ينتظر لبنان عودة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت ومعه الجواب الإسرائيلي الرسمي في ملف ترسيم الحدود البحرية، الذي تخرق ضبابيّته الأخبار الصحافية، ولا سيما الصادرة عن وسائل إعلام عبرية تحدثت أخيراً عن احتمال توقيع الاتفاق البحري الأسبوع المقبل، ربطاً بتنازلات متبادلة ستُقدَّم من الجانبَين اللبناني والإسرائيلي، في "سيناريو" تستبعده أوساط سياسية في "حزب الله".
وفي ظلّ عدم صدور أي تعليق رسمي لبناني على "الروايات الإسرائيلية"، تتجه الأنظار مساء اليوم إلى إطلالة جديدة للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، الذي يحرص في كلّ كلمة على توجيه جملة رسائل للاحتلال في ملف ترسيم الحدود، والذي حرص أخيراً على فصله عن ملف الاتفاق النووي، وربطه برفع الحصار الأميركي الإسرائيلي عن شركات النفط العالمية للتنقيب في البلوكات اللبنانية، مكرراً تحذيراته وتهديداته بالتصعيد العسكري في حال مدّ اليد على الحقوق اللبنانية وثروات لبنان النفطية.
وذكرت قناة 12 العبرية، أمس الأحد، أن اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل سيتضمن تنازلاً إسرائيلياً عن مقطع داخل البحر، مقابل تنازل لبناني عن منطقة أكثر قرباً من الساحل، مشيرة إلى أن التوقيع قد يكون الأسبوع المقبل.
اتّصال بين هوكشتاين وبو صعب
جرى اتصالٌ مطوّل بعد ظهر اليوم بين الوسيط الأميركي ونائب رئيس البرلمان اللبناني الياس بو صعب، جرى خلاله استعراض مسار المفاوضات، حيث أطلع هوكشتاين بو صعب على ما توصّلت إليه آخر الاتصالات التي أجراها مع المسؤولين الإسرائيليين، والتي كان آخرها منذ أيام قليلة.
وبحسب بيان صادر عن مكتب بو صعب الإعلامي، فقد أكد هوكشتاين له أنه سيتابع تواصله مع المسؤولين الاسرائيليين خلال الأيام المقبلة، كما أنه سيعاود التواصل معه خلال أسبوع لاستيضاح بعض النقاط، تمهيداً لوضع تصوره خطياً لما ناقشه في لبنان خلال زيارته الأخيرة.
وتطرق الاتصال أيضاً وفق البيان، لما يتم تناوله في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، ومن ثم تنقله بعض وسائل الإعلام اللبنانية، حيث جرى التأكيد أن "كل هذه الأخبار هي من باب التكهنات وغير مبنية على أية معطيات أو مواقف رسمية".
من جهته، جدّد بو صعب تأكيد موقف لبنان، لافتاً إلى عامل الوقت الضاغط، ومشدداً في هذا السياق، على ضرورة العمل ضمن المهل المقبولة لما فيه مصلحة التفاوض.
وخلص البيان إلى أنه "علينا ألا نبالغ بالايجابية كما بالسلبية، كون اتصالات الوسيط الأميركي لم تنتهِ بعد، لا سيما أن لبنان يفاوض من موقع قوة، محصّن بوحدة الموقف الرسمي، ولا سيما أن بو صعب وضع كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بجوّ الاتصال المطوّل مع هوكشتاين".
لا موعد محدداً بعد للوسيط الأميركي
ويقول مصدرٌ في قصر بعبدا الجمهوري، لـ"العربي الجديد"، إن "أي موعد رسمي لم يحدَّد بعد مع الوسيط الأميركي، ونحن ننتظر ما يحمله من جواب رسمي كي نبني عليه، لا على مقالات الإعلام الإسرائيلي، ولكن نتوقع عودة هوكشتاين قريباً إلى لبنان، حاملاً معه أجواء إيجابية في الملف، أما الموقف اللبناني الرسمي فأصبح واضحاً حول التمسك بالخط 23 وحقل قانا كاملاً".
ويلفت المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، إلى أن "توقيع الاتفاق قد لا يحصل الآن، لكن نتوقع التوافق على العناوين العريضة، التي سيدخل ضمنها حتماً ملف شركات النفط العالمية لبدء التنقيب في البلوكات اللبنانية، وتتقدمها شركة توتال الفرنسية، كما يأمل لبنان في عودة المفاوضات التقنية غير المباشرة إلى طاولة الناقورة (جنوب لبنان)، برعاية أممية ووساطة أميركية، والمتوقفة منذ أكثر من سنة".
