05 نوفمبر 2024
هل تخلت أميركا عن البارزاني؟
في مقابلة تلفزيونية مع القيادي الكردي، هوشيار زيباري، قبل استفتاء 25 من سبتمبر/ أيلول الجاري، سأله المذيع: لماذا أنتم مصرّون على الاستفتاء الذي ترفضه حتى أميركا، بدلالة متحدث باسم خارجيتها كان قد ظهر قبل زيباري، فضحك الأخير، وقال لسائله "هذا لا يمثل وجهة نظر الإدارة الأميركية الحقيقية حيال الاستفتاء، وبإمكاني الآن أن آتي لك بمسؤول أعلى منه ليقول رأيه في الاستفتاء".
كل الأصوات التي كانت تخرج من واشنطن قبل الاستفتاء كانت بالضد منه، ناهيك عن تركيا وإيران، وطبعاً العراق، وجامعة الدول العربية، وحتى مجلس الأمن الدولي، ومع ذلك أصر رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، على إجراء الاستفتاء، وهو الأمر الذي حير كل من تابعه وتابع تفاصيل الساعات والأيام الأخيرة التي سبقت يوم الاستفتاء.
في مقالةٍ نشرها في صحيفة واشنطن بوست، كتب السفير الأميركي السابق في العراق، زلماي خليل زاد، إنه سأل البرزاني: لماذا أنت مصر على الاستفتاء، على الرغم من معارضة حتى أميركا حليفتك الأهم، فأجاب: الحكومة في بغداد طائفية مستبدة، وتسعى إلى إعادة سيطرتها على الإقليم حتى بالقوة، وما أن تتمكن من ذلك بعد أن تقوى عسكرياً، ويكون لديها سلاح ثقيل، فإنها لن تتردد في هذا الأمر. لذا، علينا أن نثبت حقنا الآن".
لم يستمع البارزاني لكل تلك الأصوات التي كانت تنتقد الاستفتاء، ويبدو أن هناك ضوءاً أخضر أميركياً قد مُنح له، بعيداً عن ضوضاء الإعلام، والانتقادات الأميركية للاستفتاء، وإلا فإن البارزاني، وهو السياسي المخضرم، يدرك جيداً أن دولة لا تدعمها أميركا لا يمكنها أن تعيش وتنمو وسط هذا العالم الفوضوي. ومع ذلك، واصل البارزاني طريق الاستفتاء ليفاجأ، كما فوجئ كثيرون غيره، بقوة موقف بغداد إزاء الاستفتاء، وبالإجراءات العقابية غير المسبوقة التي اتخذتها الحكومة المركزية، من دون أن يكون لأميركا أي موقف رافض لتلك الإجراءات، ما خلا تصريحات خجولة لا ترقى الى حجم الإجراءات العقابية التي يراد منها قطع الإقليم عن العالم وعزله تماماً.
نكثت أميركا وعودها للأكراد وللبارزاني، ويبدو أنها كانت تعد لذلك، فالفخ الذي وقع فيه البارزاني قد يكلفه كثيراً. ولا يبدو أن هذا كل شيء، فأميركا دولة تدين بالولاء للمصالح، ولا شيء سوى المصالح، وليس لديها صداقات دائمة، ولا حلفاء دائمون، وإنما لديها صداقة دائمة لمصالحها.
اندفع البارزاني نحو الاستفتاء. وفي المقابل، صعد رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، من إجراءاته العقابية. وبين هذا وذاك، تراقب واشنطن، وهي تعرف أن الطرفين، بغداد وأربيل، لا قدرة لهما على المواجهة لفرض أمر واقع، وإن كلا منهما لا يقوى على تحريك قواته من دون أن يكون للولايات المتحدة دور، وهي التي باتت توجد بقوة في العراق.
وإذا ما كان المشهد يقول، الآن وبعد نحو أسبوع من إجراء الاستفتاء، إن الموقف يميل لصالح بغداد، فإن ذلك ما كان له أن يكون لولا الرغبة الأميركية بزيادة الضغط على البارزاني، ضغطاً سيؤدي، في النهاية، الى جلسة حوار تعد طاولتها الولايات المتحدة الأميركية، وستضع على سطحها أيضاً الملفات التي ستناقش، بل وحتى الاتفاقيات التي تريدها واشنطن.
