04 نوفمبر 2024
عندما تتلاعب مؤسسات سبر الآراء في تونس
نصح الرئيس التونسي، الباجي السبسي، في خطاب تهنئته الشعب بحلول شهر رمضان المعظم، السياسيين، بألا يأخذوا على محمل الجد ما تنشره مؤسسات سبر (استطلاع) الآراء. وذلك على بعد أيام من نتائج نشرتها أكبر مؤسستين في البلاد لسبر الآراء، بالتعاون مع صحيفتين يوميتين. وكانت نتائج متباينة، خصوصا فيما يتعلق بترتيب الأحزاب الكبرى والمرشحين لرئاسة الجمهورية. ولم يكن موقف الرئيس السبسي الوحيد في هذا الشأن، فقد عبّرت عدة أحزاب، منها حركة النهضة، عن استيائها الشديد مما نشر، متهمة أكبر مؤسسة بأنها تتلاعب بالرأي العام، ومنخرطة في أجنداتٍ انتخابيةٍ تعاديها، على الرغم من أن الحركة تربّعت، حسب نتائج هذه المؤسسة نفسها، في أعلى الترتيب، لكن نسبة الأصوات الممنوحة لها تراجعت، وتقلص الفارق بينها وبين خصومها.
عرفت تونس، بعد الثورة في عام 2011، ازدهارا لافتا لسبر الآراء، حتى أصبح من اهتمام الرأي العام، يغذّي وسائل الإعلام والنقاشات التي تؤثث برامجها المختلفة. كما غدت تعني أيضا الأحزاب والشخصيات العامة في مناصب عليا، أو لها حضور في الشأن العام، وتروّج معلوماتٍ غير مؤكدة، مفادها بأن بعضها يلجأ إليها لإجراء سبر آراء لفائدتها، أي تحت الطلب. وتضيف "ألسنٌ خبيثةٌ" أن بعض هذه المؤسسات عدّل النتائج، لفائدة أحزابٍ دفعت له مالا. لا شيء يثبت هذه الاتهامات، ولكن شكوكا كثيرة تعاظمت، خصوصا مع اختلاف نتائج استطلاعات الرأي، من مؤسسةٍ إلى أخرى، ونتيجة غياب الشفافية وحوكمة قطاع سبر الآراء، إذ ما زال هذا العمل، بوصفه مهنة ونشاطا، غير خاضع لقانون، على الرغم من مطالباتٍ بإخضاعه إلى قوانين وشروط، فالتقنين أحد الضمانات الممكنة لمنع الانفلات والتحيز. ولذلك طالبت حركة النهضة وغيرها بضرورة احترام معايير الموضوعية والمهنية. ولعل مطلب إيجاد ميثاق شرف يعد ملحّا، فضلا عن أن من شأن نشر المنهجية المتبعة في سبر الآراء تلك أن يبدّد الشكوك، ويعيد بناء الثقة مع تلك الاستطلاعات.
لنتذكّر أن جل مؤسسات سبر الآراء قادمة من مجال التسويق والإشهار، ولقد اشتغلت سنواتٍ
عديدة في هذا المجال، وراكمت خبرتها ورأسمالها على هذا الأساس، وتحوّلت فيما بعد إلى مؤسساتٍ منتجةٍ لسبر الآراء السياسية، ولا أعتقد أنها دخلت في استثمار مجالٍ غير مربح، غير أن الأمر على غايةٍ من الخطورة، حين تتخلى هذه الشركات عن أخلاقيات المهنة، وتتلاعب بالأرقام لمن يدفع أكثر، أو لمن ينسجم مع أطروحاتها وتوجهاتها. آنذاك ستتلاعب بالرأي العام، وتسعى جاهدة إلى توجيهه، وذلك عين إفساد الديموقراطية وتشويهها.
انتشرت مئات الشركات الهاوية والمحترفة، الجديدة والقديمة، الوطنية والأجنبية، ودخلت في سباق تنافسي شرس، لم يخلُ أحيانا من مشاحناتٍ وضرباتٍ موجعة، واعتمدت على نشر نتائجها الدورية دوما في الصحف، وتشكلت تحالفات بينها، وغدت تتنافس في تقديم النتائج الأدق. وقد شكل هذا ممارسة ديموقراطية جديدة، بقطع النظر عن سلامتها ودقتها، فهي من أشكال حرية البحث والنشر، ومن ثقافة السياسة الديموقراطية التي يُفترض أن تمنح للقارئ قراءة علمية ودقيقة للرأي العام، ومواقفه وتقييمه للأحزاب والشخصيات السياسية، فضلا عن توجهات الرأي العام في مسائل سياسية عامة.
وحين شهدت تونس أربعة مواسم انتخابية بعد الثورة، كانت تلك المؤسسات قد مرّت باختبار عسير، لمعرفة صدق توقعاتها في مسألة الأحزاب الفائزة، والشخصيات الصاعدة والنازلة في سوق الوفرة السياسية، إذ عرفت البلاد نحو مائتي حزب ومئات "الزعماء" والقيادات الحزبية الذين وُلدوا من شرعياتٍ مختلفة، نضالية سجنة، الأداء، المال والنفوذ، الإعلام والدعاية، وأيضا شرعية الرداءة والصراخ.
ينظر بعضُهم إلى مؤسسات استطلاع الرأي أن القائمين عليها منجّمون في السياسة الحديثة.
يتوقعون وينصحون، ويشيعون فألا لدى بعضهم، وشؤما لدى آخرين، فيما هذه المؤسسات في الأصل ليست كذلك، فلو أنها اكتفت بأداء مهامها ضمن مواثيق أخلاقية وأدبية، لكانت مرآة صادقة لتصورات التونسيين ونياتهم.
