فاجأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الكثيرين بحديثه لشبكة "فوكس نيوز" الأميركية، في مقابلة بُثت، أمس الخميس بعد نشر أجزاء منها الأربعاء، عن أنّ المملكة تقترب من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، رغم وجود مؤشرات سابقة على ذلك، وعلى رغبة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بإتمام الصفقة.
وفيما بدا أن التصريحات بعثت نوعاً من النشوة للوهلة الأولى في وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلا أنه تبعتها تحليلات كثيرة، خاصة ما يتعلق بحديث بن سلمان عن البرنامج النووي الذي تطالب به السعودية، وهو الجزء الذي لم يحبّذه الكثير من المحللين المتخصصين في الشؤون الأمنية والعسكرية.
وقال بن سلمان إنه "في حال امتلكت إيران سلاحاً نووياً، فيجب أن يكون لدينا أيضاً (سلاح نووي)"، الأمر الذي اعتبره الإسرائيليون حديثاً عن سباق تسلّح نووي في المنطقة، وهو ما تخشاه إسرائيل كثيراً.
ورصد موقع القناة 12 الإسرائيلية، اليوم الجمعة، آراء عدد من الخبراء الإسرائيليين حول تصريحات بن سلمان وتبعاتها، وفتح باب تخصيب اليورانيوم لأهداف مدنية في السعودية.
ويعتبر المختص بالشأن السعودي ودول الخليج في "مركز موشيه دايان" في جامعة تل أبيب ناحوم شيلا، أنّ "ما تطلبه السعودية في العلن هو موافقة أميركية على تخصيب اليورانيوم على أراضيها لأهداف مدنية، لكن لذلك إسقاطات وتطورات وسيناريوهات، في حال سرّعت إيران برنامجها النووي".
ويضاف شيلا: "ولي العهد السعودي قال إنه إذا امتلكت إيران سلاحاً نووياً، فإنّ السعودية ستفعل ذلك أيضاً. هذا يعني أنه إذا سعت إيران لسلاح نووي، فلن تحتاج السعودية بعد الآن إلى موافقة أميركية، وستحاول الحصول على سلاح نووي بطريقتها الخاصة. البرنامج النووي المدني يمكن أن يتحوّل في ظروف معيّنة إلى برنامج عسكري. في حال امتلكت إيران والسعودية سلاحاً نووياً عسكرياً، فإنّ مصر وتركيا سترغبان بذلك أيضاً، وسيصبح لدينا شرق أوسط نووي".
ويوضح شيلا أنه حين يصبح هناك تخصيب لليورانيوم على الأراضي السعودية، فإنّ الإشراف عليه يكون أقل فاعلية، ذلك أنّ دخول مراقبي الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى السعودية يحتاج إلى موافقتها، مضيفاً أنه "في حال قرر ولي العهد وقف عمل المراقبين، فإنّ الطريق للحصول على نووي عسكري ستكون قصيرة".
ويشدد شيلا على أن "التاريخ أثبت حتى اليوم أنه من المستحيل بالوسائل والعقوبات وقف البرنامج النووي لدولة عازمة حقاً على تطويره".
شكوك إزاء النوايا
من جانبه، يرى الجنرال المتقاعد عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسات والاستراتيجيات في جامعة رايخمان الإسرائيلية، والرئيس الأسبق لقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، أن ما تسعى إليه السعودية ليس برنامجاً نووياً للطاقة، "ولكن السعوديين مهتمون بمفاعل لتخصيب الوقود النووي، ما يثير الشكوك في أن النية هي بناء قدرة لإنتاج أسلحة نووية في المستقبل. ما قاله بن سلمان أمس (في المقابلة مع فوكس نيوز) يعزز هذا الاعتقاد، وهذه ليست المرة الأولى".
ويضيف جلعاد أنّ "بن سلمان أوضح أنه في حال تقدّم إيران نحو سلاح نووي، فإن السعودية ستنتج سلاحاً نووياً، وكما هو معروف، فإنّ إيران اليوم دولة عتبة نووية".
ويقول جلعاد إنّ ما تطلبه السعودية مختلف عما هو الحال في دولة الإمارات، "حيث يوجد مفاعل (نووي) للكهرباء، لكن لا يوجد خطر لاستخدامه لاحتياجات عسكرية، إذ إنّ كل شيء مشبوه أو إشكالي يدخل هناك، يجري إخراجه تحت رقابة مشددة. لا يوجد لديهم تخصيب ذاتي (لليورانيوم). عندما يصبح بإمكانك التخصيب بشكل مستقل، كما يريد السعوديون، عندها، حتى ولو كان هناك إشراف، يمكن التخلّص منه مثلما قامت إيران بخفض ثلث عدد المراقبين (..)".
