04 أكتوبر 2024
مصريون مجبرون أم هي ثقافة شعبية؟
أصبحت الشوارع في مصر مثل حساب شخصي على تطبيق "إنستغرام" للمرشح الرئاسي، عبد الفتاح السيسي. وهناك أماكن يلاحظ فها أن اللافتات الدعائية تعيق الرؤية، وتحجب العمارات والأشجار، وأحيانا تحجب الشمس في الشوارع الضيقة. صور متنوعة بعبارات متشابهة، تدل على أن مصدر اللافتات واحد، أشخاص وشركات ومقاهٍ ومطاعم وأكشاك وعائلات تنشر لافتات الدعاية والتأييد والمبايعة كل ساعة، وكأنها انتخابات حقيقية.
لا يخجلون من الإعلان أن هدفهم الحقيقي هو رسالة إلى العالم أن هناك تأييدا غير مسبوق داخل مصر للزعيم الملهم، ولا يخجلون في تصريحاتهم من الاعتراف بأنها مثل استفتاءات "نعم ولا" التي تعوّد المصريون عليها منذ انقلاب يوليو/تموز 1952. هذه المرة هي استفتاءٌ مغلفٌ بالإجراءات الشكلية للانتخابات، من أجل عدم إغضاب الغرب، لا تختلف كثيرا عن الانتخابات الصورية الروسية التي فاز بها الرئيس فلاديمير بوتين قبل أيام. والجميع يعلم ما يحدث من إجراءات غير قانونية، فربما تكون أكثر فجاجةً من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فهذه الأيام يتم جمع البطاقات الشخصية يوميا من مئات المواطنين البسطاء والموظفين في كل المحافظات، حتى يتم إجبارهم على الوجود في اللجان الانتخابية ومراكز الاقتراع في يوم الانتخابات، وأصحاب المقاهي والمحلات التجارية يتم إجبارهم على تعليق لافتات التأييد والمبايعة.
لا يوجد من يستطيع رفض البيعة الإجبارية، فترسانة القوانين المصرية العتيقة تكتظ بالبنود
التي تجعله يندم على ذلك، فالقوانين في مصر يتم تشريعها وتصاحبها ثغراتها المتعمدة، والتي تسمح بتمرير التجاوزات للمرضي عنهم، والتي تعرقل أي نشاطٍ شريفٍ في الوقت ذاته لكل المغضوب عليهم، عن طريق صياغات مطاطة ومبهمة وتعقيدات متعمدة. وعند تأسيس شركة أو مصنع أو محل لأي نشاط تجاري، فهناك عشرات وعشرات من الإجراءات المتداخلة والتعقيدات واللوائح العتيقة التي تفتح الباب أمام الموظفين الحكوميين، لفرض جباية ورشاوى إجبارية على متلقي الخدمة، فالموظف الحكومي هو المتحكم، وهو الآمر الناهي الذي يستطيع المنح والمنع. ولذلك يسهل إنشاء الشركات والمحال التجارية من خلال الأبواب الخلفية لدولة الموظفين المستقلة، كما يسهل الإغلاق والمنع من خلال الأبواب الخلفية نفسها لدولة الموظفين المستقلة.
