كشف تقرير لوكالة "رويترز"، نشرته اليوم الاثنين، وجهاً إضافياً مما رأت فيه فظائع جديدة، تحدّث عنها شهود عيّان للوكالة، في إطار الحروب الدائرة في أفريقيا، بين الجيوش النظامية والمسلحين المتطرفين، وهي حروب بعضها يدور منذ سنوات، وخلّفت أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين. وتحمل أنظمة دول عدة في القارة الأفريقية، لواء "محاربة الإرهاب".
وبينما يجري ذلك في ظلّ غياب الرقابة الدولية، وغالباً ما تمد دول غربية هذه الأنظمة بالسلاح لهذا الهدف، تبقى عملية محاربة الإرهاب بعيدة عن الشفافية، أو قوانين الحروب، وتكشف عن الكثير من الفظائع التي تُنفذ تحت راية هذا الشعار.
ويضاف تقرير "رويترز" إلى تقارير عدة سابقة، بعضها صادر عن منظمات دولية، وتؤكد ارتكاب الجيش في نيجيريا جرائم حرب، خلال ملاحقته جماعة "بوكو حرام" المتطرفة، أو الفرع المنشق عنها، والذي والى "داعش". ويستقي التقرير من شهادات أكثر من 40 جندياً نيجيرياً، وشهود عيان، بعضهم من أهالي الضحايا، تأكيدهم قتل عناصر من الجيش عشرات الأطفال عمداً خلال الحرب التي تشنّ ضد المسلحين المتطرفين في شمال شرقي البلاد.
وأكد الجنود الذين تحدثوا للوكالة، من دون أن تفصح عن أسمائهم، إنهم شاركوا في عشرات العمليات العسكرية التي "ذُبح" فيها أطفال. وبحسب ما جمعته الوكالة من معلومات، فإن التقديرات يُمكن أن تصل إلى مقتل آلاف الأطفال.
لكن الوكالة أجرت تحقيقاً في 6 حوادث محدّدة، ووجدت بناء على تعداد الشهود، أن ما لا يقل عن 60 طفلاً قتلوا فيها، آخرها في فبراير/شباط 2021. وقال 15 عنصر أمن نيجيرياً وجندياً ومن مسلحي المليشيات المحلية الداعمة للجيش، إنهم شاركوا أو شهدوا على عمليات قتل متعمد بحق أطفال.
قتل الأطفال بإطلاق النار عليهم أو خنقهم أو تسميمهم
وبحسب أرقام أممية، فإن المعارك الدائرة في نيجيريا بين الجيش والمتطرفين، منذ 13 عاماً متواصلة إلى اليوم، قد أسفرت عن مقتل 300 ألف شخص على الأقل، بعضهم بسبب العنف، وآخرون بسبب الجوع والأمراض.
قتل الأطفال كعقيدة عسكرية
ويشير الكشف الجديد إلى وجود كراهية متجذرة بين الجيش وأهالي المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، ما يدفع قياديين في الجيش إلى قتل الأطفال كعقيدة ثابتة، مصدرين أوامر للجنود بـ"محو" الأطفال عن "وجه الأرض" خلال القتال، بحسب شهود، بزعم أن هؤلاء الأطفال إما يتعاونون مع المسلحين أو سيرثون عن آبائهم التطرف.
ووجد تحقيق الوكالة أن معظم الأطفال الضحايا قتلوا بإطلاق النار عليهم، لكن بعض الشهود قالوا إن جنوداً قاموا أيضاً بخنق أطفال أو تسميمهم. وشرح جنود للوكالة "عندما يُصدر الجيش أمراً بتطهير منطقة ما من المتطرفين، فإنهم يفهمون، وأحياناً يُبلّغون صراحة، بأن ذلك لا يعني استثناء الأطفال".
