توفي القيادي في حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" عبد الواحد الراضي، اليوم الأحد، عن عمر ناهز 88 عاما، الذي كان يوصف بـ"شيخ البرلمانيين" المغاربة، لأنه لم يغادر مجلس النواب منذ انتخابه لأول مرة في العام 1963، وكان شاهد عيان على أحداث سياسية محلية ودولية منذ ستينيات القرن الماضي.
وأدخل الراضي، الذي تقلد مناصب حزبية وحكومية رفيعة، قبل أيام إلى إحدى المصحات الخاصة بالعاصمة الفرنسية باريس، وذلك بعد تدهور وضعه الصحي بسبب مضاعفات داء عضال.
أبصر الراضي النور في مدينة سلا المحاذية للعاصمة الرباط في العام 1935، وتابع فيها دراسته الابتدائية قبل الانتقال إلى الرباط، حيث أنهى دراسته الثانوية بالحصول على شهادة البكالوريا، وإلى فرنسا حيث التحق بجامعة السوربون.
ولج الراضي عالم السياسة في سن يافعة، حيث انخرط في الحركة الوطنية من أجل استقلال البلاد من نير الاستعمار الفرنسي، قبل أن يلتحق بحزب "الاستقلال" (أعرق الأحزاب المغربية)، الذي سيجد نفسه مضطرا إلى مغادرته في عام 1959، لتأسيس حزب " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، إثر انشقاق التيار اليساري.
تبوأ الراحل موقعا متقدما داخل الحزب الجديد، حيث تم في عام 1962 انتخابه عضوا في المجلس الوطني لـ"الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، قبل أن يحظى بعضوية المكتب السياسي لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" (غير اسمه في المؤتمر الاستثنائي عام 1975 من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) في عام 1989. وشكل انتخابه في 2003 نائبا للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ومن بعد كاتبا أولا للحزب في عام 2008 نقلة نوعية في مساره السياسي.
وخلال جميع المنعطفات التي مر بها الحزب اليساري في السنوات الماضية، كان الراضي جزءاً من الحل لما كان يمتلكه من قدرات حسن إدارة المواقف الصعبة وقدرة الوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف داخل الحزب.
يوصف الراحل بأنه واحد من رجالات الدولة المغربية الذين تحملوا مسؤوليات وزارية بعضها دقيق وحساس مثل وزارة العدل في العام 2007، وكذا ترأسه مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان بالمغرب لأكثر من ولاية. لكن الصفة الأبرز التي التصقت بمساره لسنوات، تبقى هي "رجل القصر في الاتحاد (الحزب) ورجل الاتحاد في القصر"، بفضل العلاقة الطيبة التي كانت تجمعه مع العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، وجعلته يلعب دور الوسيط بين طرفين مهمين آنذاك في المعادلة السياسية في المغرب، ملك البلاد وأكبر حزب سياسي معارض.
عن هذه العلاقة يقول في مذكراته "المغرب الذي عشته" الصادرة في 2017، إنه لم يكن يحتاج في التواصل مع الملك إلى وسطاء أو مستشارين، وأنه عين له شخصا مقربا من حياته اليومية، داخل القصر الملكي لصيقا ببرنامج التنقلات الملكية، و"هكذا أصبحت على اتصال مباشر بجلالة الملك، كلما دعت مهامي إلى الاتصال به، أتصل وأعرف مكان وجوده، في الرباط أو الصخيرات أو فاس أو مراكش أو الدار البيضاء، فألتحق به حاملا ملفاتي".
وخلال مساره السياسي، تحول الراضي إلى ظاهرة سياسية فريدة من نوعها بعد أن بقي يحوز ثقة الناخبين بنفس دائرته الانتخابية لأكثر من خمسة عقود، إذ لم يهزم منذ ولوجه في العام 1963 إلى البرلمان المغربي كأصغر نائب في تاريخ المغرب، في أي استحقاقات تشريعية آخرها انتخابات الثامن من سبتمبر/ أيلول 2021، حيث انتخب لولاية برلمانية جديدة للمرة الحادية عشر على التوالي بدائرة سيدي سليمان (غرب المغرب).