الشيخوخة كما لو كانت فضيحة
العمرُ كما لو كان عاراً. وعيوب الجسم الصغيرة كما لو كانت تشوّهاتٍ مخيفة. والغرامات الزائدة كما لو كانت عاهاتٍ ينبغي إخفاؤها، أو التخلّص منها سريعا. لا مكان في عالمنا الحالي لأي نقص، لأي ضعف، لأي أمرٍ "طبيعيّ"، لأنه بات يُلحق العارَ بصاحبه أو صاحبته، وليس أقلّ من هذا. حتى الجميلات الرائعات شبه الكاملات يعانين، ولا يجدن إلى السلام الداخلي سبيلاً، لأنهن سيجدن دائما في أنفسهن، الأحرى في مظهرهنّ، عيباً ما. وإن لم تكن الواحدة ابنة هذا العصر البلاستيكي المشمّع، قانعةً بذاتها، مكتفيةً وممتنةً لما منحته إياها الطبيعة، فهي لن تُترك في شأنها، وستتعرّض لـ "مقصّات ومماحي" الفوتوشوب، وسواها من تطبيقات التجميل الافتراضي، لتتماشى صورتها ومقاييس العصر.
هذا هو بالضبط ما حدث للممثلة الإيطالية المعروفة، كلوديا كاردينالي، التي اختيرت لتكون هذه السنة على ملصق مهرجان كان في دورته السبعين، "تكريما لها كامرأة مستقلة ومواطنة ملتزمة"، بحسب ما أورد في بيانه الصحافي. والصورة المعتمدة تُظهر الممثلة الجميلة في عزّ شبابها على أحد سطوح روما، في العام 1959، وهي تقفز ضاحكةً سعيدة، بشعرها وتنورتها المتطايرة وساقيها اللتين لا تطأان الأرض. إلا أن من يتأمّل في الصورة الأصلية، وتلك المصطبغة بالأحمر التي وُضعت على ملصق المهرجان، كما فعل مؤسس الشبكة الاجتماعية المخصصة للسينما والمسلسلات التلفزيونية، Vodkaster، من خلال مطابقة الصورتين معا، يدرك سريعا أنها صورة تعرّضت "لعملية تجميل" إذا صحّ التعبير، إذ تمّ نحت خصرها وفخذيها، لتبدو أكثر نحافةً مما كانت عليه فعليا!
المضحك المبكي في الأمر أن كاردينالي تبدو في الصورة الأصلية مفعمةً بالحياة، وجذابة جدا، وفاتنة في شكلها الطبيعي، ولا تحتاج أن تُمسّ ألبتة لا من قريب ولا من بعيد. ما الذي دفع منفّذي الملصق إلى التدخل في صورتها (هي التي كانت تنافس بسُمرتها الدسمة شقارَ بريجيت باردو التي قلّما تجرّأ أحد على مقارنتها بأخريات) لجعلها شبيهةً بعارضات الأزياء "الدارجات" في أيامنا هذه؟ واللواتي يوحي مظهرهن بالاعتلال وبارتباك الهوية الجنسية حتى، أكثر منه بمخاطبة الشهوة أو الإثارة.
لنتذكّر لاورا أنطونيللي، صوفيا لورين، جينا لولو بريجيدا، كلوديا كارديناللي، سيلفانا مانغانا، إليزابيت تايلور، راكيل ولش، ريتا هيوارث، بريجيت باردو، هند رستم، مديحة يسري، تحية كاريوكا، إلخ. كلهن فاتناتٌ يفضن أنوثةً واستدارات، وقد ألهبن المشاعر واحتللن القلوب والمخيّلات عقوداً. وحين زحف نملُ العمر عليهن، كبر معظمهن ببساطة، ولم يسِئ إليهن أنهن أصبحن جدّات، وبقين حاضراتٍ في المشهد الفني، وإن يكن بوتيرة أخرى، وتحت أبواب أخرى.
اليوم، الصور المسروقة لفنانات اليوم في حياتهن الحميمة، وهن مختلفات كليا عن صورهن الرائجة، وهنّ قد شخن، وما عدن شبيهات بما كنّ عليه ذات يوم، تملأ المجلات والصحف والمواقع، تحت مسمّى، "قبل وبعد"، وهو مسمّى فضائحي اللهجة، يُعيب على موضوع الصورة "سقطته" التي جعلته يشيخ، يمرض، يهمل نفسه قليلا، فيسمن أو يترهّل أو تظهر عليه شائبة ما. أكثر من ذلك، لقد بات الـ "قبل" محكوما بالـ "بعد"، ذاك "الافتراضي" غير القادر على تكييف الحاضر والمستقبل فحسب، وإنما الماضي أيضا، كما حصل مع صورة كلوديا كاردينالي المذكورة أعلاه. وقبل ذلك، كانت صور نجوم الماضي قد أخضعت لعمليات تجميلٍ بهدف الحفاظ على مجتمع "هيلثي"، فمحيت لفافاتُ التبغ وكؤوس الويسكي والنبيذ من أفواه همفري بوغارت ومرلون براندو وألان ديلون وستيف مكوين وجيمس دين وأيديهم.
يتركّب مجتمعٌ جماليّ أسبرطي، المريض والضعيف والهامشي والبدين والتعيس والواهن مقصيّ منه، ولا شرعية وجود فيه إلا للأصحّاء والأقوياء والجميلين. الفئات الأخرى، السقيمة منها أو الكهلة أو القبيحة أو المعتلة، أي "الطبيعية" ببساطة، لا مكان لها، فما بالك بالسود والفقراء والمهاجرين والنازحين و... المحجبين!