يسود الرفض موقف الأطراف السياسية الأساسية حيال مبادرة المبعوث الأممي الى ليبيا، عبد الله باتيلي، سواء الرفض الصريح من قبل مجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه أو الضمني من قبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومجلس الدولة وحكومة الوحدة الوطنية، اللذين التزما الصمت حتى الآن، فيما اقتصر الترحيب بها على القوى السياسية الأخرى، وهي الأحزاب والتكتلات الحزبية التي لا تشكل أي نسبة في قوة الحكام المتصارعين في المشهد اليوم.
وتنص مبادرة باتيلي، التي تلاها أمام مجلس الأمن الدولي اثناء تقديمه لإحاطته مساء الاثنين الماضي، على تشكيل لجنة حوار سياسي جديدة مهمتها إعداد الأساس الدستوري للانتخابات وخريطة طريق وفق جدول زمني لعقد الانتخابات في العام الحالي. ويشير باتيلي إلى أنه استند في ذلك إلى المادة 64 من اتفاق الصخيرات (في المغرب، الموقّع في عام 2015)، وهي السند القانوني الذي وجد مجلس النواب فيه حجته لمهاجمة المبادرة.
فالمادة المعنية تنص على امكانية انعقاد لجنة الحوار "استثناء، بناء على طلب من أي طرف من أطراف الاتفاق للنظر فيما يعتقد أنه خرق جسيم لأحد بنوده"، وليس في مضمون هذه المادة ما يخول باتيلي أن يبني عليها مبادرته بتشكيل لجنة حوار جديدة.
وبنى مجلس النواب حجته على أن الاتفاق السياسي تم توقيعه والتفاوض فيه بين مجلسي النواب والدولة، وعليه فهما أصحاب الحق في دعوة لجنة الحوار للانعقاد مجدداً. كما أن نص المادة لا يشير إلى تشكيل لجنة جديدة بل دعوة لجنة الحوار القديمة التي انتهت إلى توقيع الاتفاق في الصخيرات.
ومن نافل القول إن حجج مجلس النواب في بيانه لا تهدف إلى التنبيه على البناء القانوني الصحيح لأي مسار سياسي، بقدر ما تهدف لعرقلته للبقاء في السلطة أكثر مدة، كما هو حال مجلس النواب وقرينه الآخر مجلس الدولة في كل المبادرات والمسارات السابقة.
لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن باتيلي وضع أولى بذور نقض أسس مبادرته القانونية من أول إعلانه عنها، ووأد بذلك آمال الكثير من القوى السياسية والمدنية والاجتماعية في تدخل دولي قوي، لإزاحة المتشبثين بالسلطة والرافضين مغادرتها وتحقيق أمل الانتخابات.
وهناك الكثير من الخطوات التي تنتظر باتيلي لوضع مبادرته في طور التنفيذ، وعدد أعضاء اللجنة الجديدة وكيفية توزيعها، وطريقة عملها ومكان اجتماعها وزمن عملها، والكثير من المراحل، وقبل كل ذلك إقناع أطراف دولية فاعلة بها، كروسيا التي أبدت تحفظها الأولي على المبادرة، لاستصدار قرار أممي من مجلس الأمن لتحصينها وجعلها نافذة، لكن كل هذا يبدو أنه سيواجه بضعف أساسها القانوني.
ويبدو أن صمت مجلس الدولة حتى الآن، بل وإعلان رئاسته عن عزمها على عقد جلسة اليوم الخميس، لمتابعة مناقشة تعديل الإعلان الدستوري المحال من مجلس النواب لتمريره، تقف وراءه درايتهم بالأرضية الهشة التي وقفت عليها مبادرة باتيلي وقدرتهم على نقضها بسهولة.
وعندها لا بد من العودة للتعاطي مع التعديل على الإعلان الدستوري الذي ارتبك باتيلي بشأنه، ففي حين نبه خلال إحاطته على مكامن الخلل فيه وعدم معالجته للكثير من القضايا الانتخابية، أقرّ ضمناً في ذات الحديث أن مجلسي النواب والدولة تقاربا بشكل كبير في التفاهم حوله، بل وأصدره مجلس النواب في الجريدة الرسمية، ما يجعله قريبا من النفاذ خصوصاً إذا نجح مجلس الدولة في تمريره.