02 نوفمبر 2024
محمد علي.. موسم للتندّر
حسنا فعل محمد علي. لم يأت الخلاص في مصر، كما دعا إليه، عبر حشد الجماهير. نزلت إلى الشارع أعدادٌ لم يكن يخيّل لنا أنها يمكن أن تجرؤ على كسر الحظر على التظاهر. ردّد هؤلاء شعارات ضد عبد الفتاح السيسي لم نكن لنصدّق أن نسمعها مجدّدا من مصر. شاهدنا تمزيقا لصور عبد الفتاح السيسي وسحقها تحت الأقدام، بما يعيد مشاهد تمزيق صور الأسد وصدام والقذافي وغيرهم من طغاة العالم العربي. لم يسقط الديكتاتور، كما لم يكن يتوقع سقوطه أساسا. لم يكن من المتوقع خروج ملايين إلى الشارع، إلا في إطار انقلاب على الانقلاب، وهو ما لم يحصل، أقله حتى الآن.
حسنا فعل محمد علي أنه حرّك المياه الراكدة للشارع المصري المختنق كراهيةً من بطش الديكتاتور. ليس حاجز الخوف حديديا كما يخيل لأي مراقبٍ للوضع المصري البائس. لم يخرج الملايين ولا الآلاف، إلا أن الخارجين عبروا عن حالة الاحتقان التي تكاد تقارب الانفجار في السجن الكبير الذي بات المصريون يعيشون فيه داخل سجون النظام وخارجها. حسنا فعل المقاول الشاب الذي تحوّل ناشطا سياسيا، ولو كوميديا، أنه أضحكنا من الأعماق في شتيمة الديكتاتور. بذاءة الألفاظ التي استخدمها في شتيمة السيسي تعبيرا عما قد يقوله المصري العادي في سرّه ساهمت في كسر حاجز الخوف، عبر تقليد من التحقير اليومي الكوميدي للديكتاتور. ساهم هذا الكم من التحقير في إزالة قدر كبير من الخوف من الاستبداد غير المسبوق الذي يمارسه الجنرال، منذ استيلائه على السلطة من دون أي حساب أو مراجعة.
أمتعنا محمد علي في تحجيم الجنرال الذي أشاد سلطته على سجون الرعب والتعذيب، ليكشف
فصولا غير معروفة، وإن تكن متوقعة في فساد الرئيس في إغداق أموال الدولة على عائلته وحلفائه في وقتٍ يقدّم نفسه حامي الفقراء المناضل من أجل مصر الذي أمضى سنواتٍ من طفولته يعتاش على مياه ثلاجة العائلة في واحدةٍ من الخرافات، يرويها الطبيب وفيلسوف الفلاسفة، كما يقدم السيسي نفسه. الأهم أن المقاول أطلق سعار النكات، وهو سلاح المصريين الأمضى في مواجهة قمع النظام، ولو لم يسبق لهم أن عاشوا ما يوازي قمع السيسي. عادوا إلى الضحك، إذاً ثمة أمل بالتغيير.
ليس محمد علي ناشطا حقوقيا أو سياسيا، وهو جزء من شبكة الفساد التي فضحها، بعد أن اختار أن ينشق عن النظام الذي احتال على أمواله. يقدّم كل يوم فصلا جديدا من فضائح الرئيس والمؤسسة العسكرية، في تفاصيل من السهل التأكد من دقتها، لو أن الإعلام المصري يقوم بما يجب أن يقوم به: مراقبة السلطة ومواجهتها بالحقائق، لو أننا كنا لا نزال في مرحلة الانتقال الديمقراطي التي كان يفترض أن تحمل، لو أنها نجحت، إعلاما وسياسة مختلفين. المهم في مسلسل محمد علي في مواجهة عبد الفتاح السيسي أن لغة الأول في مواجهة الثاني بسيطة وقحة، لا تخاف الزعيم، ولا تقيم له وزنا، على الرغم من قدرات الأخير في التنكيل بخصومه، وتلك رسالةٌ مهمة للذين أسكتهم الخوف، بعدما بلغ مستوى البطش حدودا لم يشهدها أي نظام مصري سابق. وهي ليست لغة سياسة أو أيديولوجيا تتطلّب تعمّقا في الفهم، أو يمكن استخدامها في مسلسل التخويف من الإسلام السياسي. يبدو المقاول الثري مغروما بشخصه أكثر من أي شيء آخر، ومنتشيا بدوره الجديد، وهو الممثل المغمور الذي لم يكن لنا لنعرف عن أعماله، لولا عمله الأبرز في تحدّي الرئيس، مدعوما من أحد أجنحة الجيش أم لا، لا نعرف. تحول محمد علي، على الرغم من اعترافه واعتراف عائلته بأنهم جزء من النظام الفاسد، رمزا للقدرة على التحدّي في زمن الصمت والخوف.
