06 نوفمبر 2024
البنت التي قالت لا
ببالغ الأسى، نُتابِعُ خبرًا عن فتاة فلسطينية تهربُ من عائلتها، وتستنجد بجنود الاحتلال الإسرائيلي عند أحد الحواجز، بعد أن أرغمَها والدُها على الزواج برجلٍ عمره أكثر من ضعف عمرها، وذاقت العذاب على يديه، لتكتشف أنها كانت سلعة تَمَّ بيعُها، وليست زوجة.
الفتاة الصغيرة اسمها فاطمة من الخليل، وهي في الرابعة عشرة من عمرها، بمعنى أننا لا نستطيع أن نُطلِقَ عليها إلا ما يليق بعمرها، وهي أنها طفلة، وقد باعَها والدُها بسبب الفقر لشابٍّ في الثلاثين من عمره، وفرَّت من مدينتهِ، وعادت إلى ظُلم الأبِ وفقره؛ لأنها وجدت أن الحال السيِّئ في بيت الأب أكثر رحمةً من صنوف العذاب التي ذاقتها، وحين عاقَبَها والدُها ليجبرها على العودة إلى زوجها، حاولت الانتحار مرات. وفي المرة الأخيرة استغاثت بجنود العدو، لكي يعتقلوها، ظانَّةً أن السجن ربما كان حَلًّا ونجاة لها.
أمام قصة الطفلة فاطمة، نقف أمام مجتمع اعتاد أن يُقدِّم المرأة ضحية، وهي تسير ضمن حلقات مسلسلٍ معروف النهاية، موجع الحلقات، فلم تنجح في أن تكون جريئة لتُغيِّر مجرى حياتها منذ البداية. وعلى النقيض منها في غزة، أصرت فتاة صغيرة على متابعة تعليمها، على الرغم من أن والدها كان يحبس باقي أخواتها حتى هَرِمْنَ، وكان يفعل ذلك خوفًا على الميراث، فهو يمتلك أراضي واسعة، ويخشى أن تفلت ملكيتُها للأصهار والأنساب، وهو يريد أن تبقى لأولاده الذكور، استمرارًا لظاهرة معروفة، حرمان البنات من الميراث. لكن هذه الفتاة كانت تستغل خروج والدها مع إخوتها الذكور، للعمل في أراضيهم الزراعية الواسعة التي بَلَغَ حرصُهم عليها عدم استقدام أي عمال أجراء للعمل فيها، فتتسلَّل إلى المدرسة، لكي تتعلم، حتى أتمت الثانوية العامة من دون علمه، وشاءت الأقدار أن يُتوفَّى الأب، وتُقرِّر أن تُفصِح عن رغبتها في الالتحاق بالجامعة أمام إخوتها الذين انتقلت سطوة الأب على بناته إليهم، وسمحوا لها بذلك حين هدَّدت بالانتحار، وسلكت طريق دراسة القانون، وتخرَّجت في الجامعة، وتلقَّت تعليمًا جامعيًّا عاليًا، فحصلت على الدكتوراه، وقرَّرت وقتها أن تحصل على حقِّها وحق أخواتها في الميراث.
استطاعت بالفعل أن تقف أمام إخوتها الذكور، ولم يكن الطريقُ سهلًا، لكنها خاضت حربًا طاحنة، واستردَّت ميراث أخواتها وميراثها من الأراضي الزراعية العريضة، فلم يحتمل قلبُ شقيقها الأكبر أن يرى الأرض، وهي تذهب إلى "الحريم"، فخرَّ صريعًا بأزمة قلبية، فيما كانت تقوم بلفِّ سياج حديدي حول نصيبها من الأرض، تحت حراسة القانون الذي نام طويلًا أمام سطوة العادات والتقاليد ومنطق الذكورية المُتوارَثة.
فرق كبير بين فتاةٍ تقاوم وفتاة تستلم، وإن اختلفت الظروف، إلا أن العالم، وهو يحتفل بيوم الفتاة العالمي، قد رَفَعَ شعار "كوني جريئة من أجل التغيير"، والجرأة تعني أن تقفي أمام الظلم، وأمام كل التشريعات التي تجعل منك "درجة ثانية"، وإن كانت فاطمة قد استسلمت، لأنها تربت على الخنوع من أم خانعة، وإن كانت "محامية أخواتها" كما يطلق عليها أهل قريتها قد عاشت طفولةً مستسلمةً، فإن التعليم والعلم فتحا مداركها ووسَّعا أُفقها.
إن كنا نريد للفتاة أن تكون جريئة لتنال حقوقها من كرامة إنسانية في المقام الأول، وأن تخرج عن نمطية المعتاد والمتعارَف عليه، علينا أن نُعطيها حجمها، ليس بالحبِّ والعواطف، بل بالمثال الراسخ أمام عينيها، مثلما عمدت شركة أميركية إلى وضع مجسم برونزي، يُظهِرُ فتاةً صغيرة تقف في تحَدٍّ واضح في مواجهة ثور ضخم، وقد علَّلت الشركة السبب في تصميم هذا المجسم أن الفجوة الكبيرة بين أجور العاملات والعاملين، وكذلك غياب دور المرأة عن مجالس إدارة الشركات، بحاجة لمناقشة وتحريك المياه الراكدة.
