وقائع الحرب الأوكرانية، بعد مرور 18 شهراً، لا تبشر بأن السلام على الأبواب. أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، يزيدان من جرعات دعم كييف لتعميق ورطات الكرملين.
بعد أيام من بداية الغزو الروسي (24 فبراير/ شباط 2022)، تعالت أصوات روسية تهدد بالنووي، بينما كان الغرب منشغلاً بخطط خنق موسكو وتكسير رماح أهدافها، التي يعتقدون بعمق أنها ستتجاوز أوكرانيا إذا سُمح للكرملين بالفوز بحرب خاطفة، وتحويلها إلى بيلاروسيا ثانية. الواقع يقول إن شوارع أوكرانيا لم تستقبل بالورود "المحرر" الروسي. على العكس من ذلك، تكبدت القوات العسكرية الروسية إهانات غير مسبوقة سوى في هزيمة السوفييت في "حرب الشتاء" الفنلندية. وعملياً قفز الغرب عن ضجيج السلاح النووي وكثير من الخطوط الحمراء، منخرطاً أكثر في الحرب.
اليوم بات معروفاً التطور المتدرج في التسليح الغربي (حتى أف 16 وغيرها من أسلحة غير معلنة)، المساهم في صمود كييف حتى الآن، وفي محاصرة أهداف موسكو الكبيرة من الغزو. القصة الأكثر إيلاماً لروسيا بوتين، إلى جانب أن الاقتصاد بدأ فعلياً يعاني، أن تلك "العملية الخاصة" باتت على أبواب موسكو، وقرب حدود دول البلطيق، وعلى بعد نحو 700 كيلومتر من جبهات القتال.
يدعي الغرب، علناً، وعلى رأسه واشنطن، أنه لا يشجع كييف على استهداف الأراضي الروسية. وتلك قضية أخرى من قضايا التدرج وعمق معضلة الكرملين في الإصرار على خطاب دون "الحرب" أمام جمهوره، الذي يشاهد تدرج الاستهدافات. فليست القرم، التي ضمتها روسيا بصورة غير قانونية في 2014، وحدها التي تُستهدف، ولا حتى الأراضي التي ضُمت أخيراً، بل ثمة مؤشرات متزايدة إلى نقل الحرب إلى داخل روسيا.
في الأروقة المتابعة لمجريات الحرب يشيعون أنها تحركات تستهدف جلب موسكو إلى المفاوضات بشروط تضعفها أكثر. بينما في موسكو يشيعون أيضاً أنهم يستهدفون مفاوضات سلام، عبر تكثيف القصف العشوائي لبنى تحتية مدنية أوكرانية، كتعبير آخر عن إحباط متزايد.
في كل الأحوال، وبعد استمرار الحرب كل هذه الأشهر، يمكن ملاحظة أن إضعاف روسيا يتخذ أوضاعاً لم تكن ربما في حسبان مغامرة السيطرة على أوكرانيا في أسبوع. فمن بحر البلطيق إلى القطب الشمالي أجرى الغرب تغييراً توسعياً غير هين، حيث التحشيدات تفيد أيضاً بأن لا عودة إلى توزع السيطرة التي كانت فيها الغلبة لروسيا.