04 نوفمبر 2024
فائز السراج والرهان المغاربي
زار رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج تونس والجزائر، وقد يزور المغرب في الأيام القليلة المقبلة. بعيداً عن التصريحات الإعلامية التي تعيد خطاباً بروتوكولياً يؤكد "أهمية التشاور في هذا الظرف الدقيق"، يبدو الأمر أعمق مما يذكر عادة. لا نحتاج لمعرفة تفاصيل ما يحدث في الكواليس، حتى ندرك أهمية هذه الزيارات وتعددها في فترة وجيزة. دبلوماسياً، تحولت تونس إلى ما يشبه القاعدة السياسية التي تطبخ فيها مآلات الشأن الليبي، فمند اندلاع الثورة الليبية إلى وقت طويل، ظلت الحديقة الخلفية للتفاوض السياسي الذي على ضوئه تعدل المواقف الإقليمية والدولية. تحتضن تونس جل الفرقاء السياسيين الليبيين، وبعض الزعامات القبلية، ناهيك عن بعثاتٍ ديبلوماسيةٍ، لأسباب أو لأخرى، خيّرت أن تتابع الأمر من عاصمتها جيداً، غير أن تطورات متسارعة سحبت هذا الدور لفائدة مراكز أخرى، فقد تم التوجه إلى المغرب والجزائر لاحقاً، لتوقيع اتفاقياتٍ ظلت للأسف حبراً على ورق، وهو مصير إعلانات باريس وعواصم عربية، وتحديداً أبوظبي التي زارها السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر مراتٍ، والتي أصبحت تقود محوراً نافذاً في القرار الليبي، بعد أن اصطفت مع السعودية ومصر وراء حفتر.
فقدت تونس تدريجياً هذا الدور الذي كانت تؤدي فيه وسيطاً ييسّر اللقاءات بين الفرقاء الليبيين، لفائدة عواصم أخرى مغاربية وعربية، خصوصاً أن حفتر صار يتهمها بأنها تقف وراء غريمه السراج. والحقيقة خلاف ذلك، فالجنرال المتقاعد صنف تونس في تصريحات عديدة "عدوة ليبيا"، حتى قبل اندلاع حرب طرابلس الحالية. ولا يعود الأمر إلى مبادرات تونسية أضرّت بليبيا، أو تآمرت عليها كما يدّعي، وهي التي آوت ملايين الهاربين من النزاعات الدامية، باعتبارهم أشقاء وجيراناً، كما لم تبخل عليهم بما استطاعت، من أجل تجاوز محنةٍ طالت. ولكن يبدو أن حفتر غير راضٍ تماماً على وجود حركة النهضة في المشهد السياسي التونسي، وفي هذا يتطابق تماماً مع موقف دول في الخليج ترى في "النهضة" سبب البلايا التي حلّت
بالعالم العربي، لأنها قدمت نموذجاً لإسلام سياسي يحكم، ولو مع غيره، من خلال صناديق الاقتراع، وهو نموذج لا يقبل به حفتر وداعموه.
لا تنظر تونس في ضوء التطورات الحاصلة بعين الرضا لما يقع في طرابلس تحديداً. ومن الحمق اعتبار انتصار حفتر عامل استقرار إقليمياً، فطبيعة الرجل وتراثه العسكري المغامر، ومواقفه المعلنة الرعناء، جعلت السلطات التونسية لا تتحمّس للقائه. وقد يكون هو أيضاً غير راغب في ذلك. كانت تونس تراهن كثيراً على الموقف الجزائري الذي سيكون لها سنداً أدبياً ومعنوياً في الإفصاح عن موقفها السياسي، الداعم للشرعية الدولية، أي الاعتراف بحكومة السراج ودعوة "جميع الفرقاء الليبيين إلى الحوار ونبذ العنف"، غير أن اندلاع الحراك السياسي في الجزائر خذل هذا التعويل. ومع ذلك، لم يتلعثم الموقف السياسي وظل ثابتاً، ولم يصدر أي ترحيبٍ بحفتر، أو مباركة لما أقدم عليه قبل شهر، حين بدأت قوات تابعة له محاولة السيطرة على طرابلس.
