تحوّل اتفاق الرياض الذي رعته السعودية في جنوب اليمن قبل أكثر من عامين، إلى نفق مجهول بالنسبة للحكومة المعترف بها دولياً، والتي لا يبدو أنها سترى بعده النور.
منذ توقيع الاتفاق في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والحكومة وحدها من تنفذ بنوده وكأنها وقّعته مع نفسها، وليس مع المجلس الانتقالي الجنوبي. وكلما قامت "الشرعية" بتقديم المزيد من التنازلات، تجد نفسها أمام ابتزاز جديد، ومحشورة من رعاة الاتفاق في زاوية لا يمكن الإفلات منها.
كان الاتفاق ينص على بنود تسلسلية؛ عسكرية وأمنية، ثمّ الانتقال للشق السياسي، لكن الأقدار شاءت أن يتحول إلى ملف سياسي خالص، والبداية كانت بتشكيل حكومة المحاصصة التي أكملت عامها الأول الأسبوع الماضي.
بسبب هذا الاتفاق، فقدت الحكومة الشرعية حلفاءها المحليين، وآخرهم محافظ شبوة السابق محمد صالح بن عديو. فقدت الكثير من مؤسسات الدولة في عدن، والكثير الكثير من سيادتها وماء وجهها، عندما اكتفت بأن يكون دورها الوحيد هو إرضاء السعودية.
لم تحصد "الشرعية" حتى الآن أي فوائد حقيقية واضحة للعيان من اتفاق الرياض. حتى حكومة المحاصصة ما زالت مشردة منذ اقتحام قصر معاشيق منتصف مارس/آذار الماضي، ولم يُسمح سوى بعودة رئيس هذه الحكومة معين عبد الملك وعدد محدود من الوزراء.
"المجلس الانتقالي الجنوبي" بات أكبر المستفيدين من اتفاق الرياض. نال "الشرعية" التي يحلم بها، وأصبح في نظر المجتمع الدولي شريكاً في السلطة وليس جماعة انفصالية مدعومة من دولة خارجية، ومع ذلك ما زال يطمح إلى المزيد من المكاسب والمناصب.
بعد أن أصبح يحكم عدن بشكل شرعي من خلال المحافظ أحمد حامد لملس، بات "الانتقالي" يحكم شبوة بشكل غير مباشر، بعد تعيين الشيخ المقرب من المجلس، عوض العولقي محافظاً جديداً للمحافظة.
ويبدو أن حضرموت ستكون الهدف التالي، حيث دشن المجلس خطواته الأولى عبر ما يسمى بـ"الهبّة الحضرمية" التي طالب فيها أنصاره، السبت الماضي، بتحرير عمليات الاستكشاف والإنتاج النفطي في مدن الجنوب كافة.
التنفيذ المختل والمشوه لاتفاق الرياض، هو ما يشجّع المجلس الانتقالي على عدم الوفاء بالتزاماته. وبعد قراري تعيين محافظ جديد لشبوة، وتغيير قيادة البنك المركزي اليمني في عدن، ينبغي على السعودية عدم الاكتفاء بتنفيذ البنود من جانب واحد، فهكذا أمر لا يعكس نظرة ثاقبة لتحقيق الاستقرار، بقدر ما يكشف عن فشل وسوء إدارة ذريع في الملف السياسي.
وإذا كانت السعودية ترى أن قيادة الحكومة الشرعية الحالية غير جديرة بالحصول على دعمها السياسي والمالي والعسكري، وخصوصاً في مدن الجنوب، فمن الأفضل أن تطيحها بشكل كامل ودفعة واحدة، بدلاً من التقسيط الحاصل.
أي نجاح حقيقي للاتفاق محسوب للسعودية، وأي اختلال لن يتم تحميل أسبابه للحكومة الشرعية، فهي كسيحة ومثيرة للشفقة في كل الأحوال، ولكن للسعودية.
الاتفاق يحمل اسم الرياض، لذلك السعودية مسؤولة أمام المجتمع الدولي وأمام اليمنيين عن أي تطبيق مشوّه لبنوده، ومسؤولة عن دعم الاقتصاد اليمني من خلال وديعة مالية عاجلة في البنك المركزي.
وصول الوديعة المالية واستقرار سعر صرف الريال، سيجعل الشعب اليمني يشعر أن هناك ثمنا حقيقيا للسيادة المهدورة وفائدة يشعر بها 30 مليون نسمة، وليس ثمناً بخساً يذهب إلى جيب الرئيس وأولاده.