كشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن الاتصالات ما زالت مستمرة لتضمين قضية سد النهضة، ضمن ما يستجد نظره من أعمال معروضة على مجلس الأمن خلال الأسبوعين المقبلين (النصف الأول من يوليو/ تموز) بعدما فشلت المساعي المشتركة مع الولايات المتحدة وتونس والنرويج وفيتنام لتخصيص جلسة على جدول أعمال المجلس الشهري لمناقشة الشكوى السودانية المدعومة من مصر ضد إثيوبيا بشأن السد.
بالتزامن مع ذلك، حضر سد النهضة بقوة في احتفال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بافتتاح قاعدة 3 يوليو البحرية العسكرية أمس السبت، في غرب الساحل الشمالي المصري. فقد تحدث مقدم الاحتفالات العسكرية، العقيد ياسر وهبة عن "استعداد مصر للقتال إذا فُرض عليها"، وذلك للدفاع عن مقدراتها، مع الإشارة إلى قضية المياه وسد النهضة، مع تعثر استئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق شامل وملزم بشأن السد. وألقى وهبة بعض الأبيات من قصيدة "مصر تتحدث عن نفسها" للشاعر حافظ إبراهيم، فبعد بيت "كم بغت دولة علي وجارت... ثم زالت وتلك عقبى التعدي"، قال: "أَمِنَ العدل أنهم يردون الماء صفواً... وأن يُكدَّرَ وِرْدي"، ثم أجاب "لا والله لن يكدر وردي"، في إشارة إلى أن القاهرة لن تفرط بحقوقها المائية.
حضر سد النهضة في احتفال السيسي بافتتاح قاعدة 3 يوليو البحرية العسكرية أمس
وحضر الحفل رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي يقضي عطلة طويلة في مدينة العلمين المصرية حالياً بصحبة عدد من مساعديه، في زيارة فسّرتها مصادر حكومية على أنها "محاولة لتحسين العلاقات بالسيسي بعد توترها خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى العمل المشترك على تطوير العلاقات الثنائية والتنسيق في القضايا المشتركة. وكذلك لطرح حلول عاجلة لقضية سد النهضة، من بينها تأطير المبادرة الإماراتية السابق رفضها من مصر والسودان بشأن السد، وتقديم ضمانات عملية لقبول إثيوبيا بها كاملة، بما في ذلك العمل على التوصل إلى اتفاق ملزم".
وخلا جدول أعمال مجلس الأمن لشهر يوليو الحالي، والذي أعلنه في مؤتمر صحافي الخميس الماضي ممثل فرنسا نيكولاس دي ريفيير، الرئيس الحالي للمجلس، من أي ذكر لقضية سد النهضة، في الوقت الذي قال فيه دي ريفيير إنه "من المحتمل إضافة القضية لجدول الأعمال هذا الأسبوع". ولكنه في الوقت ذاته أوقف التفاؤل بإمكانية أن تسفر الجلسة عن أي موقف قوي إزاء إثيوبيا، إذ أعلن أن "ما يمكن للمجلس فعله هو دعوة مصر والسودان وإثيوبيا لاستئناف الحوار البناء"، مضيفاً أنّ "المجلس ليست لديه الخبرة الكافية للبت في قضايا المياه".
وتمثل تصريحات ممثل فرنسا موقفاً وسطاً، بين الموقف الأميركي الذي يؤيد عقد الجلسة وإصدار "بيان"، وليس قراراً، يدعو إثيوبيا إلى احترام القانون الدولي واتفاق المبادئ المبرم بين الأطراف الثلاثة في مارس/ آذار 2015، والقواعد الدولية ذات الصلة، وبين الموقف الصيني والروسي الذي يرفض عقد الجلسة من الأساس حتى لا تمثل سابقة في نظر نزاعات المياه التي تتعدّد في وجه الدولتين من دول أخرى مشاطئة للأنهار المارة في الدولتين.
