كما هو عالم المرأة، وهو ما ينفي التناقض بين أن تكون المرأة شاعرةً وأن تكون كاملة الأنوثة، ليس بالمستوى الجمالي فقط، بل بالمستوى النفسي والروحي الذي نسيته نساء كثيرات، ومنهن شاعرات طبعا، يتبنين الذهنية الذكورية في التعامل مع الحياة من جهة، ومع اللغة الشعرية من جهة أخرى. ولعل من قرأ كتاب "أفروديت" لإيزابيل الليندي لاحظ تلك التفاصيل التي تشكل عالم المرأة في علاقتها مع فنون الحياة، الطبخ والحب نوعان من الفنون، مثل فنّي الكتابة والموسيقا، ومثل فن العلاقة مع الأصدقاء والعائلة. لاحظ أيضاً ربما أن ثمة أفروديت موجودة في كل امرأة، عليها فقط أن تحكّها قليلا لتنكشف.