05 نوفمبر 2024
حديث السجون في العراق
في ظل زخم الأخبار التي تتوالى كل ساعة، ووسط موج عاتٍ من التهديدات والتهديدات المضادة بين أميركا وإيران، وجعجعة بلا طحين، اعتدنا عليها منذ أربعين عاماً، فإن خبر اكتظاظ السجون العراقية الذي تضمنه تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، مر مرور الكرام، ولم يلامس لا شغاف قلوب المتابعين، ولا حتى مسامعهم، بعد أن أحجمت فضائياتٌ كثيرة منشغلة بنقل حرب التصريحات والتغريدات الإيرانية الأميركية، عن إذاعته.
تأتي المنظمة على اكتظاظ بشري هائل في سجون الموصل شمال العراق، ما بين سجون للرجال تضاعفت طاقتها الاستيعابية، وأخرى للنساء والأطفال، ممن يطلق عليهم عوائل "داعش"، من دون أن يكون هناك حتى المستندات القانونية لاحتجاز كثيرين منهم. الصور بشعة، وغاية في امتهان كرامة الإنسان، فهي تدل من جديد على أن حكومة بغداد تمارس أبشع حالات انتهاك حقوق الإنسان، وهي التي لم ترعوِ يوماً لما تكتبه منظمات حقوق الإنسان العالمية، شأن أي نظام مستبد في العالم، تعلّم على الإفلات من العقبات والتبعات.
تقول لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في "هيومن رايتس ووتش" إن الحكومة العراقية تحتاج بشدة إلى إعادة بناء مراكز الاحتجاز وإعادة تأهيلها. وإنه "ينبغي للعراق إبقاء المحتجزين في مكانٍ لائق، بما يتماشى مع المعايير الدولية". ولكن هيهات، فالسيدة لما لا تعلم، أو ربما تعلم، أن هناك كوارث إنسانية تنتهك بحق الإنسان العراقي، وإن هناك آلافا من
المحتجزين والمغيبين الآخرين لا أحد يعرف شيئا عنهم، أو يمكن له أن يصل حتى إلى أماكن احتجازهم. ويجري ذلك كله في ظل صمت وتواطؤ مريب من السلطات الثلاث في العراق، وخصوصا السلطة التنفيذية التي يبدو أنها تقف عاجزةً، إن لم تكن متواطئة مع جرائم التغييب القسري والاختطاف التي مارستها، وما زالت تمارسها، مليشيات منفلتة، يستخدم بعضها زي الدولة العراقية وآلياتها.
حالة حقوق الإنسان في العراق كارثية بكل معنى الكلمة، وليس المراد هنا الإسهاب في أمرها، ولا التذكير بكل جوانبها، وإنما التركيز على الأبرياء الذين تغص بهم السجون على امتداد خريطة العراق، ولا ذنب لهم سوى أنهم ضحايا في ظل نظام دولةٍ لا تعترف بالضعيف، ومن ليس له حزب، أو مليشيا، أو قوة سياسية تسانده وتدافع عنه، أو من ليس له مال يدفعه إلى سماسرة السجون، وما أكثرهم في عراق اليوم.
ولعلك، عزيزي القارئ، لم تسمع بما يجري من انتزاع للاعترافات، تحت سياط التعذيب، فتلك طامة أخرى، يتعرض لها مئات العراقيين، بل ربما لم تسمع بأن سجون العراق فيها من الأبرياء ممن صدرت بحقهم أحكام بالبراءة أكثر من المتهمين، ولكنهم خلف القضبان، وبعضهم
يموت في سجنه بسبب التعذيب أو بسبب الاكتظاظ وسوء الأحوال التي يعاني منها السجناء في برد الشتاء القارس، أو حر الصيف اللاهب.
الكارثة أن لا أحد في العراق، أو خارجه، يطالب بوقف هذه الانتهاكات المروّعة، فساسة العراق، وخصوصا الذين تصدروا المشهد في الانتخابات أخيرا، وممن ساروا بين الناس مقدّمين الوعد تلو الوعد بأنهم سيعملون من أجل الإفراج عن الأبرياء، ويعيدون المغيبين، نسوا وتناسوا تلك الشعارات، وانخرطوا في لعبة المصالح الشخصية والحزبية الضيقة، ما حدا بنشطاء عديدين إلى التواصل الاجتماعي، لإطلاق الحملة تلو الحملة، لمساءلة أولئك الساسة عن وعودهم التي تبخّرت، بعد أن جلسوا تحت قبة برلمان المصالح الشخصية والحزبية.
يحتاج العراق اليوم إلى تدخل وضغط من المجتمع الدولي، من أجل الإفراج أولاً عن آلاف ممن ثبتت براءتهم، وما زالوا في السجون، وأيضا الضغط على حكومة عادل عبد المهدي، لتحسين ظروف اعتقال السجناء واحتجازهم، وثالثاً الضغط على حكومة المنطقة الخضراء، من أجل الإسراع بكشف مصير آلاف ممن تم اختطافهم وتغييبهم على يد مليشيات مسلحة، مدعومة من إيران، إبان المعركة ضد تنظيم داعش.
