08 نوفمبر 2024
المغرب .. ربيعٌ لم يكتمل
تحل الذكرى التاسعة لانطلاق النسخة المغربية من الربيع العربي التي قادتها حركة 20 فبراير في لحظة فارقة في تاريخ المنطقة. وعلى الرغم من الآمال العريضة التي عُلقت على هذه الحركة لإحداث تعديل، ولو طفيفا، في علاقات القوة في السياسة المغربية، إلا أن تناقضاتها الداخلية، والمنعرجات المأساوية التي أخذتها معظم الثورات العربية، والالتفاف السريع للسلطة على مطالبها، وتردّد فئاتٍ واسعةٍ من الطبقة الوسطى في مساندتها، ذلك كله جرّد الحركة من موارد تعبئة كثيرة كان يمكن أن تقوي موقعها التفاوضي، خصوصا أمام ارتباك مؤسسات الوساطة والتأطير التقليدية، وعجزها عن التفاعل مع الارتجاج الذي أحدثته الحركة داخل الدولة والمجتمع على حد سواء.
وفيما كانت عدة بلدان عربية تتجه نحو مواجهات مفتوحة بين الأنظمة والحركات الاحتجاجية، اختارت السلطوية المغربية الهروب إلى الأمام، باستعادتها الخطاب المضاد لحركة 20 فبراير، وإعادة صياغته ضمن مشروع للإصلاح الدستوري والسياسي، ترجمه خطاب الملك محمد السادس في 9 مارس/ آذار 2011. وبعثر رد الفعل السريع الذي أبدته السلطة إزاء حزمة المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي رفعتها الحركة أوراق الأخيرةَ، بفعل ما قدّمه مشروع الإصلاح من إمكاناتٍ لإنجاز تحوّل ديمقراطي متدرّج من دون تكاليف كبيرة، سيما في ظل وجود "بعض التراكم الديمقراطي النسبي'' في الممارسة السياسية المغربية.
اليوم، وبعد تسعة أعوام جرت خلالها مياه كثيرة تحت الجسر، يبدو الربيع المغربي وقد استنفد ديناميته التي واكبت لحظة تشكله مطلع 2011. ومرة أخرى، يخلف المغرب موعده مع الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية. وكشفت الإصلاحية المغربية عجزها المزمن عن تقديم إجاباتٍ شافيةٍ لمشكلات المغرب المتراكمة في السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة.
كان التنزيل الديمقراطي للدستور الجديد أولَ اختبار واجه مشروع الإصلاح الذي قدّمته السلطوية المغربية. وبدا، منذ الولاية التشريعية الأولى التي أعقبت المصادقة على هذا الدستور، أن النخب، فضلا عن هشاشتها السياسية، تفتقد الاستقلالية في مواجهة مراكز القوى داخل الدولة العميقة، فقد عجزت عن إعادة الاعتبار لمنظومة السياسات العمومية، سيما في بُعديها، الجهوي والمجالي، بعد أن تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة من المجتمع. وأخفقت، أيضا، في مصالحة المغاربة مع الحقل السياسي الرسمي، والحد من العزوف الانتخابي، وإعادةِ المصداقية للعمل الحزبي والسياسي.
كان الإخفاقُ في التنزيل الديمقراطي للدستور مكلفا على أكثر من صعيد، فقد أفضى إلى استمرار الانحباس السياسي على الصعيدين، المحلي والجهوي، حيث عجزت النخب المحلية عن الإجابة على أسئلة التنمية والاستثمار وإيجاد الثروة وتوزيعها بشكل متوازن. وجاءت أحداث الريف وجرادة لتجسّد العنوان الأكثر دلالةً لفشل السلطة والنخب في التعاطي مع المتغيرات الدراماتيكية التي تعرفها المسألة الاجتماعية في المغرب خلال العقد الأخير.
وفي حينٍ كان يُنتظر أن تعمل حكومتـا الإسلاميين، الأولى والثانية، على تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي للطبقة الوسطى، باعتبارها العصب الاجتماعي والثقافي للتنمية، شهدت الأعوام المنصرمة تضييقا ممنهجا على هذه الطبقة، بتجريدها من عدة مكاسب اجتماعية واقتصادية، وكأن الأمر يتعلق بخوفٍ يستوطن لاوعيَ السلطوية المغربية من التطلعات السياسية لهذه الطبقة. واستمر تراجع خدمات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ المغرب.