من جانبه، يقول النائب في البرلمان اللبناني، عضو كتلة "حزب الله" النيابية "الوفاء للمقاومة" حسين جشي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يصدر في الإعلام لا يندرج إلّا في إطار الكلام الصحافي، إذ لدينا إشارات بأن الإسرائيلي غير مستعجل، "مبرّد قلبه" في الموضوع، فهو كان وضع الأول من سبتمبر/أيلول كسقف لبدء عملية استخراج النفط والغاز من حقل كاريش، لكنه دفع الموضوع إلى الأمام، وهناك قرار ضمني بألا يستخرج في هذا الموعد، من هنا نستبعد التوصل إلى اتفاق الأسبوع المقبل".
ويربط جشي "التأخير الإسرائيلي" وإرجاء عملية الاستخراج بمواقف "حزب الله" الواضحة في هذه المسألة: "أن لا غاز للإسرائيلي من دون غاز للبنان، واليد التي ستمتدّ على ثروات لبنان ستُقطَع"، مشيراً إلى أن "ترسيم الحدود البحرية جنوباً بات من التفاصيل، إذ إن مشكلتنا لا تقتصر على الترسيم وتحصيل الحدود، بل أيضاً الاستخراج، فالمطلوب رفع الحصار والفيتو عن شركات النفط العالمية الممنوعة من العمل في المساحات النفطية والغازية اللبنانية".
ويشدد على أن "حزب الله لا يتدخل بملف ترسيم الحدود الذي تُعنى به الدولة اللبنانية، لكنه معنيّ بحماية ثروات لبنان والاستفادة منها عبر استخراجها، والمقاومة تشكل ضمانة أساسية في هذا المجال، وهي قادرة على فرض المعادلات على العدو، ولبنان لا يمكن أن يأخذ حقه إلا بالانتزاع".
ويلفت جشي إلى أن "الإسرائيلي لا يريد حرباً ولا مصلحة له، ولا للأميركي أيضاً، أما نحن فموقفنا وقرارنا واضح، لا نفط ولا غاز في المناطق المتنازع عليها، وذاهبون إلى المشكل وفق تعبير الأمين العام لحزب الله، إذا لم يُعطَ لبنان حقوقه التي تطالب بها الدولة".
الاتفاق في مرحلته الأخيرة
بدوره، يقول الأستاذ الجامعي المتخصّص في شؤون الطاقة الدكتور شربل السكاف، لـ"العربي الجديد"، إن "كل المعلومات تشير إلى أن الخطوط العريضة للاتفاق قد أنجزت، وأصبحنا في المرحلة الأخيرة، والثابت في الموقف اللبناني أن لا تنازل عن الخط 23 زائدا حقل قانا النفطي، وأي حديث إسرائيلي خارج هذه المعادلة مرفوضٌ لبنانياً".
في المقابل، يلفت السكاف إلى أن "عاملَين قد يؤخّران الاتفاق، الأول مرتبطٌ بالانتخابات الإسرائيلية المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إذ من الممكن ألا توقع الحكومة الإسرائيلية الحالية الاتفاق بينما هي في مرحلة الانتخابات، كي لا يستفيد خصومها من ذلك انتخابياً، عبر الإضاءة على التنازل الاسرائيلي، والثاني، يتعلق بتوقيت توقيع الاتفاق النووي في فيينا، الذي يبدو بدوره أنه أصبح شبه منجز".
ويشير المتحدث ذاته إلى أنه "بغض النظر عن موقع لبنان في هذا الملف، سواء تصنيفه في خانة الخاسر أو الرابح، يبقى المهمّ بعد إنجاز الاتفاق، السرعة في بدء الاستكشاف في بلوكاته النفطية، وهي عملية تأخر بها لبنان كثيراً، والبحث عن شركات نفط عالمية لإتمام ذلك".
كذلك، يستبعد الأستاذ الجامعي المتخصص في شؤون الطاقة أي تصعيد عسكري، خصوصاً بعدما بات الاتفاق النووي على مستوى أكبر، وأوروبا تدفع باتجاه حصول تسوية مع إيران، ربطاً بملف النفط الروسي، وبالتالي، فإن أي تسوية على مستوى المنطقة تنعكس على لبنان، إلا "في حال حصول خطأ غير محسوب في الحسابات، من هنا فإن حديث نصر الله بفصل الملفَين يأتي في إطار توسيع هامش حركة "حزب الله" لا أكثر".
ويشير السكاف إلى أن زيارة الوسيط الأميركي قد لا تكون الأخيرة إلى لبنان، وستُستتبع بزياراتٍ لاحقة، خصوصاً أن التفاوض الذي يتم اليوم هو سياسي، و"تالياً قد ينتقل الحديث التقني بعده إلى طاولة الناقورة" في الجنوب اللبناني.