قد تكون من المرات النادرة التي تتحد فيها عواصم المغرب العربي على موقفٍ متحفظ مما أقدم عليه حفتر، فالجزائر الرسمية والشعبية اعتبرت أن فعلة الأخير طعنةً في الخاصرة الجزائرية، وهو الذي استغل ما يدور فيها وانشغال النخبة الحاكمة، وتحديداً المؤسسة العسكرية بالحراك، ليتمدد على حدودها الجنوبية الشرقية، ويصبح لاعباً إقليمياً ينفذ أجندات عواصم عربية، لا تنظر إليها الجزائر بالرضا، وهي التي كانت تعتقد أن لا منافس لها على أمن المنطقة سوى جارتها المغرب. فوجئت الجزائر بميلاد مشاكس مغامر، يتدرب على أداء أدوارٍ تُملى عليه من الخارج، في فضائها الجيوسياسي الحيوي.
أما المغرب، فإنه وبعد فشل مساعي مخرجات مؤتمر الصخيرات، وفقدانه دوره المحوري في حلحلة الأزمة. وبعد فتور علاقته مع الإمارات تحديداً، فقد يكون قرّر إعادة صياغة موقفه هذا، حتى بدا أكثر انسجاماً مع موقف حكومة السراج. لهذا تجد تونس نفسها في انسجام كبير مع
جارتيْها، الجزائر والمغرب، وهو ما يعزّز الموقف التونسي.
في مجال العلاقات الدولية، لا شيء ثابتاً ونهائياً، والكل متحرّك بما فيها المواقف والتحالفات، وذلك ما تسعى تونس إلى أخذه بالاعتبار، حتى لا تتورّط في موقف أكثر من اللازم، وتترك بذلك مجالاً للمناورة، وخصوصاً في ظل موقف فرنسا الداعم لحفتر. وقد تكون زيارة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، باريس قريباً قد حملت الى السلطات التونسية إشارات مهمة لكيفية تقييم باريس التطورات الأخيرة، وهي التي استقبلت أيضاً حفتر والسراج.
ربما فقدت عواصم المغرب العربي الثلاث، الرباط وتونس والجزائر، التأثير على ما يجري حالياً في ليبيا، وخصوصاً قد أصبحت أوراق التدخل الإقليمي تلعب "بالمكشوف". ولكن يبدو أيضاً أن أي قرارٍ سيتخد في اتجاه هذا السيناريو أو ذاك سيأخذ في الحسبان بدوره عاملاً مهماً، وهو مدى استعداد تقبل أي سيناريو ليبي محتمل من جيرانه. لن تذهب فرنسا والولايات المتحدة الأميركية بعيداً في مواقفهما الداعمة للجنرال حفتر، إذا ما تبيّن لهما أنه سيصبح عاملاً لمزيد التوتر في كامل المنطقة. محاربة الإرهاب التي يسوّق حفتر بها لنفسه عامل مهم، حتى ولو سلمنا بصدقه. ولكنه ليس الوحيد المحدّد في مقبوليته، وخصوصاً في ظل متغير داخلي بدأت ملامحه تتضح، وهو رفضه في مناطق عديدة ليبية، ليست محصورة في المنطقة الغربية، كما يدّعي بعضهم. وما عجزه عن اقتحام طرابلس إلا دليل على ذلك. الرمال الليبية متحرّكة، ولكنها لا تقل تحرّكاً عن أقدام عديدة للاعبين دوليين وإقليميين متوترين، أو مستعجلين، ما يجعل الحل أكثر تعقيداً.