رفض صاحب المصنع أو مالك المنشأة التجارية تعليق لافتة تأييد ومبايعة للسيسي أمام المصنع أو المنشأة، يسبب إغلاقها بمنتهى السهولة، مهما كانت مطابقة للمواصفات ومستوفية للشروط، من خلال ادعاء أي مخالفاتٍ لاشتراطات الحريق أو الدفاع المدني، أو وجود برامج كمبيوتر مقلدة، أو عدم وجود منافذ تهوية كافية، أو تصادف إلقاء مخلفات على الأرض. وقد تكون تلك المخالفات المزعومة مجرد ادعاءاتٍ من دون دليل، بغرض عقاب من تكاسل عن مبايعة الرئيس، أو قد تكون هناك مخالفات طفيفة فعلياً، ولكن لا تقارن بمخالفات المؤيدين للنظام التي ترقى إلى حد الجرائم، ولكن يتم التغاضي عنها، فرأس المال جبان بالطبع، وهو ما يتم استغلاله. ولكن لو كانت هناك دولة قانون حقيقية، أو كانت هناك عدالة وتكافؤ للفرص، ما كان هناك إجبار واستغلال وإرهاب لأصحاب رؤوس الأموال. ولكن هل فعلا يتم إجبار الجميع على التأييد والمبايعة؟ أم أن كل من سيصوّت للسيسي من المواطنين البسطاء هم ممن تم جمع بطاقاتهم الشخصية، وتسليمها لهم يوم الاقتراع؟ بالتأكيد لا، دعونا نعترف أن هناك قطاعاتٍ أخرى تستطيع التماهي مع الجلاد، وتتلذذ بالنفاق، ليسوا مستفيدين ولا فاسدين، وليسوا من عائلات الجيش والشرطة، ولا من أصحاب رؤوس الأموال، قطاعات يصفهم بعضهم بالمازوخية والتلذذ بالتعرّض للمعاناة والإهانة والتعذيب، ويصفهم بعضهم بالحكمة وإيثار السلامة، إنه قطاعٌ قد يمثل أغلبية المصريين، ويمثل عدة سمات مهمة لم تتغير فيهم عبر التاريخ، منها سمتا عبادة الحاكم الفرعون، والتأقلم والتكيف مع الظروف مهما كانت، احتلالا أجنبيا أو حاكما فرعونا.
هناك أمثال شعبية تراثية مصرية عديدة تفسر ذلك السلوك، على شاكلة من خاف سِلم، ومن يتزوج أمي أقول له يا عمي، وإن وجدت نفسك في بلد يعبد العجل فكن أول من يُطعمه.
تجد في طوابير الانتخابات آلاف الفقراء والمعدومين. ذهب بعضهم إلى مراكز الاقتراع من أجل الفوز بوجبة غذاء ومبلغ ضئيل، وتحرّك بعضهم خوفا من إيذاء ضباط الشرطة، أو خوفا من تبليغ أحد المخبرين عنه، أو خوفا من فقدان وظيفته لدى صاحب العمل المتحالف مع السلطة. هل تعلم أن من اعتدوا على المستشار هشام جنينة ومحاولة قتله هم من يعيشون على حد الكفاف، ويقيمون في منازل تشبه العشش الخاوية والخالية من أي مظاهر للحداثة، لكنهم لا يستطيعون رفض أوامر السلطة، بل حاول بعضهم قتل جنينة، وهو يعتقد أنه يقوم بواجب وطني. بالتأكيد لم يكن يعلم أن المستشار قاض سابق، وأقيل من منصبه رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات، بعد أن تحدث عن الفساد وإهدار أكثر من 60 مليار جنيه من أموال الدولة.
هناك بالفعل نسبةٌ لا يستهان بها تبادر إلى دعم كل رئيس وكل مسؤول وتأييده، تجار، أعيان،
أصحاب أعمال مستفيدون من الفساد والرشاوى، أصحاب أعمال يَرَوْن أن مصالحهم في ذلك الاستقرار المشوب بالفساد والاستبداد. وهناك أيضا نسبةٌ لا يستهان بها ممن يعتقدون فعليا أن بقاء الوضع السيئ هو الأفضل من الفوضى. وهناك كذلك نسبة لا يستهان بها تعتقد أن السيسي فعلا هو المنقذ، وهو الحامي من الإرهاب. وهناك نسبةُ لا يستهان بها راضيةٌ عن الوضع القائم أو مستفيدة منه، رجال أعمال (كبار أو صغار) تقوم أعمالهم على الفساد والرشاوى. هناك أيضا بلطجية الانتخابات وأصحاب السوابق الإجرامية الذين تربطهم علاقةٌ وثيقةٌ بالشرطة، وينفذون المهام القذرة، لكي يتم السماح لهم بعد ذلك بالعيش في أمان في حياتهم العشوائية التي تفتقد الحد الأدنى من الاستقرار والأمان والكرامة.