كل مرة، تثير النتائج التي تنشرها مؤسسات سبر الآراء موجةً من ردود الأفعال المتباينة، إذ تجد استحسانا لدى بعضهم، حين تتصدّر نيات التصويت، وتحوز رضا المستجوبين، وتصب عليها تلك الأحزاب والشخصيات نفسها غضبها، حين تتذيل الترتيب، وتبدو موضوع استياء للمستجوبين. وكان على حزب النهضة، وغيره من الأحزاب التي انتقدت النتائج المعلنة أخيرا، أن تجعل من أولويات العهدة التشريعية الحالية لمجلس نواب الشعب المصادقة على القانون المتعلق بمؤسسات سبر الآراء لتنظيم هذا القطاع وحوكمته، حتى لا يتلاعب بالرأي العام، على الرغم من أن الدراسات الجادة تؤكد أن مؤسسات سبر الآراء، مهما كانت دقّتها وتأثيرها لا تصنع الحقيقة الانتخابية التي تشكلها السياقات والقناعات والمناخات وملامح الأشخاص وبرامجهم في عرض انتخابي، يتسم بالوفرة في القوائم، والتشابه إلى حد التماثل في المضمون.
عرفت تونس، بعد الثورة في عام 2011، ازدهارا لافتا لسبر الآراء، حتى أصبح من اهتمام الرأي العام، يغذّي وسائل الإعلام والنقاشات التي تؤثث برامجها المختلفة. كما غدت تعني أيضا الأحزاب والشخصيات العامة في مناصب عليا، أو لها حضور في الشأن العام، وتروّج معلوماتٍ غير مؤكدة، مفادها بأن بعضها يلجأ إليها لإجراء سبر آراء لفائدتها، أي تحت الطلب. وتضيف "ألسنٌ خبيثةٌ" أن بعض هذه المؤسسات عدّل النتائج، لفائدة أحزابٍ دفعت له مالا. لا شيء يثبت هذه الاتهامات، ولكن شكوكا كثيرة تعاظمت، خصوصا مع اختلاف نتائج استطلاعات الرأي، من مؤسسةٍ إلى أخرى، ونتيجة غياب الشفافية وحوكمة قطاع سبر الآراء، إذ ما زال هذا العمل، بوصفه مهنة ونشاطا، غير خاضع لقانون، على الرغم من مطالباتٍ بإخضاعه إلى قوانين وشروط، فالتقنين أحد الضمانات الممكنة لمنع الانفلات والتحيز. ولذلك طالبت حركة النهضة وغيرها بضرورة احترام معايير الموضوعية والمهنية. ولعل مطلب إيجاد ميثاق شرف يعد ملحّا، فضلا عن أن من شأن نشر المنهجية المتبعة في سبر الآراء تلك أن يبدّد الشكوك، ويعيد بناء الثقة مع تلك الاستطلاعات.
لنتذكّر أن جل مؤسسات سبر الآراء قادمة من مجال التسويق والإشهار، ولقد اشتغلت سنواتٍ
انتشرت مئات الشركات الهاوية والمحترفة، الجديدة والقديمة، الوطنية والأجنبية، ودخلت في سباق تنافسي شرس، لم يخلُ أحيانا من مشاحناتٍ وضرباتٍ موجعة، واعتمدت على نشر نتائجها الدورية دوما في الصحف، وتشكلت تحالفات بينها، وغدت تتنافس في تقديم النتائج الأدق. وقد شكل هذا ممارسة ديموقراطية جديدة، بقطع النظر عن سلامتها ودقتها، فهي من أشكال حرية البحث والنشر، ومن ثقافة السياسة الديموقراطية التي يُفترض أن تمنح للقارئ قراءة علمية ودقيقة للرأي العام، ومواقفه وتقييمه للأحزاب والشخصيات السياسية، فضلا عن توجهات الرأي العام في مسائل سياسية عامة.
وحين شهدت تونس أربعة مواسم انتخابية بعد الثورة، كانت تلك المؤسسات قد مرّت باختبار عسير، لمعرفة صدق توقعاتها في مسألة الأحزاب الفائزة، والشخصيات الصاعدة والنازلة في سوق الوفرة السياسية، إذ عرفت البلاد نحو مائتي حزب ومئات "الزعماء" والقيادات الحزبية الذين وُلدوا من شرعياتٍ مختلفة، نضالية سجنة، الأداء، المال والنفوذ، الإعلام والدعاية، وأيضا شرعية الرداءة والصراخ.
ينظر بعضُهم إلى مؤسسات استطلاع الرأي أن القائمين عليها منجّمون في السياسة الحديثة.
كل مرة، تثير النتائج التي تنشرها مؤسسات سبر الآراء موجةً من ردود الأفعال المتباينة، إذ تجد استحسانا لدى بعضهم، حين تتصدّر نيات التصويت، وتحوز رضا المستجوبين، وتصب عليها تلك الأحزاب والشخصيات نفسها غضبها، حين تتذيل الترتيب، وتبدو موضوع استياء للمستجوبين. وكان على حزب النهضة، وغيره من الأحزاب التي انتقدت النتائج المعلنة أخيرا، أن تجعل من أولويات العهدة التشريعية الحالية لمجلس نواب الشعب المصادقة على القانون المتعلق بمؤسسات سبر الآراء لتنظيم هذا القطاع وحوكمته، حتى لا يتلاعب بالرأي العام، على الرغم من أن الدراسات الجادة تؤكد أن مؤسسات سبر الآراء، مهما كانت دقّتها وتأثيرها لا تصنع الحقيقة الانتخابية التي تشكلها السياقات والقناعات والمناخات وملامح الأشخاص وبرامجهم في عرض انتخابي، يتسم بالوفرة في القوائم، والتشابه إلى حد التماثل في المضمون.