استمع إلى الملخص
- محاولات المحافظين للتوصل إلى مرشح موحد تواجه عقبات بسبب الخلافات الفكرية والسياسية، مع تقدم محتمل للمرشح الإصلاحي بزشكيان في استطلاعات الرأي.
- السباق الانتخابي يتسم بالتوتر والتكهنات حول إمكانية توحيد المحافظين وجهود الإصلاحيين لاستقطاب الناخبين، مع تأثير كبير للاستطلاعات والمناظرات في توجهات الناخبين.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية الـ14، المقررة يوم الجمعة المقبل، والتي يتنافس فيها المحافظون بخمسة مرشحين في مواجهة المرشح الإصلاحي الوحيد مسعود بزشكيان، تُثار مخاوف وقلاقل لدى المعسكر المحافظ من خسارة الانتخابات بسبب تعدّد المرشحين وتشتت أصوات جماهيره بينهم، على الرغم من عدم نجاح بزشكيان وداعميه الإصلاحيين حتى اللحظة في تحريك واسع للشارع الرمادي الذي يشكل خزانهم التصويتي للمشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية ودعم المرشّح الإصلاحي.
ويخوض المرشحون المحافظون الخمسة هذا الاستحقاق، وهم رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي، ورئيس بلدية طهران عليرضا زاكاني، ورئيس مؤسسة الشهيد مساعد الرئيس الإيراني أمير حسين قاضي زادة هاشمي، ورئيس جمعية العلماء المناضلة رجل الدين مصطفى بور محمدي، غير أن الأخير يغرد خارج السرب المحافظ بتبنيه مفردات قريبة من الإصلاحيين، ما يثير غضب رفاقه المحافظين. وبينما ينتمي قاليباف إلى التيار المحافظ التقليدي، ويتّبع خطاباً معتدلاً في إطار محافظ بتناوله قضايا مثل السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، فإن المرشحين الثلاثة الآخرين يُحسبون على المحافظين الجدد في إيران أو صقور المحافظين.
إجماع المحافظين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية
وكشف أمين المجلس الاقتصادي الأعلى للسلطات الإيرانية الثلاثة، القيادي المحافظ محسن رضائي، الأحد الماضي، عن جهود كبيرة تبذل في أروقة البيت المحافظ أو الأصولي حسب التسمية الرائجة في البلاد، للوصول إلى إجماع بين المرشحين المحافظين أو مرشحي جبهة الثورة الإسلامية، حسب تعبيره. وأضاف أن نتيجة الإجماع ستتضح في غضون الأربعاء المقبل، أي قبل يومين من إجراء الانتخابات. وعن الآلية المتفق عليها للوصول إلى المرشح المجمع عليه، قال رضائي، وهو الأمين السابق لمجمع تشخيص مصلحة النظام أيضاً، إن الآلية تعتمد استطلاعات الرأي لتحديد المرشح المحافظ الأوفر حظاً.
وبينما تلاحق تهمة "مرشح الظل" بعض المرشحين المحافظين، التي يروّج لها الإصلاحيون، فإنه وفق رضائي "من ينسحب احتراماً لآراء الناس (المحافظين) ليس مرشح ظل". ولم تتوضح بعد هوية المرشح المجمع عليه، بحسب رضائي، داعياً إلى التريث إلى ما بعد عقد عدد من المناظرات لمعرفة من هو صاحب الإقبال الأكبر في الشارع الانتخابي. يشار إلى أنه حتى الآن أجرى التلفزيون الإيراني ثلاث مناظرات بين المرشحين الستة من أصل خمس مناظرات.
تقوي نيا: قاليباف وجليلي حتى الآن لا يشعران بخطر فوز بزشكيان
لكن الخبير الإيراني المحافظ عليرضا تقوي نيا يستبعد في حديث مع "العربي الجديد" إجماع المحافظين على مرشح واحد، معتبراً أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية ستجري في ظل قطبية ثلاثية: قطبين محافظين يتمثلان بقاليباف وجليلي، والقطب الإصلاحي بزشكيان. ويضيف أن احتمال انسحاب المرشحين المحافظين الثلاثة، زاكاني وقاضي زادة هاشمي وبور محمدي، "وارد"، مستبعداً انسحاب قاليباف وجليلي لصالح بعضهما البعض.
