شهدت محافظة إدلب في الشمال الغربي من سورية، الجمعة، تحركاً عسكرياً محدوداً من قبل "هيئة تحرير الشام"، باتجاه مقار ومراكز لـ "حركة أحرار الشام الإسلامية"، وذلك دعماً للجناح العسكري داخل الحركة والموالي للهيئة، الساعي إلى تغيير قيادة هذه الحركة المحسوبة على فصائل المعارضة السورية التي تُوصف بـ "المعتدلة"، بينما ترجح مصادر أن تفضي خلافات متصاعدة إلى انقسام هذه الحركة التي كانت من أبرز الفصائل المواجهة لقوات النظام قبل أن يتقلص دورها على يد "تحرير الشام" إلى الحد الأدنى.
وأشارت مصادر داخل الحركة إلى أن هناك مؤشرات على نيّة "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) اقتحام مقار الحركة في مدن عدة وبلدات داخل محافظة إدلب، لدعم القائد السابق لـ"أحرار الشام" حسن صوفان (40 عاماً) والذي، كما يبدو، يقود تحركاً لإزاحة مجلس شورى الحركة الحالي الذي يترأسه جابر علي باشا.
وذكرت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أن عناصر تابعين للجناح العسكري في "أحرار الشام"، ولـ"هيئة تحرير الشام" حاصروا بالفعل أكبر مقرّين للحركة في مدينة أريحا وفي بلدة كفريا، مشيرة إلى أنه "لم يحدث حتى اللحظة أي اشتباك بين الجانبين"، مضيفة: "ولكن أُخليت المقار من المقاتلين ولم يبقَ سوى الحراس".
وكان الخلاف داخل الحركة قد طفا على السطح الثلاثاء الفائت، بعد أن أعفى مجلس شورى الحركة بقيادة جابر علي باشا، قائد الجناح العسكري للحركة، النقيب عناد الدرويش (المعروف بـ"أبو المنذر)، ونائبه (أبو صهيب) من مهامهما، بعد بيان أصدره الدرويش ومجموعة من القادة العسكريين في الحركة، دعوا فيه إلى إعادة القائد السابق حسن صوفان إلى منصبه وإعفاء علي باشا، الذي اعتبر هذا البيان بمثابة "انقلاب"، وفق مصادر مطلعة مقربة من الحركة.
ورجّحت مصادر مطلعة أن تؤدي الخلافات المتصاعدة إلى انشطار "حركة أحرار الشام" إلى قسمين "الأول يقوده حسن صوفان متماهٍ تماماً مع "هيئة تحرير الشام" التي تحاول تشكيل مجلس عسكري في شمال غربي سورية، يضمها مع الحركة و"فيلق الشام"؛ والثاني يقوده جابر علي باشا، ينتقل إلى منطقة غصن الزيتون التي تضم مدينة عفرين وريفها في شمال غربي حلب"، وفق المصادر.
إلى ذلك، قال قائد "حركة تحرير الشام" جابر علي باشا في بيان صدر الجمعة، إن الحركة تلقت "طعنة جديدة ممن كانوا يحسبون يوماً من أبنائها وتولوا مناصب قيادية فيها"، في إشارة واضحة إلى القائد السابق حسن صوفان، مشيراً إلى أن هؤلاء "يتقدمون أرتالاً لهيئة تحرير الشام للسيطرة على مقار الحركة".
وكان صوفان قد ترأس مجلس شورى الحركة في عام 2017، بعد خروجه من سجن "صيدنايا" أبرز سجون النظام، بعد اعتقال دام 12 عاماً.
من جانبه، اتهم أبو عزام سراقب، أحد أعضاء مجلس الشورى في حركة "أحرار الشام"، القائد السابق للحركة حسن صوفان بـ "الخيانة"، مشيراً في تغريدة له عبر "تويتر"، إلى أن من دعاه "المجرم حسن صوفان وحذاءه أبو المنذر"، خرجا بـ "أرتال مع هيئة تحرير الشام وقاموا بمهاجمة مقار حركة أحرار الشام التي قدمت آلاف الشهداء، وسيطروا عليها في مسلسل جديد من مسلسلات البغي والإجرام".
وكان أبو عزام قد أكد الثلاثاء الفائت أن قيادة "أحرار الشام"، "رفضت التبعية الكاملة لمشروع الجولاني (قائد هيئة تحرير الشام)"، متهماً صوفان بمحاولة جر الحركة "باتجاه التبعية المطلقة للجولاني وبطرق غير شرعية، بعد وعود تلقاها منه تشمل التمثيل السياسي في الخارج".
إلى ذلك، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات عبد الوهاب العاصي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن جهود الجولاني "تنصب باتجاه دعم انقلاب داخل حركة أحرار الشام، يؤدي إلى تولي قيادة جديدة موالية له"، معرباً عن اعتقاده بأن الجولاني "لا يعمل على تفكيك أحرار الشام، لأن ذلك يضعف جهوده في إطلاق مشروع جديد لإعادة إنتاج الهيئة، في محاولة للهروب من مطالبات إقليمية ودولية بحلها". وأشار العاصي إلى أن قيادة حركة احرار الشام "تبحث عن خيارات لدعم موقفها العسكري"، معرباً عن اعتقاده بأن لجوء هذه القيادة إلى "الجيش الوطني" المسيطر على ريف حلب الشمالي "غير مستبعد".
وأشار إلى أن موقف "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم فصائل المعارضة السورية في إدلب "سلبي وضعيف"، وفق العاصي.
وكانت "أحرار الشام"، التي ينتشر مقاتلوها في بعض مناطق محافظة إدلب، ولا سيما في مدينة أريحا وبلدة بنش ومنطقة جبل الزاوية، وفي أجزاء من جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، قد دخلت بأكثر من نزاع دموي مع "تحرير الشام"، لا سيما عامي 2017 و2019، ما أدى إلى فرض الأخيرة هيمنتها العسكرية على الشمال الغربي من سورية، وتحجيم دور الحركة إلى الحدود الدنيا.
ونشأت "أحرار الشام" الإسلامية أواخر عام 2011، من اندماج أربعة فصائل، هي: جماعة "الطليعة الإسلامية"، حركة "الفجر الإسلامية"، "كتائب الإيمان المقاتلة"، إضافة إلى "أحرار الشام". وكانت من أبرز الفصائل التي واجهت قوات النظام في أغلب المناطق السورية، قبل أن تتعرض لنكسة كبرى في عام 2014، حين قُتل قائدها وأحد أبرز مؤسسيها، وهو حسان عبود وشقيقاه، مع أكثر من 45 قيادياً آخرين في سبتمبر/ أيلول 2014، كانوا في اجتماع لمجلس شورى الحركة في بلدة رام حمدان، بريف إدلب، شمالي سورية، في تفجير لا يزال يلفه الغموض.