رفض الرئيس التونسي قيس سعيّد، تعديلات صادق عليها البرلمان تخص المحكمة الدستورية وانتخاب أعضائها، بأغلبية يمكن تحصيلها (131 صوتاً بعد أن كانت 145)، خصوصاً أن الطبقة السياسية فشلت طيلة السنوات الماضية في استكمالها.
ولم يكن رفض الرئيس التونسي مفاجئاً ولا غريباً، وإنما كان منتظراً. فقد سبق أن رفض استقبال وزراء لأداء اليمين بعد منحهم الثقة بأغلبية مهمة في البرلمان. وعلل سعيّد لجوءه إلى حق الرد الذي يكفله له الدستور، بجملة من الحجج القانونية، أهمها تلك المتصلة بالآجال الدستورية، فضلاً عن عناصر قانونية أخرى متصلة بما شهدته تونس منذ وضع الدستور إلى اليوم. وشدد سعيّد، بحسب بيان للرئاسة، "على ضرورة احترام كل أحكام الدستور بعيداً عن أي تأويل غير علمي، بل وغير بريء".
ويستوقف مصطلح البراءة كل من قرأ البيان، خصوصاً أننا أمام قضية قانونية ودستورية خالصة، لا دخل للقياسات العاطفية والمصطلحات الأخلاقية فيها، ولكنها تُبيّن كيف يُدار الشأن السياسي في تونس، ولماذا يصاب بهذه الأمراض. يرى البعض أن سعيّد قد يكون محقاً مبدئياً في رفضه للتعديلات، لأن المحكمة الدستورية تحتاج بالفعل أغلبية تشكلها كتل عديدة متنافسة، بما يعني أن أعضاءها لن يرقى إليهم شك، ولا تنتخبهم أغلبية حاكمة ومتحالفة يمكنها نظرياً التأثير فيهم، ولكنه لا يمكن أن يُبعد عن نفسه تهمة التعطيل، برغم أنه يتبرأ من ذلك. فقد رفض أداء اليمين للوزراء وعطّل الحكومة، وعطّل الحوار الوطني لأشهر، قبل أن يوافق على ذلك على مضض، وها هو يعطل اليوم المحكمة الدستورية.
ولكن سعيّد يُعبر بطرق متعددة عن أنه لا يثق في أطراف تبادله نفس الإحساس، تماماً كما كان الرئيسان اللذان سبقاه (الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي) ورئيسا الحكومة السابقان (يوسف الشاهد وحمادي الجبالي) ورئيسا البرلمان الأسبقان (محمد الناصر ومصطفى بن جعفر). وهو ما يعني أن مناخ انعدام الثقة بين مؤسسات الحكم في تونس متأصل، وله أسباب جوهرية تتعلق بالنظام السياسي وتقسيم السلطة وأسلوب إدارة الحكم، رغم أن للجانب الشخصي حيّزا كبيرا في هذه الخلافات، وأن نهٓم الحكم وجوع السلطة يؤثران في هذا الصراع المتواصل وبنسبة كبيرة. وفي الأثناء تشتعل كل الأضواء الحمراء في البنك المركزي، مهددة بأيام صعبة على شعب ملّ من خلافات الساسة، ولا تهمه كثيراً فصول القوانين إذا أقفلت مدارس أبنائه وارتفعت تكاليف الحياة.