تحالف مستبعد
ويلفت تقوي نيا إلى سببين بشأن عدم التحالف بين قاليباف وجليلي، "الأول عدم وصول الرجلين ومؤيديهما حتى هذه الساعة إلى قناعة بوجود خطر مشترك محدق بهما، إذ تشير نتائج استطلاعات الرأي إلى أن بزشكيان سيحصل على 25 إلى 30 في المائة من الأصوات وفي أقصى تقدير على 35 في المائة، ما لا يمكّنه من الفوز، لكن لا يُستبعد أن تتشكل موجة انتخابية الأسبوع الحالي لصالح بزشكيان". ويوضح أن "قاليباف وجليلي حتى الآن لا يشعران بخطر فوز بزشكيان، وهما على قناعة بأن الانتخابات الرئاسية الإيرانية لن تحسم في الجولة الأولى وستتجه نحو جولة إعادة، وأن من سيخوض السباق بينهما في الجولة الثانية سيحصل على دعم أنصار المرشح الآخر".
أما السبب الثاني وفق تقوي نيا، فهو "وجود خلافات جادة في الأسس" الفكرية والسياسية بين قاليباف وجليلي وأنصارهما، إذ يرى مؤيدو الأخير أن قاليباف استمرار لحكومة "كوادر البناء" (أبناء مدرسة الرئيس الأسبق الراحل هاشمي رفسنجاني) أو "تكنوقراط لكن بغطاء ثوري". وعن المرشح الأوفر حظاً لينال في نهاية المطاف ثقة المحافظين ليكون مرشحهم النهائي إن قرروا التحالف، يقول تقوي نيا إن قاليباف "هو المرشح الجامع للشرائط" أكثر من جليلي، ويحظى بدعم أكثر من القوى المحافظة والبرلمانيين "لكن أصوات جليلي في الشارع أكثر من قاليباف"، ولذلك يستبعد أن يتحالف المرشحان.
وفي الأثناء نشرت صحيفة وطن إمروز المحافظة، أمس السبت، نتائج استطلاع للرأي، قالت إن أحد مراكز قياس الأفكار المهمة أجراه الخميس الماضي، من دون تسمية المركز. وذكرت الصحيفة أن بزشكيان حصل في الاستطلاع على 29 بالمائة من أصوات المستطلعة آراؤهم، ليتقدم على قاليباف وجليلي الحاصلين على 25.2 بالمائة و24.1 بالمائة على التوالي. وحسب نتائج الاستطلاع، إذا انسحب قاليباف ستتوجه 38.2 بالمائة من أصواته نحو جليلي و20.1 بالمائة منها إلى بزشكيان. لكن اذا ما انسحب جليلي تتوجه 45.7 بالمائة من أصواته إلى قاليباف و5.1 بالمئة منها إلى بزشكيان. أما إذا اقتصر التنافس فقط بين قاليباف وجليلي، فإن قاليباف سيتقدم بحصوله على 44.2 بالمائة من الأصوات ثم جليلي بـحصوله على 41.8 بالمائة. وفي حال التنافس بين جليلي وبزشكيان، سيحصل الأخير على 47.7 بالمائة من الأصوات وجليلي على 39.9 بالمائة.
كذلك فإنه في حال اقتصار التنافس فقط بين بزشكيان وقاليباف، سيفوز الأخير بالجولة الأولى بحصوله على 55.1 بالمائة من الأصوات، وسيحصل بزشكيان على نسة 35 بالمائة. كذلك فإنه وفقاً لمركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني، والذي نشر نتائج أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "ملت" لقياس الأفكار التابعة له، أمس، فإن 45 في المائة من الناخبين الإيرانيين قد أكّدوا أنهم سيشاركون في الانتخابات، مقابل 31.8 في المائة ما زالوا مترددين، فيما 21.4 في المائة أكدوا عدم مشاركتهم.