ترفض بغداد حالياً إجراء أي حوار، ما لم تلغَ نتائج الاستفتاء، وما ترتب عليه، في وقتٍ تعلن أربيل استعدادها للحوار. ولكن من دون إلغاء نتائج الاستفتاء. وبين هذا الموقف وذاك، ستدخل الولايات المتحدة وسيطاً، ستسعى إلى تقريب وجهات النظر، ودفع الطرفين إلى الطاولة، وهناك سيبدأ مشرط أميركا في رسم خريطة طريق جديدة في العراق.
يبدو أن واشنطن التي وقفت خلف البارزاني سراً لإجراء الاستفتاء، ودفعت حيدر العبادي إلى زيادة الضغط على الأكراد عقب هذا الاستفتاء، تعد العدة لتغيير معين في العراق، يبدأ من طاولة الحوار بين بغداد وأربيل. وهذه المرة، سيعتمد التغيير الذي تفرضه واشنطن على أساس واحد مهم، وهو إجراء تغييرات على العملية السياسية برمتها، وفقاً لرغبة الرئيس دونالد ترامب، والذي يسعى إلى تحجيم النفوذ الإيراني في العراق، وهو مسعى يصطدم بالنفوذ الواسع لطهران، ما حدا بواشنطن إلى محاولة إيجاد طرق بديلة لتحقيق غرضها.
تدرك واشنطن، ومن خلفها دوائر صنع القرار، أن الإرهاب الذي يعاني منه العالم هو صناعة نتجت جراء السياسات الحمقاء التي ارتكبتها أميركا في العراق، والتي استمرت بفعل العملية السياسية التي همشت السنة والأكراد، وأفردت القرار السياسي للشيعة. وبالتالي، فإن ضمانة تحجيم الإرهاب تبدأ أولاً من إعادة ترسيم حدود المكونات والطوائف في العراق؟
كما أن تقليص نفوذ إيران يعتمد، بالدرجة الأولى، على زيادة النفوذ الأميركي في العراق، وهو ما تسعى إليه أميركا منذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014. ومن هنا، فإن أميركا اليوم في وضع أقوى، وهي ترى حلفاءها في بغداد وأربيل مأزومين، وهي سيدة حل تفكيك الأزمات التي تتسبب بها. وستكشف الأيام المقبلة الكثير من مستور السياسة الأميركية في العراق، وربما حتى في المنطقة.
كل الأصوات التي كانت تخرج من واشنطن قبل الاستفتاء كانت بالضد منه، ناهيك عن تركيا وإيران، وطبعاً العراق، وجامعة الدول العربية، وحتى مجلس الأمن الدولي، ومع ذلك أصر رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، على إجراء الاستفتاء، وهو الأمر الذي حير كل من تابعه وتابع تفاصيل الساعات والأيام الأخيرة التي سبقت يوم الاستفتاء.
في مقالةٍ نشرها في صحيفة واشنطن بوست، كتب السفير الأميركي السابق في العراق، زلماي خليل زاد، إنه سأل البرزاني: لماذا أنت مصر على الاستفتاء، على الرغم من معارضة حتى أميركا حليفتك الأهم، فأجاب: الحكومة في بغداد طائفية مستبدة، وتسعى إلى إعادة سيطرتها على الإقليم حتى بالقوة، وما أن تتمكن من ذلك بعد أن تقوى عسكرياً، ويكون لديها سلاح ثقيل، فإنها لن تتردد في هذا الأمر. لذا، علينا أن نثبت حقنا الآن".
لم يستمع البارزاني لكل تلك الأصوات التي كانت تنتقد الاستفتاء، ويبدو أن هناك ضوءاً أخضر أميركياً قد مُنح له، بعيداً عن ضوضاء الإعلام، والانتقادات الأميركية للاستفتاء، وإلا فإن البارزاني، وهو السياسي المخضرم، يدرك جيداً أن دولة لا تدعمها أميركا لا يمكنها أن تعيش وتنمو وسط هذا العالم الفوضوي. ومع ذلك، واصل البارزاني طريق الاستفتاء ليفاجأ، كما فوجئ كثيرون غيره، بقوة موقف بغداد إزاء الاستفتاء، وبالإجراءات العقابية غير المسبوقة التي اتخذتها الحكومة المركزية، من دون أن يكون لأميركا أي موقف رافض لتلك الإجراءات، ما خلا تصريحات خجولة لا ترقى الى حجم الإجراءات العقابية التي يراد منها قطع الإقليم عن العالم وعزله تماماً.
