14 نوفمبر 2024
المغرب .. ضرب عصفورين بحجر
لم يمنع كورونـا الرأي العام المغربي من التفاعل مع مشروع قانون 22.20، ''المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة''، الذي قدمته الحكومة قبل فترة، في سياق سعيها إلى التحكّم في الجيل الجديد من الحركات الاحتجاجية، وحصر امتداداته داخل المجتمع، بعد أن أصبح قوةً سياسيةً موازيةً قادرةً على التأثير في النقاش العمومي، وتوجيهه بما لا يُرضي مواقع محافظة داخل مؤسسات الدولة.
ولعل أبرز ما أثار غضب المغاربة في المشروع، تضمّنه عقوباتٍ بالحبس وفرض غرامات مالية على النشر الإلكتروني، في تعارضٍ مع المقتضيات الدستورية بشأن حماية الحقوق الفردية والجماعية، ما يطرح أسئلةً كثيرةً بشأن هذه المقتضيات، وموقعها من التراجعات التي حصلت في المشهد السياسي المغربي.
يمكن القول إن هذا المشروع يستهدف ضرب عصفورين بحجر واحد. فمن ناحيةٍ، بات واضحاً أن الجائحة فتحت أفقاً غير متوقع أمام الأنظمة السلطوية لالتقاط أنفاسها وترتيب أولوياتها، في ظل ما وفرته من موارد مختلفة لتغذية الاستبداد الناعم وإنعاش شرعيته أمام حالة الذعر التي تجتاح معظم البلدان. ولا يكاد المغرب يشذّ عن ذلك، ولا سيما في ظل الانحباس السياسي الذي يعرفه، حيث لم تجد الحكومة أفضل من هذا التوقيت لتمرير المشروع. وعلى الرغم من أنها كانت تستشعر ردود الأفعال التي سيخلفها، بالنظر إلى مضامينه غير الديمقراطية التي تقطع مع الالتزامات الدولية للمغرب في هذا الصدد، إلا أنها تدرك، في الوقت نفسه، أن ردود الأفعال هاته ستبقى محصورةً داخل الفضاء الأزرق، وسيكون من الصعب ترجمتها إلى احتجاجٍ على أرض الواقع، بسبب الحجْر الصحي.
من ناحية أخرى، يتوخّى المشروع إدخال تعديل دالٍّ على معادلة السياسة والاقتصاد في المغرب، من خلال إعادة صياغة العلاقة بين المنتج والمستهلك، بتجريد الأخير من حقوقه، وفي مقدمتها حقه في إبداء رأيه بشأن مدى جودة هذا المنتَج أو ذاك، هذا في وقتٍ يمنح فيه المشروعُ المنتجَ هامشاً أوسع للمناورة بفرض منتَجه وتسويقه، من دون أن يترك للمستهلك حرية التعبير عن رأيه في المنتَج والحكم على جودته.
يتعلق الأمر بسعي قطاع عريض من الرأسمال المغربي إلى إرساء صيغةٍ جديدةٍ لعلاقة الدولة بقاعدتها الاجتماعية الموضوعية التي تتمثل، إلى حد كبير، بهذا الرأسمال. وقد أعاد تضمنُ مشروع القانون المذكور تجريم الدعوة إلى مقاطعة بعض المنتجات، وسحب الأموال من مؤسسات الائتمان، إلى الأذهان حملةَ المقاطعة الشعبية الواسعة التي استهدفت بعض السلع والمنتجات قبل سنتين، التي بدأت فصولها من مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تلقى صدىً واسعاً داخل المجتمع. وقد سببت تلك الحملة خسائر مالية غير هيّنة لبعض الشركات، الأمر الذي أحدث ارتجاجاً على قدرٍ كبير من الدلالة. ومن ثمّة، هذا المشروع، حسب كثيرين، لا يعدو كونه ذريعة لتكميم الأفواه دفاعاً عن هذه الشركات التي قد تجد نفسها، مستقبلاً، في مواجهة مقاطعةٍ أخرى لا تقلّ شراسة عن سابقتها.
وإذا كانت الحكومة تحاول إيجاد تغطيةٍ كونيةٍ للمشروع عبر التوسّل بالمرجعية الدولية ذات الصلة، فإن ذلك يبدو هروباً إلى الأمام، ذلك أن هذه المرجعية، وإن أقرّت بمكافحة الجريمة الإلكترونية مثلاً، إلا أنها لا تتضمّن ما يمسّ حرية الرأي والتعبير في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يجرّد المشروع من كل شرعيةٍ حقوقيةٍ دولية. وذلك كان له نصيبه في حالة التخبط التي يعيشها الائتلاف الحكومي، إذ تسعى أحزاب مشاركة فيه (الائتلاف) إلى التنصل من تحمّل وزر المشروع، مخافة دفع كلفته الانتخابية السنة المقبلة.