على صعيد الحقوق والحريات، شهدت الأعوام الثلاثة الماضية مفارقةً في غاية الدلالة؛ ففي وقتٍ عرف الوضع الحقوقي تراجعا ملحوظا، شهد النقاش العمومي بشأن الحريات الفردية منعرجا نوعيا يُنذر بانقسام مجتمعي حاد، الأمر الذي يطرح سؤال السياسة الحقوقية التي تنهجها الدولة لتدبير التوترات المختلفة التي تنطوي عليها هذه الحريات. يعني ذلك، بشكل أو بآخر، أن السلطة باتت تجد صعوبةً بالغةً في التحكّم في الخطاب الحقوقي، وتدبير امتداداته المختلفة داخل المجتمع.
يحتاج المغرب لديناميتين متوازيتين، تعيدان بعض الأمل الذي رافق انطلاق الربيع المغربي؛ عرضٌ سياسي جديد يعيد قطار التحول الديمقراطي إلى سكته، بعد تعطّله أكثر من مرة نتيجة غياب الإرادة السياسية وضعف النخب وارتهانها لمصالحها الضيقة. ونموذجٌ تنموي متوازن يستوعب الطلب المتزايد والدال للمغاربة على الخدمات العمومية الأساسية.
اليوم، وبعد تسعة أعوام جرت خلالها مياه كثيرة تحت الجسر، يبدو الربيع المغربي وقد استنفد ديناميته التي واكبت لحظة تشكله مطلع 2011. ومرة أخرى، يخلف المغرب موعده مع الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية. وكشفت الإصلاحية المغربية عجزها المزمن عن تقديم إجاباتٍ شافيةٍ لمشكلات المغرب المتراكمة في السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة.
كان التنزيل الديمقراطي للدستور الجديد أولَ اختبار واجه مشروع الإصلاح الذي قدّمته السلطوية المغربية. وبدا، منذ الولاية التشريعية الأولى التي أعقبت المصادقة على هذا الدستور، أن النخب، فضلا عن هشاشتها السياسية، تفتقد الاستقلالية في مواجهة مراكز القوى داخل الدولة العميقة، فقد عجزت عن إعادة الاعتبار لمنظومة السياسات العمومية، سيما في بُعديها، الجهوي والمجالي، بعد أن تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة من المجتمع. وأخفقت، أيضا، في مصالحة المغاربة مع الحقل السياسي الرسمي، والحد من العزوف الانتخابي، وإعادةِ المصداقية للعمل الحزبي والسياسي.
كان الإخفاقُ في التنزيل الديمقراطي للدستور مكلفا على أكثر من صعيد، فقد أفضى إلى استمرار الانحباس السياسي على الصعيدين، المحلي والجهوي، حيث عجزت النخب المحلية عن الإجابة على أسئلة التنمية والاستثمار وإيجاد الثروة وتوزيعها بشكل متوازن. وجاءت أحداث الريف وجرادة لتجسّد العنوان الأكثر دلالةً لفشل السلطة والنخب في التعاطي مع المتغيرات الدراماتيكية التي تعرفها المسألة الاجتماعية في المغرب خلال العقد الأخير.
وفي حينٍ كان يُنتظر أن تعمل حكومتـا الإسلاميين، الأولى والثانية، على تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي للطبقة الوسطى، باعتبارها العصب الاجتماعي والثقافي للتنمية، شهدت الأعوام المنصرمة تضييقا ممنهجا على هذه الطبقة، بتجريدها من عدة مكاسب اجتماعية واقتصادية، وكأن الأمر يتعلق بخوفٍ يستوطن لاوعيَ السلطوية المغربية من التطلعات السياسية لهذه الطبقة. واستمر تراجع خدمات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ المغرب.
على صعيد الحقوق والحريات، شهدت الأعوام الثلاثة الماضية مفارقةً في غاية الدلالة؛ ففي وقتٍ عرف الوضع الحقوقي تراجعا ملحوظا، شهد النقاش العمومي بشأن الحريات الفردية منعرجا نوعيا يُنذر بانقسام مجتمعي حاد، الأمر الذي يطرح سؤال السياسة الحقوقية التي تنهجها الدولة لتدبير التوترات المختلفة التي تنطوي عليها هذه الحريات. يعني ذلك، بشكل أو بآخر، أن السلطة باتت تجد صعوبةً بالغةً في التحكّم في الخطاب الحقوقي، وتدبير امتداداته المختلفة داخل المجتمع.
يحتاج المغرب لديناميتين متوازيتين، تعيدان بعض الأمل الذي رافق انطلاق الربيع المغربي؛ عرضٌ سياسي جديد يعيد قطار التحول الديمقراطي إلى سكته، بعد تعطّله أكثر من مرة نتيجة غياب الإرادة السياسية وضعف النخب وارتهانها لمصالحها الضيقة. ونموذجٌ تنموي متوازن يستوعب الطلب المتزايد والدال للمغاربة على الخدمات العمومية الأساسية.