نكثت أميركا وعودها للأكراد وللبارزاني، ويبدو أنها كانت تعد لذلك، فالفخ الذي وقع فيه البارزاني قد يكلفه كثيراً. ولا يبدو أن هذا كل شيء، فأميركا دولة تدين بالولاء للمصالح، ولا شيء سوى المصالح، وليس لديها صداقات دائمة، ولا حلفاء دائمون، وإنما لديها صداقة دائمة لمصالحها.
اندفع البارزاني نحو الاستفتاء. وفي المقابل، صعد رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، من إجراءاته العقابية. وبين هذا وذاك، تراقب واشنطن، وهي تعرف أن الطرفين، بغداد وأربيل، لا قدرة لهما على المواجهة لفرض أمر واقع، وإن كلا منهما لا يقوى على تحريك قواته من دون أن يكون للولايات المتحدة دور، وهي التي باتت توجد بقوة في العراق.
وإذا ما كان المشهد يقول، الآن وبعد نحو أسبوع من إجراء الاستفتاء، إن الموقف يميل لصالح بغداد، فإن ذلك ما كان له أن يكون لولا الرغبة الأميركية بزيادة الضغط على البارزاني، ضغطاً سيؤدي، في النهاية، الى جلسة حوار تعد طاولتها الولايات المتحدة الأميركية، وستضع على سطحها أيضاً الملفات التي ستناقش، بل وحتى الاتفاقيات التي تريدها واشنطن.
ترفض بغداد حالياً إجراء أي حوار، ما لم تلغَ نتائج الاستفتاء، وما ترتب عليه، في وقتٍ تعلن أربيل استعدادها للحوار. ولكن من دون إلغاء نتائج الاستفتاء. وبين هذا الموقف وذاك، ستدخل الولايات المتحدة وسيطاً، ستسعى إلى تقريب وجهات النظر، ودفع الطرفين إلى الطاولة، وهناك سيبدأ مشرط أميركا في رسم خريطة طريق جديدة في العراق.
يبدو أن واشنطن التي وقفت خلف البارزاني سراً لإجراء الاستفتاء، ودفعت حيدر العبادي إلى زيادة الضغط على الأكراد عقب هذا الاستفتاء، تعد العدة لتغيير معين في العراق، يبدأ من طاولة الحوار بين بغداد وأربيل. وهذه المرة، سيعتمد التغيير الذي تفرضه واشنطن على أساس واحد مهم، وهو إجراء تغييرات على العملية السياسية برمتها، وفقاً لرغبة الرئيس دونالد ترامب، والذي يسعى إلى تحجيم النفوذ الإيراني في العراق، وهو مسعى يصطدم بالنفوذ الواسع لطهران، ما حدا بواشنطن إلى محاولة إيجاد طرق بديلة لتحقيق غرضها.
تدرك واشنطن، ومن خلفها دوائر صنع القرار، أن الإرهاب الذي يعاني منه العالم هو صناعة نتجت جراء السياسات الحمقاء التي ارتكبتها أميركا في العراق، والتي استمرت بفعل العملية السياسية التي همشت السنة والأكراد، وأفردت القرار السياسي للشيعة. وبالتالي، فإن ضمانة تحجيم الإرهاب تبدأ أولاً من إعادة ترسيم حدود المكونات والطوائف في العراق؟
كما أن تقليص نفوذ إيران يعتمد، بالدرجة الأولى، على زيادة النفوذ الأميركي في العراق، وهو ما تسعى إليه أميركا منذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014. ومن هنا، فإن أميركا اليوم في وضع أقوى، وهي ترى حلفاءها في بغداد وأربيل مأزومين، وهي سيدة حل تفكيك الأزمات التي تتسبب بها. وستكشف الأيام المقبلة الكثير من مستور السياسة الأميركية في العراق، وربما حتى في المنطقة.