فالبنت التي يجب أن تقول لا في مجتمعاتنا العربية يجب أن تسمعها من أمٍّ قوية، وتُلقَّن هذه الكلمة من مدرسةٍ، لا تضمّ بين جُدرانها معلماتٍ يكملن دور أولياء الأمور في البيوت، فيرين في تعليم البنت مرحلةَ انتظار لابن الحلال.
أمام قصة الطفلة فاطمة، نقف أمام مجتمع اعتاد أن يُقدِّم المرأة ضحية، وهي تسير ضمن حلقات مسلسلٍ معروف النهاية، موجع الحلقات، فلم تنجح في أن تكون جريئة لتُغيِّر مجرى حياتها منذ البداية. وعلى النقيض منها في غزة، أصرت فتاة صغيرة على متابعة تعليمها، على الرغم من أن والدها كان يحبس باقي أخواتها حتى هَرِمْنَ، وكان يفعل ذلك خوفًا على الميراث، فهو يمتلك أراضي واسعة، ويخشى أن تفلت ملكيتُها للأصهار والأنساب، وهو يريد أن تبقى لأولاده الذكور، استمرارًا لظاهرة معروفة، حرمان البنات من الميراث. لكن هذه الفتاة كانت تستغل خروج والدها مع إخوتها الذكور، للعمل في أراضيهم الزراعية الواسعة التي بَلَغَ حرصُهم عليها عدم استقدام أي عمال أجراء للعمل فيها، فتتسلَّل إلى المدرسة، لكي تتعلم، حتى أتمت الثانوية العامة من دون علمه، وشاءت الأقدار أن يُتوفَّى الأب، وتُقرِّر أن تُفصِح عن رغبتها في الالتحاق بالجامعة أمام إخوتها الذين انتقلت سطوة الأب على بناته إليهم، وسمحوا لها بذلك حين هدَّدت بالانتحار، وسلكت طريق دراسة القانون، وتخرَّجت في الجامعة، وتلقَّت تعليمًا جامعيًّا عاليًا، فحصلت على الدكتوراه، وقرَّرت وقتها أن تحصل على حقِّها وحق أخواتها في الميراث.
استطاعت بالفعل أن تقف أمام إخوتها الذكور، ولم يكن الطريقُ سهلًا، لكنها خاضت حربًا طاحنة، واستردَّت ميراث أخواتها وميراثها من الأراضي الزراعية العريضة، فلم يحتمل قلبُ شقيقها الأكبر أن يرى الأرض، وهي تذهب إلى "الحريم"، فخرَّ صريعًا بأزمة قلبية، فيما كانت تقوم بلفِّ سياج حديدي حول نصيبها من الأرض، تحت حراسة القانون الذي نام طويلًا أمام سطوة العادات والتقاليد ومنطق الذكورية المُتوارَثة.
فرق كبير بين فتاةٍ تقاوم وفتاة تستلم، وإن اختلفت الظروف، إلا أن العالم، وهو يحتفل بيوم الفتاة العالمي، قد رَفَعَ شعار "كوني جريئة من أجل التغيير"، والجرأة تعني أن تقفي أمام الظلم، وأمام كل التشريعات التي تجعل منك "درجة ثانية"، وإن كانت فاطمة قد استسلمت، لأنها تربت على الخنوع من أم خانعة، وإن كانت "محامية أخواتها" كما يطلق عليها أهل قريتها قد عاشت طفولةً مستسلمةً، فإن التعليم والعلم فتحا مداركها ووسَّعا أُفقها.
إن كنا نريد للفتاة أن تكون جريئة لتنال حقوقها من كرامة إنسانية في المقام الأول، وأن تخرج عن نمطية المعتاد والمتعارَف عليه، علينا أن نُعطيها حجمها، ليس بالحبِّ والعواطف، بل بالمثال الراسخ أمام عينيها، مثلما عمدت شركة أميركية إلى وضع مجسم برونزي، يُظهِرُ فتاةً صغيرة تقف في تحَدٍّ واضح في مواجهة ثور ضخم، وقد علَّلت الشركة السبب في تصميم هذا المجسم أن الفجوة الكبيرة بين أجور العاملات والعاملين، وكذلك غياب دور المرأة عن مجالس إدارة الشركات، بحاجة لمناقشة وتحريك المياه الراكدة.
فالبنت التي يجب أن تقول لا في مجتمعاتنا العربية يجب أن تسمعها من أمٍّ قوية، وتُلقَّن هذه الكلمة من مدرسةٍ، لا تضمّ بين جُدرانها معلماتٍ يكملن دور أولياء الأمور في البيوت، فيرين في تعليم البنت مرحلةَ انتظار لابن الحلال.