لا يمكن لمن يريد أن يحارب الإرهاب أن يحاربه بسيف الظلم والتغييب والتهجير والتنكيل، لأنها أسبابٌ تعجّل عودة الإرهاب، وتفتح الباب واسعاً أمام جيل آخر من المتطرّفين، حينها لا ينفع الندم واللوم والعتاب، ومحاولة البحث عن الأسباب.
تقول لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في "هيومن رايتس ووتش" إن الحكومة العراقية تحتاج بشدة إلى إعادة بناء مراكز الاحتجاز وإعادة تأهيلها. وإنه "ينبغي للعراق إبقاء المحتجزين في مكانٍ لائق، بما يتماشى مع المعايير الدولية". ولكن هيهات، فالسيدة لما لا تعلم، أو ربما تعلم، أن هناك كوارث إنسانية تنتهك بحق الإنسان العراقي، وإن هناك آلافا من
تخبرك السجون في العراق عن واقع مؤلم، تعانيه وتعيشه آلاف العوائل العراقية التي اعتقل أبناؤها لتهمة أو من دون تهمة، وما أكثرهم، فهذه العوائل، إذا ما أرادت أن تزور ابنها، فعليها أن تدفع رشاوى كبيرة، وإذا ما أرادت أن توكل محاميا، عليها أن تختار محامياً يتبع، بطريقة أو بأخرى، إحدى فصائل المليشيات المسلحة. وهذا المحامي غالبا ما يطلب مبالغ طائلة، تعجز عن سدادها أغلب العوائل العراقية المنكوبة. وطبعاً لدى هؤلاء المحامين القدرة على تخليص متهمٍ، ثبتت إدانته، من حبل الإعدام، ولكن أولاً على عائلته أن تدفع مبالغ كبيرة، غالباً ما تتمكّن عوائل المجرمين من دفعها، بينما عوائل الأبرياء تعجز حتى عن سداد مبالغ بسيطة، يمكنها أن تشفع لهم برؤية ربما تكون أخيرة.
الأدهى والأمر من هذا وذاك أن عمليات الاعتقال تحوّلت في مناطق عديدة، وخصوصا ما يعرف بالمدن المحرّرة من "داعش"، إلى وسيلة ابتزاز يلجأ إليها ضباط في الجيش والشرطة، ليساوموا أهل الضحية، فلا يخرج إلا بعد أن تدفع عائلته مبلغاً يذهب إلى جيوب ضباط الشرطة والجيش. حالة حقوق الإنسان في العراق كارثية بكل معنى الكلمة، وليس المراد هنا الإسهاب في أمرها، ولا التذكير بكل جوانبها، وإنما التركيز على الأبرياء الذين تغص بهم السجون على امتداد خريطة العراق، ولا ذنب لهم سوى أنهم ضحايا في ظل نظام دولةٍ لا تعترف بالضعيف، ومن ليس له حزب، أو مليشيا، أو قوة سياسية تسانده وتدافع عنه، أو من ليس له مال يدفعه إلى سماسرة السجون، وما أكثرهم في عراق اليوم.
ولعلك، عزيزي القارئ، لم تسمع بما يجري من انتزاع للاعترافات، تحت سياط التعذيب، فتلك طامة أخرى، يتعرض لها مئات العراقيين، بل ربما لم تسمع بأن سجون العراق فيها من الأبرياء ممن صدرت بحقهم أحكام بالبراءة أكثر من المتهمين، ولكنهم خلف القضبان، وبعضهم
الكارثة أن لا أحد في العراق، أو خارجه، يطالب بوقف هذه الانتهاكات المروّعة، فساسة العراق، وخصوصا الذين تصدروا المشهد في الانتخابات أخيرا، وممن ساروا بين الناس مقدّمين الوعد تلو الوعد بأنهم سيعملون من أجل الإفراج عن الأبرياء، ويعيدون المغيبين، نسوا وتناسوا تلك الشعارات، وانخرطوا في لعبة المصالح الشخصية والحزبية الضيقة، ما حدا بنشطاء عديدين إلى التواصل الاجتماعي، لإطلاق الحملة تلو الحملة، لمساءلة أولئك الساسة عن وعودهم التي تبخّرت، بعد أن جلسوا تحت قبة برلمان المصالح الشخصية والحزبية.
يحتاج العراق اليوم إلى تدخل وضغط من المجتمع الدولي، من أجل الإفراج أولاً عن آلاف ممن ثبتت براءتهم، وما زالوا في السجون، وأيضا الضغط على حكومة عادل عبد المهدي، لتحسين ظروف اعتقال السجناء واحتجازهم، وثالثاً الضغط على حكومة المنطقة الخضراء، من أجل الإسراع بكشف مصير آلاف ممن تم اختطافهم وتغييبهم على يد مليشيات مسلحة، مدعومة من إيران، إبان المعركة ضد تنظيم داعش.
لا يمكن لمن يريد أن يحارب الإرهاب أن يحاربه بسيف الظلم والتغييب والتهجير والتنكيل، لأنها أسبابٌ تعجّل عودة الإرهاب، وتفتح الباب واسعاً أمام جيل آخر من المتطرّفين، حينها لا ينفع الندم واللوم والعتاب، ومحاولة البحث عن الأسباب.