23 أكتوبر 2024
الصين والأزمة الخليجية
على مدار ستة أسابيع من الأزمة الخليجية، لم يصدر من الصين اصطفافٌ سياسيٌّ واضح، أو موقفٌ سياسيٌّ غير تقليدي تجاه الأزمة، يتجاوز المواقف السياسية التقليدية التي أظهرتها القوى الكبرى في العالم، واتسمت بالدعوة إلى المصالحة والحوار بين طرفي الأزمة. والحقيقة أن من الصعب إيجاد موقف حاد في الدبلوماسية العالمية تجاه الأزمة الخليجية، إذ حتى في السياسة التي لا تعرف إلا حسابات المصالح، تجد تلك القوى أن صراعاً بهذه الجدية في منطقةٍ عرفت تقليدياً بتوافقها السياسي وتشابهها الاقتصادي، فضلاً عن تطابقها الثقافي، أمر غير مفهوم، ولا مُتخيّل، وهي بالطبع لا تفضل استمراره.
لم تكن الصين استثناءً من المواقف الدبلوماسية التقليدية تجاه "خلاف الإخوة" في الخليج، وأبرز ما صدر منها، في هذا الصدد، تصريحات وزير خارجيتها، وانغ يي، بعد أسبوعين من اندلاع الأزمة، بأن بلاده ترى أن حل الأزمة الخليجية يجب أن يتم في إطار مجلس التعاون الخليجي، معتبراً أن كلاً من قطر والسعودية صديقتان للصين، وأن بلاده تحافظ على موقفٍ متوازن من الأزمات، عبر دعوتها الدائمة للحوار.
بعدها بأسبوعيْن، أعاد الوزير الصيني التأكيد على الثوابت نفسها، مضيفاً لدى لقائه نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، على هامش اجتماع وزاري في كازاخستان، أن الحفاظ على الهدوء والاستقرار في الخليج هو الأفضل للجميع.
وقد سألتُ، في بكين، أخيرا، أصدقاء باحثين صينيين، مطلعين على الأحوال العربية، عن موقف بلادهم من الأزمة الخليجية، فقالوا إن الأمر يبدو معقداً، لأن للصين علاقاتها ومصالحها التجارية والاقتصادية مع طرفي الأزمة، غير أنهم أكدوا أن الخلاف في الخليج يبدو مفاجئاً لكل مراقب، فالعالم لا يستطيع أن يتخيّل صراعاً في منطقة الخليج بين دولٍ تبدو متشابهة تماماً، واعتاد العالم على التعاطي معها باعتبارها كتلةً واحدة، حتى أن الصين بنتْ استراتيجيتها في التعامل مع هذه المنطقة باعتبارها كتلةً لا تتجزأ، خصوصا تطبيق خطتها المسماة "الطريق والحزام"، والتي تهدف إلى بناء شراكات تجارية في مناطق حيوية للصين منها الشرق الأوسط، ولا شك أن امتداد عمر الأزمة الخليجية لا يتوافق ومرامي خطة الطريق والحزام في هذه المنطقة.
ما لا يمكن إغفاله، هنا، أن جوهر الأزمة الخليجية يرجع، في جزء كبير منه، إلى العلاقات الإيجابية بين قطر وإيران، ومعلوم أن إيران حليف استراتيجي بالنسبة للصين في المنطقة، في سياق تحالفها الاستراتيجي المعروف مع روسيا، كذلك بفعل الموقع الجغرافي المهم الذي تشغله إيران بالنسبة لخطة الطريق والحزام. هل يجعل هذا الأمر الصين أقرب إلى قطر في خلافها الخليجي؟
الإجابة الراجحة أن الصين تتخذ فعلاً موقفاً يدعو إلى المصالحة بين الطرفين، تماماً كما تقول تصريحات وزير خارجيتها. وإذا كان هذا الموقف لا يبدو مختلفاً في مخرجاته النهائية عن مطالب الدوحة التي تريد، في الحقيقة، حل الخلاف وحسب، فإن الصين ربما تكون لها حساسيتها من تقارب قطر مع تركيا في سياق الأحداث، لأن بين الصين وتركيا خلاف جذري وتاريخي تجاه إقليم شينجيانغ الصيني الخاص بقومية الويغور المسلمة، وهي التي تعتبر نفسها قومية تركية، وتتبنى أنقرة مطالبات لعدد من أفرادها يقيمون في الخارج، بالاستقلال عن الصين، وإنشاء دولةٍ لهم باسم "تركستان الشرقية". لكن هذه المسألة لا يمكن أن تلقي ظلالاً كثيفة على الموقف من الأزمة الخليجية، إذ لم تنبنِ على علاقة قطر مع تركيا تبعاتٌ تتعلق بالمواقف من القضايا الدولية، فضلاً عن القضايا الإقليمية، كقضية الويغور. ناهيك عن أن تركيا نفسها تتمتع بعلاقاتٍ تجارية حسنة مع الصين، حتى أنها لا تثير مسألة الويغور إلا في مواسم الخلاف مع الصين وحسب.