ودعا قاليباف نفسه، الأحد الماضي خلال برنامج تلفزيوني انتخابي محلي، المرشحين المحافظين أو من سمّاهم مرشحي "جبهة الثورة الإسلامية" إلى الانسحاب لصالح مرشح واحد، قائلاً إن الجبهة "يجب أن تجمع على مرشح واحد حتى 28 يونيو/ حزيران الحالي، وستكون هناك بالتأكيد عقلانية ومودة في جبهة الثورة". مع ذلك، لم يلمّح قاليباف إلى استعداده للانسحاب لصالح مرشح محافظ آخر، فيما تشي تصريحاته بأنه يجد في نفسه المرشح المحافظ الأنسب، إذ قال في البرنامج نفسه: "خضتُ السباق لأن البلد في مرحلة حساسة وشعرت بأنني على استعداد أكبر من البقية".
مسعود فروغي: لا خيار أمام المحافظين إلا الإجماع على مرشح واحد
من جهته، يشدّد رئيس تحرير صحيفة فرهيختغان الإيرانية، المحافظ مسعود فروغي، في حديث مع "العربي الجديد"، على أن المحافظين إذا ما أرادوا الفوز في الجولة الأولى "فلا خيار أمامهم إلا الإجماع على مرشح واحد والتصويت لشخص واحد". غير أنه يقول في الوقت ذاته إنّ التوصل إلى مرشح محافظ واحد متفق عليه لا يعني "حسم الفوز"، داعياً إلى الانتظار لمعرفة مدى نجاح بزشكيان في استقطاب أصوات جماهير الإصلاحيين الصامتة. ويضيف أن المحافظين أو الأصوليين، بسبب وجود عدة مرشحين من التيار، يواجهون تشتتاً وانقساماً في الأصوات، بالإضافة إلى "الإقبال المحدود" على بزشكيان، ما يعني أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية ستتوجه نحو جولة إعادة إن استمر الوضع على ما هو عليه اليوم.
ووفق قانون الانتخابات الإيراني، إذا لم يحصل أي من المرشحين على النصف زائداً واحد من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الإيرانية ستُعاد الانتخابات في الجمعة التي تليها، أي بعد أسبوع. ويبلغ عدد من يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات أكثر من 61 مليون ناخب إيراني. ويوضح فروغي أن قاليباف وجليلي هما المرشحان المحافظان اللذان يمتلكان إقبالاً أكبر من القاعدة الجماهيرية للمحافظين، "لكن مع فارق في طبيعة وهيكلية الأصوات" التي سيحصلان عليها، "إذ يحظى جليلي بأصوات الأيديولوجيين (المحافظين)، وقاليباف بأصوات البراغماتيين" المحافظين.
وانطلاقاً من هذا التوصيف، يقول فروغي إن "جليلي يواجه صعوبة أكثر في زيادة أصواته، كذلك فإن الطريق أمام قاليباف ليس سهلاً لاسترضاء المحافظين"، وإن نظرة أكثر واقعية إلى الفضاء الاجتماعي والسياسي في إيران تُظهر، وفق فروغي، أن جليلي إذا انسحب من الانتخابات ستتجه معظم أصواته نحو قاليباف، لكن في حال انسحاب الأخير "هناك صعوبات أكثر" في توجه أصواته نحو جليلي. ويشير إلى أن المشهد الانتخابي "لم يدخل بعد في موجات اجتماعية كبيرة"، وعليه فإن نسبة المشاركة قد تزداد فقط من 5 إلى 8 في المائة، مقارنةً بالانتخابات الرئاسية عام 2021 التي سجلت نسبة 48.8 في المائة. وبالتالي، خلُص فروغي إلى أنّه في هذه الحالة "عدم انقسام الأصوات سيكون مؤثراً، والإصلاحيون يفضلون تشتت الأصوات لدى التيار الآخر".