ويتابع: "المشكلة لا تكمن في امتلاك السعودية القدرة على إنتاج الكهرباء، ولكنهم يريدون أن تكون لديهم القدرة، وبشكل مستقل، على التقدّم نحو سلاح نووي في حال فعلت إيران ذلك. إذا قامت السعودية بهذه الخطوة، فإن تركيا ومصر ستفعلان ذلك أيضاً، وعندها ستفقد إسرائيل صورتها كقوة هائلة، وسيكون هناك سباق تسلّح نووي".
ثمن باهظ
بدوره، يقول البروفيسور أستاذ التاريخ في قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة بار إيلان، يهوشاع طيطيلباوم، إنه "توجد لدى السعوديين منذ سنوات برامج أبحاث، ويحاولون منذ سنوات تحويل أنفسهم إلى قوة شرق أوسطية مثل إسرائيل وإيران. إنهم مهتمون بالحصول على سلاح استراتيجي، وتحقيق صورة دولة قوية تحترم نفسها. هذا هو الجزء الإشكالي لكل من إسرائيل والولايات المتحدة.. سباق التسلّح النووي"، مشيراً إلى أن هذا يضع إسرائيل في موقف غير مريح، لأنها تريد حقاً التطبيع مع المملكة العربية السعودية، لكن الثمن الذي يطلبه السعوديون مرتفع جداً.
ويضيف: "إن مطالب السعوديين من الأميركيين أكثر من مطالبهم منا (أي من إسرائيل)، وهي سلاح نووي، وتحالف دفاعي لم يكن لديهم من قبل، والحصول على الأسلحة بسرعة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) نفسها، من دون المرور عبر أروقة الجحيم في الكونغرس".
كذلك، يشير الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي إلداد شابيط، بشأن المطالب السعودية وتأثيرها على إسرائيل، إلى "وجود تقديرات بأن منح الموافقة الأميركية للسعودية لتخصيب اليورانيوم على أراضيها بشكل كامل، يفتح باباً (جديداً). أعتقد أنه حتى اليوم أصرّت الولايات المتحدة وإسرائيل على ألا تكون هناك قدرة مستقلة على التخصيب على أراضي الدول العربية الإسلامية، ولهذا السبب نكافح أمام إيران. إذا حدث ذلك في السعودية، أعتقد أنّ الصراع برمته ضد إيران سيفقد شرعيته. التطبيع بين إسرائيل والسعودية مهم على المستوى الاستراتيجي، لكن الثمن باهظ".
واشنطن تسير في الاتجاه المعاكس
إلى ذلك، عمّم رئيس معهد ميسغاف لشؤون الأمن القومي (الإسرائيلي) ورئيس هيئة الأمن القومي سابقاً مائير بن شبات، بياناً، تعليقاً على تصريحات بن سلمان، يقول فيه: "من وجهة النظر الإسرائيلية، الرد المثالي على المطلب السعودي بالحصول على قدرات نووية، الذي يجب على الرئيس الأميركي جو بايدن طرحه، هو تحديد المعادلة التالية: السعودية لن تمتلك هذه القدرات كما لن تمتلكها إيران. بمعنى أنه بدلاً من تزوّد السعودية بهذه القدرات من أجل سد الفجوات بينها وبين إيران، ستعمل الولايات المتحدة على تقليص القدرة الإيرانية على تهديد دول المنطقة".
ويعتبر أن "هذا الرد لا يطمئن السعودية فحسب، بل سيمنع أيضاً انطلاق سباق نووي في الشرق الأوسط، وسيرسل رسالة واضحة بالنسبة للمعايير الدولية التي يجب الحفاظ عليها في المجال النووي".
ويضيف بن شبات أن "إدارة بايدن سارت حتى الآن في الاتجاه المعاكس، ولا يمكن توقّع أنها ستقوم بمثل هذا التغيير الكبير. يمكن الترجيح أن المقترحات التي ستُطرح في هذا الشأن سترتكز على الإجراءات المطلوبة من أجل السماح للولايات المتحدة بالسيطرة على هذا الأمر، من أجل منع تحوّل البرنامج النووي السعودي إلى مشروع عسكري".
ويشير إلى أن تحالفاً دفاعياً بين السعودية والولايات المتحدة قد يضع المزيد من القيود على ذلك، على ضوء الشرعية التي سيمنحها هذا التحالف لواشنطن بانتقاد الخطوات السعودية.