الراجح، على أي حال، أن الصين والقوى الكبرى في العالم لن تتخذ على الملأ موقفاً حادّاً لصالح أي من طرفي الخلاف في الخليج، وسيستمر موقفها الداعي إلى حل الأزمة بالحوار، ما سيثمر، بالضرورة، تهدئة في الأزمة، وحيلولة دون تفاقمها، لأن في حل الأزمة مصلحة أكيدة لتلك القوى جميعها.
لم تكن الصين استثناءً من المواقف الدبلوماسية التقليدية تجاه "خلاف الإخوة" في الخليج، وأبرز ما صدر منها، في هذا الصدد، تصريحات وزير خارجيتها، وانغ يي، بعد أسبوعين من اندلاع الأزمة، بأن بلاده ترى أن حل الأزمة الخليجية يجب أن يتم في إطار مجلس التعاون الخليجي، معتبراً أن كلاً من قطر والسعودية صديقتان للصين، وأن بلاده تحافظ على موقفٍ متوازن من الأزمات، عبر دعوتها الدائمة للحوار.
بعدها بأسبوعيْن، أعاد الوزير الصيني التأكيد على الثوابت نفسها، مضيفاً لدى لقائه نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، على هامش اجتماع وزاري في كازاخستان، أن الحفاظ على الهدوء والاستقرار في الخليج هو الأفضل للجميع.
وقد سألتُ، في بكين، أخيرا، أصدقاء باحثين صينيين، مطلعين على الأحوال العربية، عن موقف بلادهم من الأزمة الخليجية، فقالوا إن الأمر يبدو معقداً، لأن للصين علاقاتها ومصالحها التجارية والاقتصادية مع طرفي الأزمة، غير أنهم أكدوا أن الخلاف في الخليج يبدو مفاجئاً لكل مراقب، فالعالم لا يستطيع أن يتخيّل صراعاً في منطقة الخليج بين دولٍ تبدو متشابهة تماماً، واعتاد العالم على التعاطي معها باعتبارها كتلةً واحدة، حتى أن الصين بنتْ استراتيجيتها في التعامل مع هذه المنطقة باعتبارها كتلةً لا تتجزأ، خصوصا تطبيق خطتها المسماة "الطريق والحزام"، والتي تهدف إلى بناء شراكات تجارية في مناطق حيوية للصين منها الشرق الأوسط، ولا شك أن امتداد عمر الأزمة الخليجية لا يتوافق ومرامي خطة الطريق والحزام في هذه المنطقة.
ما لا يمكن إغفاله، هنا، أن جوهر الأزمة الخليجية يرجع، في جزء كبير منه، إلى العلاقات الإيجابية بين قطر وإيران، ومعلوم أن إيران حليف استراتيجي بالنسبة للصين في المنطقة، في سياق تحالفها الاستراتيجي المعروف مع روسيا، كذلك بفعل الموقع الجغرافي المهم الذي تشغله إيران بالنسبة لخطة الطريق والحزام. هل يجعل هذا الأمر الصين أقرب إلى قطر في خلافها الخليجي؟
الإجابة الراجحة أن الصين تتخذ فعلاً موقفاً يدعو إلى المصالحة بين الطرفين، تماماً كما تقول تصريحات وزير خارجيتها. وإذا كان هذا الموقف لا يبدو مختلفاً في مخرجاته النهائية عن مطالب الدوحة التي تريد، في الحقيقة، حل الخلاف وحسب، فإن الصين ربما تكون لها حساسيتها من تقارب قطر مع تركيا في سياق الأحداث، لأن بين الصين وتركيا خلاف جذري وتاريخي تجاه إقليم شينجيانغ الصيني الخاص بقومية الويغور المسلمة، وهي التي تعتبر نفسها قومية تركية، وتتبنى أنقرة مطالبات لعدد من أفرادها يقيمون في الخارج، بالاستقلال عن الصين، وإنشاء دولةٍ لهم باسم "تركستان الشرقية". لكن هذه المسألة لا يمكن أن تلقي ظلالاً كثيفة على الموقف من الأزمة الخليجية، إذ لم تنبنِ على علاقة قطر مع تركيا تبعاتٌ تتعلق بالمواقف من القضايا الدولية، فضلاً عن القضايا الإقليمية، كقضية الويغور. ناهيك عن أن تركيا نفسها تتمتع بعلاقاتٍ تجارية حسنة مع الصين، حتى أنها لا تثير مسألة الويغور إلا في مواسم الخلاف مع الصين وحسب.
الراجح، على أي حال، أن الصين والقوى الكبرى في العالم لن تتخذ على الملأ موقفاً حادّاً لصالح أي من طرفي الخلاف في الخليج، وسيستمر موقفها الداعي إلى حل الأزمة بالحوار، ما سيثمر، بالضرورة، تهدئة في الأزمة، وحيلولة دون تفاقمها، لأن في حل الأزمة مصلحة أكيدة لتلك القوى جميعها.