04 نوفمبر 2024
تونس.. المستقلون والحملة الانتخابية
انطلقت حملة الانتخابات البلدية في تونس، وقد جمعت 2068 قائمة، 859 مستقلة، 165 ائتلافية (حزبية)، وعلى الرغم من التشكيك أحيانا في استقلالية "المستقلين"، خصوصا عن الأحزاب السياسية، فإن للاستقلالية هذه تراثاً في تاريخ العمل السياسي والحقوقي في تونس، إذ ثمّة دواع عديدة تمنح هذه القوائم شرعية التشكل، فقد كان المستقلون من ثوابت العمل النضالي عموما.
ظهرت في أواخر السبعينيات صحيفة الرأي المستقلة، وهي أول صحيفة رأي خارج منظومة صحافة الحزب الحاكم، ومن يدور في فلكها طوعا أو غصبا، حاضنة لمثل هذا التيار في بواكيره الأولى، والذي كانت له رموز عديدة، منهم مؤسس الصحيفة، حسيب بن عمار. وعلى الرغم من توليهم حقائب وزارية في عهد بن علي، وسرعان ما تخلى عنهم، فإنهم لم ينتموا إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم)، وظلوا على استقلاليتهم مع مشاعر حسرة لاحقتهم طويلا، وأفسدت عليهم طعم الاستقلالية. ولكن توسع هذا التيار لاحقا في أوساط سياسية وحقوقية عديدة، وضمت الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية لحقوق الإنسان وجمعية النساء الديموقراطيات، عديدا من هؤلاء المستقلين والمستقلات، فضلا عن شخصيات وطنية، ظلت تنشط في الحقل السياسي والنقابي والحقوقي، من دون الانخراط في أحزاب. ثم ضخّت الثورة في هذا التيار وافدين جددا، خصوصا وقد تشكلت دستورياً هيئاتٌ مستقلة عديدة، على غرار هيئة الحقيقة والكرامة، وهيئة مقاومة التعذيب، وهيئة الانتخابات، والمحكمة الدستورية. وقد تم التنصيص على استقلالية هذه الهيئات واستقلالية أعضائها وهيئاتها وفروعها. وهكذا تم الإقرار بالاستقلالية ودسترتها، على الرغم من معضلة الاتفاق بشأن مدى استقلالية هذه الهيئات، ومن تولوا إداراتها. وما زال يُثار جدل كثير بشأن هذا الأمر. والوافدون الجدد هم إما مغادرون أحزابهم والفارّون من "سيئات التحزّب" عموما أو نشطاء المجتمع المدني من الشباب تحديدا.
تعود استقلالية القوائم في الحملة الانتخابية البلدية حاليا إلى معطياتٍ عديدة، ذات صلة وثيقة
بطبيعة فترة ما بعد الثورة، حين تكاثرت الأحزاب السياسية حتى فاقت 220 حزبا، من دون أن تكسب ثقة المواطن التونسي الذي أصبح ينظر إليها بحذر كثير، أو ربما بنقمة، فهو يحمّلها مسؤولية ما يراه إخفاقا كبيرا وعجزا مستفحلا عن تحسين ظروف المعاش تحديدا، فبعد أكثر من ثلاث محطات انتخابية وسبع حكومات، ظل المنجز هزيلا ومخيبا.
يراهن المستقلون على هذا المناخ المتصف بافتقاد الثقة في الأحزاب، وكسب المؤيدين في الحملة الانتخابية، ويقدمون أنفسهم بديلا عن الطبقة السياسية المتحزبة، خصوصا أن الحملة انطلقت في مناخ من التوتر الاجتماعي والسياسي، إذ تزامنت مع اندلاع موجة من الإضرابات (رجال التعليم، المتقاعدين..)، وتحرّكات اجتماعية أخرى لفئات تعتقد أنها تضرّرت، ولم تعد قادرة على مزيد من التحمل. على الرغم من ذلك، تراهن القوائم المستقلة في استراتيجيتها على جلب اهتمام الناخب، وإقناعه بالانتخاب، واختيارها بديلا عن تلك الأحزاب.
واشتغلت القوائم المستقلة على اختيار أسماء لها أولا، فتوزعت الأسماء المختارة بعناية على سجلات متعدّدة، منها سجل كفاحي وطني، مثلا: البؤساء، المكافحون، الزواولة (الفقراء
والمهمشون، باللهجة المحلية). وسجل محلي، موزّع على مميزات طبيعية للمناطق البلدية، على غرار النخيل والزياتين والياسمين والنسرين والورد والجبال والصحاري والواحات، فحملت قوائم أسماء الأشجار والنباتات التي تميز جهات عديدة في تونس. وهناك أسماء عدة معالم ومواقع، في دغدغة لمشاعر الانتماء والاعتزاز للناخب. ويعود السجل الثالث إلى قيم ومعايير أخلاقية، يرى مستقلون عديدون أنها أهدرت بعد الثورة، على غرار الكرامة، العمل، الثقة، الاجتهاد، الحلم، الأمل. لذلك تحمل قوائم عديدة شحنا عاطفيا جديدا، يقطع مع مشاعر الإحباط واليأس.