حشد نظام السيسي لجولات السيسي عديدا أمنيا غير مسبوق، ولم يتمكّن من إيقافها، إلا بحملات
اعتقال شاملة، بما في ذلك اعتقال أفراد صودف أنهم في الشارع، ولم تكن لهم علاقة بالأمر، أرعبت على ما يبدو النظام، ودفعته إلى تقديم تنازلاتٍ لهؤلاء الذين قد يدفعهم الفقر المدقع إلى الخروج إلى الشارع. ولكن الرعب من استعادة هؤلاء وغيرهم عافية التندر في فضاء الإنترنت الواسع هو الأخطر على النظام. هل سيستعيد المصريون القدرة على تحجيم الحكام؟ هل تفقد روايات السيسي "الهايفة" القدرة على إقناع البؤساء الحالمين بغد أفضل؟
محظوظة مصر بمحمد علي، إذ إنه أطلق أحد أنجح المسلسلات الدرامية/ الكوميدية، أبرز فصوله فضح الركاكة غير المحتملة للإعلام المصري في الاستزلام للرئيس. أظهر مسلسل محمد علي هشاشة النخب المزعومة للإعلام المصري الذي تحوّل مجرد بوقٍ للتلميع، مستخدما أدواتٍ لم تعد تقنع أحدا، بما في ذلك جماهير التابعين والأبواق الصغيرة. محمد علي وأمثاله حاجة للعالم العربي ليس فقط مصر. أين الإعلام العربي من قضايا الفساد التي باتت المحرّك الأول للجماهير للنزول إلى الشارع؟ قد لا يكون المقاول الشاب خطط مسبقا للتحول إلى المسرّب الأبرز للفضائح في العالم العربي، وقد يكون دوره رسمته مسبقا أجهزة أمن في تناتش الأجهزة على السلطة. المهم أنه أضحكنا من الأعماق، وأظهر الحجم الحقيقي للحاكم. في بذاءة ألفاظه، نسمع صوت المصري الذي اعتاد ابتلاع شتائمه خوفا، وفي استعراضاته المسرحية موسما مقبلا للتنمّر بلا حدود، فلنتمرّد على بؤسنا بالضحك إلى أن يأتي التغيير.
أمتعنا محمد علي في تحجيم الجنرال الذي أشاد سلطته على سجون الرعب والتعذيب، ليكشف
ليس محمد علي ناشطا حقوقيا أو سياسيا، وهو جزء من شبكة الفساد التي فضحها، بعد أن اختار أن ينشق عن النظام الذي احتال على أمواله. يقدّم كل يوم فصلا جديدا من فضائح الرئيس والمؤسسة العسكرية، في تفاصيل من السهل التأكد من دقتها، لو أن الإعلام المصري يقوم بما يجب أن يقوم به: مراقبة السلطة ومواجهتها بالحقائق، لو أننا كنا لا نزال في مرحلة الانتقال الديمقراطي التي كان يفترض أن تحمل، لو أنها نجحت، إعلاما وسياسة مختلفين. المهم في مسلسل محمد علي في مواجهة عبد الفتاح السيسي أن لغة الأول في مواجهة الثاني بسيطة وقحة، لا تخاف الزعيم، ولا تقيم له وزنا، على الرغم من قدرات الأخير في التنكيل بخصومه، وتلك رسالةٌ مهمة للذين أسكتهم الخوف، بعدما بلغ مستوى البطش حدودا لم يشهدها أي نظام مصري سابق. وهي ليست لغة سياسة أو أيديولوجيا تتطلّب تعمّقا في الفهم، أو يمكن استخدامها في مسلسل التخويف من الإسلام السياسي. يبدو المقاول الثري مغروما بشخصه أكثر من أي شيء آخر، ومنتشيا بدوره الجديد، وهو الممثل المغمور الذي لم يكن لنا لنعرف عن أعماله، لولا عمله الأبرز في تحدّي الرئيس، مدعوما من أحد أجنحة الجيش أم لا، لا نعرف. تحول محمد علي، على الرغم من اعترافه واعتراف عائلته بأنهم جزء من النظام الفاسد، رمزا للقدرة على التحدّي في زمن الصمت والخوف.
حشد نظام السيسي لجولات السيسي عديدا أمنيا غير مسبوق، ولم يتمكّن من إيقافها، إلا بحملات
محظوظة مصر بمحمد علي، إذ إنه أطلق أحد أنجح المسلسلات الدرامية/ الكوميدية، أبرز فصوله فضح الركاكة غير المحتملة للإعلام المصري في الاستزلام للرئيس. أظهر مسلسل محمد علي هشاشة النخب المزعومة للإعلام المصري الذي تحوّل مجرد بوقٍ للتلميع، مستخدما أدواتٍ لم تعد تقنع أحدا، بما في ذلك جماهير التابعين والأبواق الصغيرة. محمد علي وأمثاله حاجة للعالم العربي ليس فقط مصر. أين الإعلام العربي من قضايا الفساد التي باتت المحرّك الأول للجماهير للنزول إلى الشارع؟ قد لا يكون المقاول الشاب خطط مسبقا للتحول إلى المسرّب الأبرز للفضائح في العالم العربي، وقد يكون دوره رسمته مسبقا أجهزة أمن في تناتش الأجهزة على السلطة. المهم أنه أضحكنا من الأعماق، وأظهر الحجم الحقيقي للحاكم. في بذاءة ألفاظه، نسمع صوت المصري الذي اعتاد ابتلاع شتائمه خوفا، وفي استعراضاته المسرحية موسما مقبلا للتنمّر بلا حدود، فلنتمرّد على بؤسنا بالضحك إلى أن يأتي التغيير.