كل هذا يُفضي بنا إلى التساؤل الآتي: لماذا هذه الجلبة داخل الرأي العام، ما دام هناك برلمان، يُفترض أنه ''يمثل'' الأمة، وسيكون عليه البتّ في المشروع بعد أن يُحال عليه؟ يُدرك المغاربة أن التركيبة السوسيولوجية للبرلمان، وعجزَه عن إنتاج السياسة، وعدمَ استقلالية النخب، وتراجع مؤسسات الوساطة، عوامل كلها قد ترجّح تصويته على المشروع، بما يعيد إلى الأذهان تصويته، قبل أشهر، ضد الرفع من ميزانية قطاعي التعليم والصحة.
يمكن القول إن هذا المشروع يستهدف ضرب عصفورين بحجر واحد. فمن ناحيةٍ، بات واضحاً أن الجائحة فتحت أفقاً غير متوقع أمام الأنظمة السلطوية لالتقاط أنفاسها وترتيب أولوياتها، في ظل ما وفرته من موارد مختلفة لتغذية الاستبداد الناعم وإنعاش شرعيته أمام حالة الذعر التي تجتاح معظم البلدان. ولا يكاد المغرب يشذّ عن ذلك، ولا سيما في ظل الانحباس السياسي الذي يعرفه، حيث لم تجد الحكومة أفضل من هذا التوقيت لتمرير المشروع. وعلى الرغم من أنها كانت تستشعر ردود الأفعال التي سيخلفها، بالنظر إلى مضامينه غير الديمقراطية التي تقطع مع الالتزامات الدولية للمغرب في هذا الصدد، إلا أنها تدرك، في الوقت نفسه، أن ردود الأفعال هاته ستبقى محصورةً داخل الفضاء الأزرق، وسيكون من الصعب ترجمتها إلى احتجاجٍ على أرض الواقع، بسبب الحجْر الصحي.
من ناحية أخرى، يتوخّى المشروع إدخال تعديل دالٍّ على معادلة السياسة والاقتصاد في المغرب، من خلال إعادة صياغة العلاقة بين المنتج والمستهلك، بتجريد الأخير من حقوقه، وفي مقدمتها حقه في إبداء رأيه بشأن مدى جودة هذا المنتَج أو ذاك، هذا في وقتٍ يمنح فيه المشروعُ المنتجَ هامشاً أوسع للمناورة بفرض منتَجه وتسويقه، من دون أن يترك للمستهلك حرية التعبير عن رأيه في المنتَج والحكم على جودته.
يتعلق الأمر بسعي قطاع عريض من الرأسمال المغربي إلى إرساء صيغةٍ جديدةٍ لعلاقة الدولة بقاعدتها الاجتماعية الموضوعية التي تتمثل، إلى حد كبير، بهذا الرأسمال. وقد أعاد تضمنُ مشروع القانون المذكور تجريم الدعوة إلى مقاطعة بعض المنتجات، وسحب الأموال من مؤسسات الائتمان، إلى الأذهان حملةَ المقاطعة الشعبية الواسعة التي استهدفت بعض السلع والمنتجات قبل سنتين، التي بدأت فصولها من مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تلقى صدىً واسعاً داخل المجتمع. وقد سببت تلك الحملة خسائر مالية غير هيّنة لبعض الشركات، الأمر الذي أحدث ارتجاجاً على قدرٍ كبير من الدلالة. ومن ثمّة، هذا المشروع، حسب كثيرين، لا يعدو كونه ذريعة لتكميم الأفواه دفاعاً عن هذه الشركات التي قد تجد نفسها، مستقبلاً، في مواجهة مقاطعةٍ أخرى لا تقلّ شراسة عن سابقتها.
وإذا كانت الحكومة تحاول إيجاد تغطيةٍ كونيةٍ للمشروع عبر التوسّل بالمرجعية الدولية ذات الصلة، فإن ذلك يبدو هروباً إلى الأمام، ذلك أن هذه المرجعية، وإن أقرّت بمكافحة الجريمة الإلكترونية مثلاً، إلا أنها لا تتضمّن ما يمسّ حرية الرأي والتعبير في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يجرّد المشروع من كل شرعيةٍ حقوقيةٍ دولية. وذلك كان له نصيبه في حالة التخبط التي يعيشها الائتلاف الحكومي، إذ تسعى أحزاب مشاركة فيه (الائتلاف) إلى التنصل من تحمّل وزر المشروع، مخافة دفع كلفته الانتخابية السنة المقبلة.
كل هذا يُفضي بنا إلى التساؤل الآتي: لماذا هذه الجلبة داخل الرأي العام، ما دام هناك برلمان، يُفترض أنه ''يمثل'' الأمة، وسيكون عليه البتّ في المشروع بعد أن يُحال عليه؟ يُدرك المغاربة أن التركيبة السوسيولوجية للبرلمان، وعجزَه عن إنتاج السياسة، وعدمَ استقلالية النخب، وتراجع مؤسسات الوساطة، عوامل كلها قد ترجّح تصويته على المشروع، بما يعيد إلى الأذهان تصويته، قبل أشهر، ضد الرفع من ميزانية قطاعي التعليم والصحة.