بدأ وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، العائد إلى منصبه بعد أربع سنوات من تحييده من الوزارة، وبعد سنتين من استبعاده من آخر حكومة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أول تحركاته الدبلوماسية، بإجراء سلسلة اتصالات هاتفية مع عدد من نظرائه في تونس ومصر وليبيا، واستقباله وفداً من نواب البرلمان الممثلين للجالية الجزائرية في الخارج، ومشاركته أمس الأول الأربعاء في مؤتمر دول عدم الانحياز.
يرث لعمامرة عن سلفه صبري بوقادوم ملفات ثقيلة وحساسة بالنسبة للدبلوماسية الجزائرية، وفي وضع سياسي معقد داخلياً وإقليمياً، خصوصاً بشأن ملفات الأزمة في مالي وليبيا والتوترات في النيجر، والعلاقات المتوترة مع المغرب المرتبطة بتطورات النزاع في الصحراء. وإذا كانت السلطة السياسية في الجزائر تراهن على ثقل وعلاقات لعمامرة، لدفع الدبلوماسية الجزائرية نحو انخراط أكبر ولعب دور أكثر بروزاً في القضايا الإقليمية، فإن عضويته لمجموعة الأزمات الدولية ورصيده كدبلوماسي دولي عامل في مجال السلام، وكونه كان مرشحاً ليكون مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عام 2020، كلها عوامل تعطي مؤشراً على رغبة الجزائر في إبقاء دبلوماسيتها ضمن نفس النسق كقوة هادئة ومساهمة في حلحلة المشاكل، أكثر منها دبلوماسية مناوشة.
يربط البعض عودة لعمامرة بحسابات سياسية وصراع المحاور داخل نظام الحكم في الجزائر
بالنسبة للكثير من المحللين في الجزائر، فإنه لا توجد أسباب واضحة دفعت الرئيس عبد المجيد تبون إلى إعادة استدعاء لعمامرة واستبعاد الوزير السابق صبري بوقادوم، خصوصاً أن الأخير قدّم أداء لافتاً منذ توليه المنصب في مارس/آذار 2019، ونجح إلى حد ما في استدراك بعض الفراغات التي خلّفها غياب الجزائر عن المشهد الإقليمي خلال السنوات السبع الأخيرة من حكم بوتفليقة. كما عزز من وجود الجزائر في المشهد الليبي وفي مالي والنيجر، وحسم تحالفات مهمة لصالح الجزائر مع إسبانيا، وهي دولة مهمة بالنسبة للجزائر في علاقة بالصراع مع المغرب وقضية الصحراء، ومع تركيا التي تطورت العلاقات الجزائرية معها بشكل لافت في السنتين الأخيرتين. لكن التفسيرات السياسية تُجمع على أن استبعاد بوقادوم وعودة لعمامرة، لا علاقة لهما بالأداء الدبلوماسي وتقييماته، لكن ذلك مرتبط أساساً بحسابات سياسية وصراع المحاور داخل نظام الحكم في الجزائر. وتذهب بعض هذه التفسيرات إلى أن هذا التغيير له علاقة باصطفاف كل وزير، فالوزير السابق محسوب على جناح قائد أركان الجيش السابق الفريق أحمد قايد صالح، والأخير استقدمه من نيويورك لشغل الخارجية، بينما يُحسب لعمامرة الذي سبق له العمل في واشنطن وباريس، على جناح القائد السابق للاستخبارات الفريق محمد مدين، والذي يبدو أنه بات في الوقت الحالي أكثر ثقلاً. ويمكن ملاحظة أن رحيل لعمامرة من الخارجية عام 2017، تزامن مع إقالة محمد مدين من منصبه، وكان محيط بوتفليقة الذي هندس حكومة 2017، قد عمد قبل ذلك إلى وضع الخارجية برأسين، لعمامرة وعبد القادر مساهل كوزير مكلف بالشؤون المغاربية والأفريقية والجامعة العربية.
