05 نوفمبر 2024
مليشيات العراق.. وحش ربّته أميركا
كلما ارتفعت وتيرة التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، وجد صدىً له في العراق، البلد الذي تعتبره إيران المكان الأنسب للرد على الولايات المتحدة إزاء أي تصعيد أميركي، فعلى مدى 16 عاماً استثمرت إيران في هذا البلد الكثير، وبات ليس فقط حديقتها الخلفية للتهرّب من العقوبات الاقتصادية الأميركية، وإنما أيضاً من أهم أوراق الضغط التي تمارسها إيران تجاه أي تحرّك أميركي ضدها.
للولايات المتحدة وجود عسكري واضح وكبير في العراق، فعلى الأقل هناك خمس قواعد جوية في الغرب والشمال، ناهيك عن الوجود التجاري والاقتصادي، المتمثل بكبريات الشركات النفطية الأميركية التي تعمل في حقول نفطية عراقية في الجنوب والشمال. بات هذا الوجود اليوم بحكم الرهينة بيد إيران التي تمتلك في العراق ما لا تمتلكه في غيره من مناطق النفوذ الإيراني، فهي تمتلك مليشيات مدربة وممولة إيرانياً، ينضوي كثير منها تحت لواء الحشد الشعبي الذي بات، بالقانون، مؤسسة شبه عسكرية رسمية. ولإيران وجود سياسي كبير، يتمثل في أحزابٍ عديدة تهيمن على مقاليد الأمور في العراق، وهي أحزابٌ لا ترى إلا ما تراه إيران، فهي ناهيك عن الدعم الذي حصلت عليه من إيران قبل احتلال العراق، تدين أيضاً بالولاء الطائفي والعقدي للنظام الإيراني.
كانت الحوادث في بغداد ومدن عراقية أخرى أخيرا مؤشراً على قدرة إيران في تحريك مليشياتها في العراق، لإرباك الولايات المتحدة، فقد تم استهداف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء بصاروخ كاتيوشا، كما تم استهداف شركات أجنبية في البصرة، ناهيك عن تهديداتٍ
للمتعاقدين الأميركيين والمدرّبين في قاعدة بلد الجوية شمال بغداد التي قيل إن واشنطن قامت بإجلائهم على أثرها، قبل أن تنفي الإدارة الأميركية حصول ذلك لاحقاً.
كيف تمكّنت إيران من بناء كل هذه المليشيات، وامتد نفوذها ليشمل كل الجوانب، السياسية والاقتصادية والإعلامية، ناهيك عن العسكرية، علما أن من احتل العراق، أو هكذا يفترض، الولايات المتحدة وليس إيران؟ عندما جاءت الولايات المتحدة لاحتلال العراق، ومعها دعم عربي، وتحديداً خليجي، لإسقاط النظام الذي كانوا يعتبرونه مهدّداً لهم، توقف الدور العربي والخليجي على تقديم المال والدعم الإعلامي لواحدة من أكبر الكوارث التي حلت بالمنطقة والعالم، احتلال العراق، وأذعنت دول، عربية وخليجية، لما طلبته منهم أميركا، وهو عدم التدخل في العراق، بعد أن وعدتهم بأنها ستكون الضامنة لعدم التدخل الإيراني، كما قال مسؤول خليجي كبير في مقابلةٍ مع صحيفة أميركية قبل سنوات.
ما جرى خلاف تلك الوعود الأميركية، فقد سمحت الولايات المتحدة لإيران بالتدخل، بل استعانت بها، في مراحل كثيرة، أعقبت إسقاط النظام العراقي السابق واحتلال البلد، لعل من أبرزها ما عرف بملف المقاومة العراقية، والتي كانت ذات لون طائفي معين لسنوات، بعد أن تكفل بها العرب السنة، وكلما كانت الولايات المتحدة تتكبّد مزيدا من الخسائر على يد المقاومة، كانت الاستعانة الأميركية بمليشيات إيران أكبر.
وقد نشأت المليشيات المدعومة من إيران تحت أعين الولايات المتحدة وعلى سمعها، فهي التي مهّدت لها الطريق. وكانت تلك القوات المحتلة تغض الطرف عن ممارسات المليشيات الطائفية بحق أهل بغداد، وكثيراً ما كانت تتم عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية على مرأى القوات الأميركية التي كانت ترفض التدخل ومسمعها، ولا ترى في ذلك خطراً يهدّدها، وخصوصا أن المليشيات المدعومة من إيران كانت معنيةً بمعاركها الخاصة وأجنداتها التي ليس منها مقاومة المحتل.
وهنا يُشار إلى تفجيرات سامراء في 22 فبراير/شباط 2006، وضربت مرقد الإمام علي الهادي. يومها، أخلت القوات الأميركية بغداد ثلاثة أيام أمام المليشيات، ولم يلحظ أي تحرّك لها، فتركت المليشيات المدعومة من إيران تعيث فسادا وقتلاً وحرقاً بآلافٍ من المدنيين من
سكان بغداد. يومها كان صوت الشيخ عدنان الدليمي، رحمه الله، رئيس ديوان الوقف السني حينها، يملأ الفضائيات، مطالباً بفرض حظر للتجول لمنع مزيد من القتل والتدمير الذي مارسته تلك المليشيات أياما، ولكن هيهات، فقد وجدت الولايات المتحدة ضالتها في هذه المليشيات، لتكفيها قتال المقاومة العراقية التي جرّعتها السم سنوات.