خلا جدول أعمال مجلس الأمن لشهر يوليو الحالي من أي ذكر لقضية سد النهضة
وكشفت المصادر أن الأمانة العامة للأمم المتحدة أعدّت بعض التقارير القانونية عن الموقف السياسي بين الدول الثلاث، على ضوء الخطابات والشكاوى الواردة منها، ومدى صلاحية نظر النزاع على ضوء ميثاق الأمم المتحدة والمواد التي تطلب مصر والسودان الاحتكام إليها من الميثاق، وعلى رأسها المواد من 33 إلى 35 والخاصة بتنبيه الأمم المتحدة لتفعيل دورها في حالة احتمال المساس بالسلم والأمن الدوليين. وانتهت الأمانة إلى أن الوضع الحالي بين الدول الثلاث لا يرقى إلى اعتباره نزاعاً منذراً بالاحتكاك حتى الآن، وأنه من الممكن حلّه بسبل الوساطة الدولية الطبيعية والاتفاق الثلاثي بين الأطراف.
وذكرت المصادر أن التقارير القانونية في الأمم المتحدة أكدت أيضاً عدم انطباق الفصل السابع من الميثاق على القضية، لأنّ مصر والسودان يتحدثان في الشكاوى عن الأضرار المحتمل حدوثها وليس الأضرار التي وقعت بالفعل، وهو ما تردّ عليه إثيوبيا في خطاباتها بصورة مستفيضة تنفي حدوث تلك الأضرار. وبالتالي، فلا يستطيع المجلس تفعيل العمل بمواد هذا الفصل، التي تمكنه من إصدار قرارات ملزمة بوقف العدوان أو الأعمال الضارة.
انتهى تقرير للأمانة العامة للأمم المتحدة إلى أن الوضع الحالي بين الدول الثلاث لا يرقى إلى اعتباره نزاعاً منذراً بالاحتكاك
واستطاعت إثيوبيا، مدعومة من الاتحاد الأفريقي ودول أعضاء بمجلس الأمن صيف العام الماضي، كالصين وجنوب أفريقيا، إبقاء النزاع محصوراً تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، بحجة أن المنظمات القارية هي الأجدر بنظر النزاعات الداخلية. لكن مصر تسعى، مدعومة من الولايات المتحدة والدول العربية، لطرح مشروع قرار يتضمن ثلاثة أقسام؛ الأول يؤكد دعوة كل من مصر وإثيوبيا والسودان إلى استئناف المفاوضات الفنية للتوصل إلى اتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة بشكل مستدام يضمن مصالح الجميع ويمنع إلحاق الضرر بأي طرف، والقسم الثاني يتضمن دعوة الدول إلى الالتزام بمبادئ القانون الدولي في حماية الحقوق المائية لجميع الدول المشاطئة للنيل الأزرق وأن يكون الاتفاق منظماً لآلية دائمة لفض النزاعات التي قد تنشأ بين الأطراف. أما القسم الثالث، فيدعو جميع الأطراف - والمقصود بذلك إثيوبيا بالطبع - إلى عدم اتخاذ أي خطوات أحادية الجانب بشأن السد إلا بعد التوصل إلى اتفاق.
وحذرت المصادر من أن الاكتفاء بالرهان على تدخل مجلس الأمن في القضية سيتسبب في فشل جديد مماثل لما حدث العام الماضي، بفقدان الأوراق الدبلوماسية للضغط، والعودة للاكتفاء بالاتحاد الأفريقي غير المتعاطف مع مطالب مصر، وهو ما يتسبب في حالة من التشاؤم بين المفاوضين واللجان الفنية بوزارة الري المصرية، وكذلك بين المستشارين والخبراء الذين يعدّون تقارير الموقف المصري في الإطار القانوني، والذين باتوا متأكدين من أن "إثيوبيا ترغب بشتى السبل في التهرب من أمرين اثنين: أن يكون الاتفاق إلزامياً لها، وأن يتضمن الاتفاق بنداً ينظم فض المنازعات باللجوء للتحكيم الدولي أو الإقليمي.