لكن ظروفاً طارئة، واندلاع الحراك الشعبي، دفعا محيط بوتفليقة في 11 مارس/آذار 2019 إلى الاستعانة مجدداً بلعمامرة الذي كان قد كسب تعاطفاً من النخب السياسية لكفاءته السياسية والدبلوماسية وبسبب طريقة استبعاده عام 2017، وتم تعيينه نائباً لرئيس الحكومة نور الدين بدوي، وكلفته السلطة بشرح طبيعة الوضع في الجزائر خلال الحراك الشعبي، وتسويق دولي لفكرة كانت ستنقذ نظام بوتفليقة وحلفائه، وهي عقد ندوة وطنية نهاية عام 2019، وقام لعمامرة بذلك في موسكو وواشنطن وباريس وبروكسل.
الكثير من مكوّنات الحراك الشعبي اعتبرت عودة لعمامرة بأنها أكثر من استفزاز للحراك
طرفان ينظران بعين الريبة إلى عودة لعمامرة، أولهما مكوّنات الحراك الشعبي التي ترى في لعمامرة رجلاً بوتفليقياً خالصاً، وحاول إنقاذ النظام السابق حتى في ربع الساعة الأخير من مراحله، وهو ممن حاولوا تنفيذ التمديد لبوتفليقة حتى نهاية عام 2019، تنتهي بعقد ندوة وطنية لصياغة الإصلاحات السياسية الكبرى. كما أن لعمامرة دافع عن نظام بوتفليقة في الخارج، من دون أن يكون له أي موقف خارج نسق السلطة، في الوقت الذي كانت فيه جموع الشعب الجزائري في الشارع رافضة لاستمرار بوتفليقة في الحكم. هذا ما دفع الكثير من مكوّنات الحراك لاعتبار عودة لعمامرة بأنها أكثر من استفزاز للحراك الشعبي. أما الطرف الثاني فهي قوى التيار الإسلامي في الجزائر، بما فيها الشريكة في الحكومة الجديدة، والتي كانت قد وجّهت انتقادات حادة للعمامرة عام 2019، عندما نقل بصفته نائباً لرئيس الحكومة، رسالة إلى العواصم الغربية، مفادها أن رحيل بوتفليقة قد يفتح الباب واسعاً لصعود وهيمنة الإسلام السياسي في البلاد، وفق تسريبات حينها. وهو ما دفع رئيس حركة "مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري إلى الرد بشكل حاد على لعمامرة، واتهمه بالتزييف، كما رد عليه رئيس حركة "البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة.
ويعتقد محلل الشؤون السياسية والدبلوماسية الباحث علي لخضاري، أن عودة لعمامرة إلى وزارة الخارجية، تؤكد حالة التراجع عن مسار التغيير المنبثق في 22 فبراير/شباط 2019، وهو تراجع يمكن أن يمتد إلى مراجعة الخطوات الدبلوماسية السابقة والتي كان سلفه في المنصب بوقادوم قد عمل على تنشيطها في عدد من المحاور التي لم تكن من أولويات السياسة الخارجية الجزائرية، وفي مقدمتها دفع التعاون على محور الجزائر-الدوحة-أنقرة، فمنذ تولي تبون الرئاسة عرفت علاقات الجزائر مع كل من قطر وتركيا تقدماً ملحوظاً من خلال الزيارات رفيعة المستوى لمسؤولي البلدين أو التصريحات الإيجابية في هذا الخصوص. ويضيف في حديث مع "العربي الجديد" أن "عودة لعمامرة، وهو أحد وجوه الحكومات المتعاقبة لبوتفليقة، والذي سبق أن رفضت الأطراف الدولية تعيينه مبعوثاً أممياً إلى ليبيا، يؤشر على تغيير قد يحدث على مستوى أولويات الخارجية الجزائرية على المديين القريب والمتوسط، خصوصاً ما يتعلق بتنسيق المواقف في ما يخص رؤية الحل للأزمة الليبية وعدد من القضايا الإقليمية"، مرجحاً أن يعود الموقف الجزائري إزاء القضايا الدولية إلى ما كان عليه خلال فترة ما قبل الحراك من حيث التحالفات والحياد السلبي.