وهناك العديد والعديد من أحداث تدل على ذلك، فعلى الرغم من المقاومة الشعبية المصرية ضد الحملة الفرنسية، إلا أن التاريخ يذكر أعيانا وتجارا وشيوخا للأزهر ساعدوا الفرنسيين ضد المصريين، بذرائع مثل عدم إلقاء النفس في التهلكة، أو من أجل عدم تدمير البلاد، أو من أجل الحفاظ على المصالح الفردية، وهناك عشرات وعشرات من القصص عن خيانة بعض الأعيان والتجار والشيوخ للمقاومين، وإعانة الغزاة الفرنسيين عليهم، من أجل الحفاظ على مصالح ومكتسبات شخصية. وتكرّر الأمر مع الاحتلال البريطاني، فقد كانت هناك قطاعات عديدة مستفيدة من وجوده، فقد كانت هناك نخبة حاكمة، تلقّت تعليمها وتأهيلها على يد الاستعمار البريطاني، وتدين له بالولاء، وكانت هناك طبقة أصحاب مصالح وكبار موظفين في الدولة وإقطاعيون أصبحت مصالحهم متقاطعةً ومرتبطة بالاستعمار. وفي عهد الإنجليز، تم تأسيس القلم السياسي، أو القلم المخصوص في وزارة الداخلية، بهدف تتبّع المناضلين، وكل من يحاول مقاومة الاستعمار وأعوانه. ولذلك ليست مصادفةً أن هذا القسم استمرّ حتى اليوم، وأصبح تحت مسمى قطاع الأمن الوطني يدافع عن مصالح الحاكم، أيا كان اسمه.
لا يخجلون من الإعلان أن هدفهم الحقيقي هو رسالة إلى العالم أن هناك تأييدا غير مسبوق داخل مصر للزعيم الملهم، ولا يخجلون في تصريحاتهم من الاعتراف بأنها مثل استفتاءات "نعم ولا" التي تعوّد المصريون عليها منذ انقلاب يوليو/تموز 1952. هذه المرة هي استفتاءٌ مغلفٌ بالإجراءات الشكلية للانتخابات، من أجل عدم إغضاب الغرب، لا تختلف كثيرا عن الانتخابات الصورية الروسية التي فاز بها الرئيس فلاديمير بوتين قبل أيام. والجميع يعلم ما يحدث من إجراءات غير قانونية، فربما تكون أكثر فجاجةً من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فهذه الأيام يتم جمع البطاقات الشخصية يوميا من مئات المواطنين البسطاء والموظفين في كل المحافظات، حتى يتم إجبارهم على الوجود في اللجان الانتخابية ومراكز الاقتراع في يوم الانتخابات، وأصحاب المقاهي والمحلات التجارية يتم إجبارهم على تعليق لافتات التأييد والمبايعة.
لا يوجد من يستطيع رفض البيعة الإجبارية، فترسانة القوانين المصرية العتيقة تكتظ بالبنود
رفض صاحب المصنع أو مالك المنشأة التجارية تعليق لافتة تأييد ومبايعة للسيسي أمام المصنع أو المنشأة، يسبب إغلاقها بمنتهى السهولة، مهما كانت مطابقة للمواصفات ومستوفية للشروط، من خلال ادعاء أي مخالفاتٍ لاشتراطات الحريق أو الدفاع المدني، أو وجود برامج كمبيوتر مقلدة، أو عدم وجود منافذ تهوية كافية، أو تصادف إلقاء مخلفات على الأرض. وقد تكون تلك المخالفات المزعومة مجرد ادعاءاتٍ من دون دليل، بغرض عقاب من تكاسل عن مبايعة الرئيس، أو قد تكون هناك مخالفات طفيفة فعلياً، ولكن لا تقارن بمخالفات المؤيدين للنظام التي ترقى إلى حد الجرائم، ولكن يتم التغاضي عنها، فرأس المال جبان بالطبع، وهو ما يتم استغلاله. ولكن لو كانت هناك دولة قانون حقيقية، أو كانت هناك عدالة وتكافؤ للفرص، ما كان هناك إجبار واستغلال وإرهاب لأصحاب رؤوس الأموال. ولكن هل فعلا يتم إجبار الجميع على التأييد والمبايعة؟ أم أن كل من سيصوّت للسيسي من المواطنين البسطاء هم ممن تم جمع بطاقاتهم الشخصية، وتسليمها لهم يوم الاقتراع؟ بالتأكيد لا، دعونا نعترف أن هناك قطاعاتٍ أخرى تستطيع التماهي مع الجلاد، وتتلذذ بالنفاق، ليسوا مستفيدين ولا فاسدين، وليسوا من عائلات الجيش والشرطة، ولا من أصحاب رؤوس الأموال، قطاعات يصفهم بعضهم بالمازوخية والتلذذ بالتعرّض للمعاناة والإهانة والتعذيب، ويصفهم بعضهم بالحكمة وإيثار السلامة، إنه قطاعٌ قد يمثل أغلبية المصريين، ويمثل عدة سمات مهمة لم تتغير فيهم عبر التاريخ، منها سمتا عبادة الحاكم الفرعون، والتأقلم والتكيف مع الظروف مهما كانت، احتلالا أجنبيا أو حاكما فرعونا.