وبعد الانسحاب الأميركي من العراق نهاية 2010 وبداية 2011، لم تجد إيران أي صعوبة في ملء الفراغ، وهي التي دعمت الأحزاب ومليشياتها لتقود البلاد عبر عملية سياسية عرجاء، أنتجت التطرّف المتمثل بتنظيماتٍ كثيرة، في مقدمتها "داعش" الذي كان سبباً آخر لتغلغل إيراني جديد، وأيضا مدعوم من الولايات المتحدة، إذ تم تشكيل الحشد الشعبي عام 2014 الذي ضم غالبية المليشيات المدعومة من إيران، والتي ذهبت، بحجة قتال "داعش"، إلى أقصى نقطة في شمال العراق وغربه، وهي التي كانت تحلم بتجاوز مناطق في شمال بغداد، وكانت الطائرات الأميركية توفر الدعم لها، ومعها أيضا قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، الذي تصنفه واشنطن على لائحة الإرهاب.
في المجمل، أميركا هي من وسّعت من نشاط إيران في العراق، وهي من سمحت لهذا البعبع أن يكبر، تارة حتى تضرب به المقاومة العراقية، وأخرى حتى يتحوّل العراق إلى مصدر تهديد لمنطقة الخليج العربي، كما إيران، لتواصل لعبتها المفضلة بـ"حلْب" مزيد من الأموال، بحجة حماية الخليج من الخطر الإيراني وأذرعه.
كانت الحوادث في بغداد ومدن عراقية أخرى أخيرا مؤشراً على قدرة إيران في تحريك مليشياتها في العراق، لإرباك الولايات المتحدة، فقد تم استهداف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء بصاروخ كاتيوشا، كما تم استهداف شركات أجنبية في البصرة، ناهيك عن تهديداتٍ
كيف تمكّنت إيران من بناء كل هذه المليشيات، وامتد نفوذها ليشمل كل الجوانب، السياسية والاقتصادية والإعلامية، ناهيك عن العسكرية، علما أن من احتل العراق، أو هكذا يفترض، الولايات المتحدة وليس إيران؟ عندما جاءت الولايات المتحدة لاحتلال العراق، ومعها دعم عربي، وتحديداً خليجي، لإسقاط النظام الذي كانوا يعتبرونه مهدّداً لهم، توقف الدور العربي والخليجي على تقديم المال والدعم الإعلامي لواحدة من أكبر الكوارث التي حلت بالمنطقة والعالم، احتلال العراق، وأذعنت دول، عربية وخليجية، لما طلبته منهم أميركا، وهو عدم التدخل في العراق، بعد أن وعدتهم بأنها ستكون الضامنة لعدم التدخل الإيراني، كما قال مسؤول خليجي كبير في مقابلةٍ مع صحيفة أميركية قبل سنوات.
ما جرى خلاف تلك الوعود الأميركية، فقد سمحت الولايات المتحدة لإيران بالتدخل، بل استعانت بها، في مراحل كثيرة، أعقبت إسقاط النظام العراقي السابق واحتلال البلد، لعل من أبرزها ما عرف بملف المقاومة العراقية، والتي كانت ذات لون طائفي معين لسنوات، بعد أن تكفل بها العرب السنة، وكلما كانت الولايات المتحدة تتكبّد مزيدا من الخسائر على يد المقاومة، كانت الاستعانة الأميركية بمليشيات إيران أكبر.
وقد نشأت المليشيات المدعومة من إيران تحت أعين الولايات المتحدة وعلى سمعها، فهي التي مهّدت لها الطريق. وكانت تلك القوات المحتلة تغض الطرف عن ممارسات المليشيات الطائفية بحق أهل بغداد، وكثيراً ما كانت تتم عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية على مرأى القوات الأميركية التي كانت ترفض التدخل ومسمعها، ولا ترى في ذلك خطراً يهدّدها، وخصوصا أن المليشيات المدعومة من إيران كانت معنيةً بمعاركها الخاصة وأجنداتها التي ليس منها مقاومة المحتل.
وهنا يُشار إلى تفجيرات سامراء في 22 فبراير/شباط 2006، وضربت مرقد الإمام علي الهادي. يومها، أخلت القوات الأميركية بغداد ثلاثة أيام أمام المليشيات، ولم يلحظ أي تحرّك لها، فتركت المليشيات المدعومة من إيران تعيث فسادا وقتلاً وحرقاً بآلافٍ من المدنيين من
وبعد الانسحاب الأميركي من العراق نهاية 2010 وبداية 2011، لم تجد إيران أي صعوبة في ملء الفراغ، وهي التي دعمت الأحزاب ومليشياتها لتقود البلاد عبر عملية سياسية عرجاء، أنتجت التطرّف المتمثل بتنظيماتٍ كثيرة، في مقدمتها "داعش" الذي كان سبباً آخر لتغلغل إيراني جديد، وأيضا مدعوم من الولايات المتحدة، إذ تم تشكيل الحشد الشعبي عام 2014 الذي ضم غالبية المليشيات المدعومة من إيران، والتي ذهبت، بحجة قتال "داعش"، إلى أقصى نقطة في شمال العراق وغربه، وهي التي كانت تحلم بتجاوز مناطق في شمال بغداد، وكانت الطائرات الأميركية توفر الدعم لها، ومعها أيضا قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، الذي تصنفه واشنطن على لائحة الإرهاب.
في المجمل، أميركا هي من وسّعت من نشاط إيران في العراق، وهي من سمحت لهذا البعبع أن يكبر، تارة حتى تضرب به المقاومة العراقية، وأخرى حتى يتحوّل العراق إلى مصدر تهديد لمنطقة الخليج العربي، كما إيران، لتواصل لعبتها المفضلة بـ"حلْب" مزيد من الأموال، بحجة حماية الخليج من الخطر الإيراني وأذرعه.