وأكد جنود لـ"رويترز"، أن قتلهم الأطفال كان للانتقام بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم على يد المتطرفين، بينما أوضح آخرون أنهم اعتمدوا استراتيجية "قاتل أو مقتول" تجاه الأطفال أيضاً، لأن المسلحين المتطرفين يستخدمونهم كمقاتلين أو انتحاريين أو مبلغين، بحسب قولهم.
ونفى الجيش النيجيري، أي استهداف متعمد للأطفال بالقتل خلال الحرب ضد "بوكو حرام" أو "داعش"، واعتبر تقرير "رويترز" إهانة له. وقال الجنرال كريستوفر موسا، الذي يقود العملية العسكرية ضد المتمردين في شمال شرقي البلاد، رداً على التقرير، إن قتل الأطفال عمداً "لم يحصل ولا يحصل ولن يحصل"، معتبراً أن التحقيق جزء من حملة أجنبية للانتقاص من أهمية الحملة ضد الإرهاب في نيجيريا. وأضاف موسا: "هذا ليس من طبيعتنا. نحن مهنيون جداً، وإنسانيون".
الجيش النيجيري متهم بارتكاب جرائم حرب
وروت "رويترز" شهادة الشاب كاكا، ابن الـ20 عاماً، من كواكا في شمال شرقي نيجيريا، الذي شهد في عام 2020 إطلاق جنود النار على صف من الأطفال (تحدث عن 10 أطفال)، وأمهاتهم، وعدد من الرجال، ودفنهم في حفر أعدت مسبقاً. كما روت ياغانا بوكار، للوكالة، أنها بعدما تمكنت مع نساء أخريات من الهرب من "بوكو حرام"، أخذ جنديان منها ابنيها التوأم الرضيعين، وخنقاهما أمام عينيها.
أشار تقرير سابق لـ"رويترز" إلى أن الجيش النيجيري أدار برنامج إجهاض سرّي بشكل ممنهج وغير قانوني
وقالت بوكار إن الجنديين قالا لها إنهما قتلا الرضيعين لأنهما "من أبناء بوكو حرام، وليسا كائنين بشريين"، وهدّداها بأنها إن لم تلتزم الصمت، فسوف يقتلانها أيضاً. وهناك بعض الأهالي أكدوا لـ"رويترز"، أن أولادهم أخذوا منهم من قبل الجيش، ولا يعلمون شيئاً عن مصيرهم. وطلب والد أخذ الجيش ابنه البالغ من العمر 14 عاماً، في كواكا في 2019، من الوكالة نشر القصة، علّ ولده يعود إليه.
وكان تقرير لمنظمة العفو الدولية قد صدر في 2015، أكد أن الجيش النيجيري وقوات موالية له، قتلوا أكثر من 1200 رجل وفتى خلال الحملة ضدّ المتطرفين. وقالت المحكمة الجنائية الدولية في 2020، إنها وجدت أسساً لفتح تحقيق بجرائم حرب محتملة وضد الإنسانية في نيجيريا، من قبل الجيش والمسلحين المتطرفين على حدّ سواء، لكن هذا التحقيق لم يُفتح حتى اليوم.
وكانت "رويترز" قد نشرت الأسبوع الماضي تحقيقاً آخر، ذكرت فيه أن الجيش النيجيري أدار برنامج إجهاض سرّيا بشكل ممنهج وغير قانوني في شمال شرقي البلاد منذ عام 2013 على الأقل. وبحسب عشرات الشهود والوثائق التي اطَّلعت عليها الوكالة، فإن ما لا يقل عن 10 آلاف حالة حمل تعرضت للإجهاض، وإن نساء وفتيات كثراً من المجهضات تعرضن للخطف والاغتصاب من قبل مقاتلي "بوكو حرام" أو "داعش".
وبينما طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بالتحقيق في التقرير، وأبدى الرئيس الأميركي جو بايدن "انزعاجه" منه، بحسب الخارجية الأميركية، وصف الجيش النيجيري التقرير بأنه "مجموعة من الإهانات للشعب النيجيري وثقافته".
(رويترز)