هناك أمثال شعبية تراثية مصرية عديدة تفسر ذلك السلوك، على شاكلة من خاف سِلم، ومن يتزوج أمي أقول له يا عمي، وإن وجدت نفسك في بلد يعبد العجل فكن أول من يُطعمه.
تجد في طوابير الانتخابات آلاف الفقراء والمعدومين. ذهب بعضهم إلى مراكز الاقتراع من أجل الفوز بوجبة غذاء ومبلغ ضئيل، وتحرّك بعضهم خوفا من إيذاء ضباط الشرطة، أو خوفا من تبليغ أحد المخبرين عنه، أو خوفا من فقدان وظيفته لدى صاحب العمل المتحالف مع السلطة. هل تعلم أن من اعتدوا على المستشار هشام جنينة ومحاولة قتله هم من يعيشون على حد الكفاف، ويقيمون في منازل تشبه العشش الخاوية والخالية من أي مظاهر للحداثة، لكنهم لا يستطيعون رفض أوامر السلطة، بل حاول بعضهم قتل جنينة، وهو يعتقد أنه يقوم بواجب وطني. بالتأكيد لم يكن يعلم أن المستشار قاض سابق، وأقيل من منصبه رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات، بعد أن تحدث عن الفساد وإهدار أكثر من 60 مليار جنيه من أموال الدولة.
هناك بالفعل نسبةٌ لا يستهان بها تبادر إلى دعم كل رئيس وكل مسؤول وتأييده، تجار، أعيان،
وهناك العديد والعديد من أحداث تدل على ذلك، فعلى الرغم من المقاومة الشعبية المصرية ضد الحملة الفرنسية، إلا أن التاريخ يذكر أعيانا وتجارا وشيوخا للأزهر ساعدوا الفرنسيين ضد المصريين، بذرائع مثل عدم إلقاء النفس في التهلكة، أو من أجل عدم تدمير البلاد، أو من أجل الحفاظ على المصالح الفردية، وهناك عشرات وعشرات من القصص عن خيانة بعض الأعيان والتجار والشيوخ للمقاومين، وإعانة الغزاة الفرنسيين عليهم، من أجل الحفاظ على مصالح ومكتسبات شخصية. وتكرّر الأمر مع الاحتلال البريطاني، فقد كانت هناك قطاعات عديدة مستفيدة من وجوده، فقد كانت هناك نخبة حاكمة، تلقّت تعليمها وتأهيلها على يد الاستعمار البريطاني، وتدين له بالولاء، وكانت هناك طبقة أصحاب مصالح وكبار موظفين في الدولة وإقطاعيون أصبحت مصالحهم متقاطعةً ومرتبطة بالاستعمار. وفي عهد الإنجليز، تم تأسيس القلم السياسي، أو القلم المخصوص في وزارة الداخلية، بهدف تتبّع المناضلين، وكل من يحاول مقاومة الاستعمار وأعوانه. ولذلك ليست مصادفةً أن هذا القسم استمرّ حتى اليوم، وأصبح تحت مسمى قطاع الأمن الوطني يدافع عن مصالح الحاكم، أيا كان اسمه.