يتعامل العراقيون مع قضية استمرار المسؤولين لأكثر من 10 سنوات في مناصبهم، على أنها واحد من أوجه الفساد المستشري في البلاد، التي أفرزتها المحاصصة الطائفية والحزبية بالعملية السياسية منذ عام 2003.
ورغم وجود قرار نافذ في البلاد منذ عام 2015، يحدد مدة بقاء المسؤول في منصبه لأكثر من أربع سنوات، بدرجات مدير ومدير عام ورئيس هيئة ومسؤول قسم، إلا أن الكثير منهم ما زالوا في مناصبهم منذ أكثر من 10 سنوات.
وعلى غرار توزيع المناصب الوزارية في بغداد، فإن المديريات العامة والمؤسسات الخدمية والحكومية المختلفة في المحافظات العراقية الأخرى تخضع للمحاصصة أيضاً بين الأحزاب، وبشكل لا يختلف كثيراً عن قواعد التقسيم الجارية في بغداد.
ويقول عضو التيار المدني في بغداد، أحمد حقي، إن "مكوث المديرين العامين ورؤساء الوحدات الإدارية سنوات طويلة دون تغيير يعتبر أحد وجوه الفساد والتحاصص الحزبي والطائفي، الذي ينتج منه تحوّل تلك الأقسام أو المديريات إلى مقاطعات عائلية"، مشيراً إلى أن "القوانين في العراق تطبق بشكل مزاجي".
ويضيف أن "بعض المسؤولين مضى على وجودهم أكثر من 10 سنوات في مناصبهم، رغم شكاوى فساد وتعثر في المؤسسات التي يديرونها، وبالعكس قاموا بتوظيف أقرباءهم وحوّلوا المؤسسة أو الدائرة إلى مقاطعة عائلية".
ويؤكد حقي أن "أحد أسباب تظاهرات جنوبي العراق، تحوّل الكثير من الدوائر إلى واجهات حزبية وعائلية، ورُفعت شعارات تطالب بتغييرهم، لكن لم يتحقق ما طالب به المتظاهرون".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، أقرت السلطات العراقية قراراً بإعفاء أي مسؤول في الدولة مضى على وجوده في المنصب أربع سنوات، وأُعفي عدد قليل من وكلاء الوزارات والمديرين العامين والمستشارين، لكن ذلك لم يستمر أكثر من بضعة أشهر قبل أن يتلاشى تنفيذ القرار.
وتُعَدّ الأنبار وبابل والبصرة إلى جانب بغداد من أعلى المدن التي تتصدر ظاهرة ما بات يطلق عليها في العراق بـ"المسؤول القديم"، حيث هناك من يشغل منصبه مذ ما يزيد على 12 عاماً دون تغيير في تلك المحافظات.
وأكد محافظ النجف ماجد الوائلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنهم يعملون على "دعم المديرين الذين تثبت نزاهتهم وكفاءتهم، وبالمقابل نقوم بإبعاد أي مدير أو مسؤول محلي لا يكون عمله بالمستوى المطلوب".
ويضيف الوائلي: "لا نعمل وفقاً للمزاجيات الحزبية. ندير المحافظة ودوائرها إدارياً، وغير مهتمين لأي ضغط حزبي، لا يوجد لدينا بالمحافظة مدير استمر بمنصبه لأكثر من أربع سنوات، وإن وصل أحدهم إلى هذه الفترة، فإننا سنغيره لهذا السبب".
بالمقابل، أكد عضو مجلس محافظة نينوى السابق محمد الحديدي، أن "التوافقات الحزبية حاضرة في تجاوز القوانين أو تطويعها".
ويضيف الحديدي لـ"العربي الجديد" أن "تطبيق القانون الذي يلزم عدم بقاء مسؤول في مكانه لأكثر من أربع سنوات كفيل ليس بوقف الفساد والترهل فقط، بل في كشف ملفات فساد سابقة أيضاً".
وأكد الخبير بالشأن السياسي العراقي علي الزيادي لـ"العربي الجديد"، وجود وكلاء ومديرين عامين في مناصبهم منذ 2004 وما زالوا لغاية الآن، أي فترة تقترب من 20 عاماً.
ويوضح أن "من يستمر بمنصبه على طول هذه الفترة ضارباً لقرارات مجلس الوزراء أو الجهات الحكومية العليا، هو بالتأكيد مدعوم حزبياً، فإن تقاسم المناصب بين الأحزاب جعل بعض المسؤولين دائمي البقاء في مناصبهم".
ويواصل الزيادي: "كذلك هنالك عامل مهم لبقاء بعض هؤلاء، وهو عامل الفساد المالي. فبعضهم يبقى في منصبه بطريقة شبهات الفساد ودفع الأموال لمسؤولين كبار في الدولة"، معتبراً أن "بعض المسؤولين يدفعون للبقاء في مناصبهم أيضاً".
ويتحدث أعضاء في مجلس النواب العراقي عن ضرورة تحديد هذه الشروط بالمناصب الحكومية الخاصة.
بدوره، قال النائب في البرلمان، حيدر الجبوري لـ"العربي الجديد"، إنه لا بد من تشريع قانون يحدد شروط شغل المناصب الخاصة، ومن بينها مناصب المديرين العامين، فلا يمكن أن يبقى المديرون لسنوات دون سقف، ولا يمكن أن يغير مسؤول بفترة قصيرة دون منحه فترة مناسبة لإثبات عمله.
ويضيف: "على الرغم من أننا ضد بقاء المسؤولين لفترات طويلة يشغلون مناصبهم، إلا أن هنالك شيئاً إيجابياً قد يكون حين يكسب هذا المسؤول خبرة وكفاءة ودراية بعمله تمكنه من إدارة عمله بشكل سلس ومتميز، لكن بالتأكيد هذا لا ينطبق على الجميع، ومن هنا نؤكد مرة أخرى أن الأهم من كل هذا مواصفات المسؤول قبل اختياره للمنصب".
وقال مدير عام سابق أُعفي من منصبه عام 2015 بعد أن نفذ قرار مجلس الوزراء حينها إن القرار كان خاطئاً، فقد أُعفي الأكفياء وأُبقي على من لا يملك الخبرة.
المدير الذي كان يشغل منصب مدير عام للصحة في إحدى المحافظات، رفض ذكر اسمه، تحدث لـ"العربي الجديد"، قائلاً إنه "على الرغم من عدم وجود أي خلل في عملنا أو شبهة فساد، لكن صدر قرار غير مدروس عن مجلس الوزراء تضمن إعفاء من مضى على وجوده بالمنصب أربع سنوات، وأبعدنا أنا ومجموعة من المسؤولين".
وأوضح أن "أغلب من أُعفوا حينها هم مسؤولون ثبتت نزاهتهم وأداروا مؤسساتهم بشكل مهني وكفاءة وخبرة، وكل تلك الدوائر بعدهم شغل إدارتها أشخاص غير أكفياء، وتراجع أداؤها، وهذا دليل واضح على عدم صحة القرار، ولم يكن مسبوقاً بدراسة أو تخطيط، بل كان انفعالياً".