يعوّل المستقلون على الرصيد السلبي لدى الأحزاب التي تنافسهم، خصوصا من حكم منها، حركة النهضة ونداء تونس مثلا، ويعوّلون أيضا على أن يتسع التذمر ليشمل حتى الأحزاب المعارضة، وتحديدا الجبهة الشعبية، لكونها لا تختلف كثيرا لدى قطاع واسع من الرأي العام الذي يعدّها عدميةً، ساهمت في تأزيم الأوضاع في خطابيها، التصعيدي والطوباوي، فيما يعتقد هؤلاء المستقلون أنهم قوة مقترح واقعي ومعتدل. ويبتكرون مناهج وأساليب جديدة في الدعاية الانتخابية، مثمنين مواردهم المحلية، على أمل انتزاع مقاعد مهمة في هذه الانتخابات. وفي مناخ انتخابي متوتر، وفي ثقافة سياسية حزبية بالأساس، قد تكون المهمة صعبةً، ولكن قد تحدث المفاجأة.
ظهرت في أواخر السبعينيات صحيفة الرأي المستقلة، وهي أول صحيفة رأي خارج منظومة صحافة الحزب الحاكم، ومن يدور في فلكها طوعا أو غصبا، حاضنة لمثل هذا التيار في بواكيره الأولى، والذي كانت له رموز عديدة، منهم مؤسس الصحيفة، حسيب بن عمار. وعلى الرغم من توليهم حقائب وزارية في عهد بن علي، وسرعان ما تخلى عنهم، فإنهم لم ينتموا إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم)، وظلوا على استقلاليتهم مع مشاعر حسرة لاحقتهم طويلا، وأفسدت عليهم طعم الاستقلالية. ولكن توسع هذا التيار لاحقا في أوساط سياسية وحقوقية عديدة، وضمت الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية لحقوق الإنسان وجمعية النساء الديموقراطيات، عديدا من هؤلاء المستقلين والمستقلات، فضلا عن شخصيات وطنية، ظلت تنشط في الحقل السياسي والنقابي والحقوقي، من دون الانخراط في أحزاب. ثم ضخّت الثورة في هذا التيار وافدين جددا، خصوصا وقد تشكلت دستورياً هيئاتٌ مستقلة عديدة، على غرار هيئة الحقيقة والكرامة، وهيئة مقاومة التعذيب، وهيئة الانتخابات، والمحكمة الدستورية. وقد تم التنصيص على استقلالية هذه الهيئات واستقلالية أعضائها وهيئاتها وفروعها. وهكذا تم الإقرار بالاستقلالية ودسترتها، على الرغم من معضلة الاتفاق بشأن مدى استقلالية هذه الهيئات، ومن تولوا إداراتها. وما زال يُثار جدل كثير بشأن هذا الأمر. والوافدون الجدد هم إما مغادرون أحزابهم والفارّون من "سيئات التحزّب" عموما أو نشطاء المجتمع المدني من الشباب تحديدا.
تعود استقلالية القوائم في الحملة الانتخابية البلدية حاليا إلى معطياتٍ عديدة، ذات صلة وثيقة
يراهن المستقلون على هذا المناخ المتصف بافتقاد الثقة في الأحزاب، وكسب المؤيدين في الحملة الانتخابية، ويقدمون أنفسهم بديلا عن الطبقة السياسية المتحزبة، خصوصا أن الحملة انطلقت في مناخ من التوتر الاجتماعي والسياسي، إذ تزامنت مع اندلاع موجة من الإضرابات (رجال التعليم، المتقاعدين..)، وتحرّكات اجتماعية أخرى لفئات تعتقد أنها تضرّرت، ولم تعد قادرة على مزيد من التحمل. على الرغم من ذلك، تراهن القوائم المستقلة في استراتيجيتها على جلب اهتمام الناخب، وإقناعه بالانتخاب، واختيارها بديلا عن تلك الأحزاب.
واشتغلت القوائم المستقلة على اختيار أسماء لها أولا، فتوزعت الأسماء المختارة بعناية على سجلات متعدّدة، منها سجل كفاحي وطني، مثلا: البؤساء، المكافحون، الزواولة (الفقراء
يعوّل المستقلون على الرصيد السلبي لدى الأحزاب التي تنافسهم، خصوصا من حكم منها، حركة النهضة ونداء تونس مثلا، ويعوّلون أيضا على أن يتسع التذمر ليشمل حتى الأحزاب المعارضة، وتحديدا الجبهة الشعبية، لكونها لا تختلف كثيرا لدى قطاع واسع من الرأي العام الذي يعدّها عدميةً، ساهمت في تأزيم الأوضاع في خطابيها، التصعيدي والطوباوي، فيما يعتقد هؤلاء المستقلون أنهم قوة مقترح واقعي ومعتدل. ويبتكرون مناهج وأساليب جديدة في الدعاية الانتخابية، مثمنين مواردهم المحلية، على أمل انتزاع مقاعد مهمة في هذه الانتخابات. وفي مناخ انتخابي متوتر، وفي ثقافة سياسية حزبية بالأساس، قد تكون المهمة صعبةً، ولكن قد تحدث المفاجأة.