لا تنظر تونس في ضوء التطورات الحاصلة بعين الرضا لما يقع في طرابلس تحديداً. ومن الحمق اعتبار انتصار حفتر عامل استقرار إقليمياً، فطبيعة الرجل وتراثه العسكري المغامر، ومواقفه المعلنة الرعناء، جعلت السلطات التونسية لا تتحمّس للقائه. وقد يكون هو أيضاً غير راغب في ذلك. كانت تونس تراهن كثيراً على الموقف الجزائري الذي سيكون لها سنداً أدبياً ومعنوياً في الإفصاح عن موقفها السياسي، الداعم للشرعية الدولية، أي الاعتراف بحكومة السراج ودعوة "جميع الفرقاء الليبيين إلى الحوار ونبذ العنف"، غير أن اندلاع الحراك السياسي في الجزائر خذل هذا التعويل. ومع ذلك، لم يتلعثم الموقف السياسي وظل ثابتاً، ولم يصدر أي ترحيبٍ بحفتر، أو مباركة لما أقدم عليه قبل شهر، حين بدأت قوات تابعة له محاولة السيطرة على طرابلس.
قد تكون من المرات النادرة التي تتحد فيها عواصم المغرب العربي على موقفٍ متحفظ مما أقدم عليه حفتر، فالجزائر الرسمية والشعبية اعتبرت أن فعلة الأخير طعنةً في الخاصرة الجزائرية، وهو الذي استغل ما يدور فيها وانشغال النخبة الحاكمة، وتحديداً المؤسسة العسكرية بالحراك، ليتمدد على حدودها الجنوبية الشرقية، ويصبح لاعباً إقليمياً ينفذ أجندات عواصم عربية، لا تنظر إليها الجزائر بالرضا، وهي التي كانت تعتقد أن لا منافس لها على أمن المنطقة سوى جارتها المغرب. فوجئت الجزائر بميلاد مشاكس مغامر، يتدرب على أداء أدوارٍ تُملى عليه من الخارج، في فضائها الجيوسياسي الحيوي.
أما المغرب، فإنه وبعد فشل مساعي مخرجات مؤتمر الصخيرات، وفقدانه دوره المحوري في حلحلة الأزمة. وبعد فتور علاقته مع الإمارات تحديداً، فقد يكون قرّر إعادة صياغة موقفه هذا، حتى بدا أكثر انسجاماً مع موقف حكومة السراج. لهذا تجد تونس نفسها في انسجام كبير مع
في مجال العلاقات الدولية، لا شيء ثابتاً ونهائياً، والكل متحرّك بما فيها المواقف والتحالفات، وذلك ما تسعى تونس إلى أخذه بالاعتبار، حتى لا تتورّط في موقف أكثر من اللازم، وتترك بذلك مجالاً للمناورة، وخصوصاً في ظل موقف فرنسا الداعم لحفتر. وقد تكون زيارة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، باريس قريباً قد حملت الى السلطات التونسية إشارات مهمة لكيفية تقييم باريس التطورات الأخيرة، وهي التي استقبلت أيضاً حفتر والسراج.
ربما فقدت عواصم المغرب العربي الثلاث، الرباط وتونس والجزائر، التأثير على ما يجري حالياً في ليبيا، وخصوصاً قد أصبحت أوراق التدخل الإقليمي تلعب "بالمكشوف". ولكن يبدو أيضاً أن أي قرارٍ سيتخد في اتجاه هذا السيناريو أو ذاك سيأخذ في الحسبان بدوره عاملاً مهماً، وهو مدى استعداد تقبل أي سيناريو ليبي محتمل من جيرانه. لن تذهب فرنسا والولايات المتحدة الأميركية بعيداً في مواقفهما الداعمة للجنرال حفتر، إذا ما تبيّن لهما أنه سيصبح عاملاً لمزيد التوتر في كامل المنطقة. محاربة الإرهاب التي يسوّق حفتر بها لنفسه عامل مهم، حتى ولو سلمنا بصدقه. ولكنه ليس الوحيد المحدّد في مقبوليته، وخصوصاً في ظل متغير داخلي بدأت ملامحه تتضح، وهو رفضه في مناطق عديدة ليبية، ليست محصورة في المنطقة الغربية، كما يدّعي بعضهم. وما عجزه عن اقتحام طرابلس إلا دليل على ذلك. الرمال الليبية متحرّكة، ولكنها لا تقل تحرّكاً عن أقدام عديدة للاعبين دوليين وإقليميين متوترين، أو مستعجلين، ما يجعل الحل أكثر تعقيداً.