في الأيام الأولى للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، التقت "العربي الجديد" رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، خالد مشعل، في إحدى المناسبات، فكان الرجل واثقاً من انتصار مقبل، واعداً كل المدافعين عن الحق الفلسطيني بمفاجآت كل يوم على طريق المقاومة، وهو ما حصل.
لذا كان لازماً قبل الدخول في هذا الحوار الشامل الذي ننشره على جزأين، اليوم وغداً، أن نهنئ بالانتصار الذي اعتبره مشعل "انتصاراً للأمة جميعها"، لكن التهنئة كانت مشوبة بالقلق والخوف من أن يتبدد الانتصار على وقع السجالات والتجاذبات التي نشبت فور توقف آلة الحرب.
في الجزء الأول من الحوار يدور الحديث عن الوضع الفلسطيني- الفلسطيني، إذ بدا مشعل مصمماً على أن صفحة الانقسام قد طويت، ومصرّاً على أن المقاومة هي الخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني.
يعبر خالد مشعل عن تألمه من تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التي تنتقد المقاومة، لكنه في الوقت ذاته يتمسك بأن لا عودة إلى الوراء مستدعياً وثيقة الوفاق الفلسطيني الموقعة في عام 2006.
ــ أين ذهبت حالة الاصطفاف الوطني التي عرفها الفلسطينيون طيلة 50 يوماً من العدوان؟ وهل صار من الضروري أن نكون في مرمى العدوان والحرب حتى نصنع حالة التوافق والاصطفاف الوطني؟
جميل هذا الاستهلال. هذا النصر ليس مجرد وعد أو توقع بقدر ما هو قائم على حسابات وعلى إعداد، وعلى تقدير دقيق للموقف مع إدراكنا للفجوة الكبيرة في ميزان القوى. ولكن بحسابات الشعوب التي لديها قضايا وطنية واختارت مسارات محددة، خاصة مسار المقاومة، وأعدت لها ما يلزمها، يستطيع أي قائد أو أي مجموعة وطنية أن تقدّر أن هناك فرصة للنصر وللصمود والثبات. لا نقول هنا الحسم النهائي للصراع، إنما هي محطة انتصار مهمة على طريق النصر والتحرر الوطني بإذن الله. الفضل قبل كل شيء لله، ثم إن هذا نصر للأمة كلها، وليس لغزة أو للشعب الفلسطيني وحده، فالأمة لها نصيب، وهي شريكة فيما وصلنا إليه. أما فيما يتعلق بالتوافق والاصطفاف الوطني، فلا شك أن هناك تباينات في الساحة الفلسطينية معروفة، لكن لاحظ معي أن هناك مساراً بُدئ به في المصالحة قبل الحرب، فليست الحرب فقط التي صنعت التقارب الفلسطيني.
ــ وجاءت الحرب فأكدت هذا المسار.
بمعنى أننا طوينا صفحة الانقسام. لقد شكلنا حكومة وفاق وطني، ووضعنا قطار المصالحة وبناء البيت الفلسطيني على السكة، وقطعنا شوطاً لا بأس به، ثم فاجأتنا الحرب التي فُرضت علينا. وخلال الحرب، قمنا بخطوات مهمة على طريق الوحدة الوطنية، سواء في الميدان حيث كان التنسيق بين كتائب المقاومة لكل التنظيمات. وفي اليوم التالي لانتهاء الحرب (الأربعاء الماضي) كان هناك بيان عسكري من كتائب المقاومة الفلسطينية، وليس من كتائب القسام وحدها على سبيل المثال.
أيضا التلاحم الشعبي بين كل القوى سياسياً وميدانياً وبين المسلمين والمسيحيين وبين الضفة وغزة وأراضي الـ48، يعني وحدة شعب ووحدة وطن ووحدة أرض ووحدة سياسية. أيضاً كان هناك وفد فلسطيني واحد يفاوض في القاهرة بصورة غير مباشرة للوصول إلى وقف إطلاق النار وتحقيق المطالب الفلسطينية. الآن بعد الحرب، نحن في حالة جديدة، قد تتباين القراءات فيها لما جرى، وتتباين الاجتهادات في ما هو مطلوب للمرحلة المقبلة. هذا صحيح، ولكن هذا لا يعني أننا عدنا إلى الوراء، فالتباينات نعالجها بالتواصل والحوار وتطبيق ما اتفقنا عليه في ملفات المصالحة بالقاهرة والدوحة، لنمضي في إنجازها حتى يكون هناك إن شاء الله بيت فلسطيني موحد. لذلك، عندما التقينا بالسلطة ورئاستها، هنا في الدوحة، توافقنا أن تبدأ حكومة الوفاق الوطني في تحمل مسؤولياتها ومهامها فوراً في قطاع غزة، كما هي في الضفة الغربية، فهي حكومة الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع على حد سواء. بالتالي، نحن نأمل أن نعزز هذه المسيرة، وإن كان ثمة تباينات أو خلافات فهذه تعالج بالحوار، ونتمنى من الجميع ألا يعود إلى التراشق الإعلامي، فصحيح أننا مختلفون في بعض المجالات، لكننا متفقون في مجالات أخرى، وتجمعنا قواسم مشتركة عديدة. لدينا قضية وطنية واحدة وأي قضية معلقة تعالج بالتفاهم والحوار والعمل على تحقيق ما اتفقنا عليه على الأرض.
ــ في الأيام الخمسين للعدوان، كان هناك تقارب في الخطاب بين حركتي فتح وحماس. الآن، بعد توقف الحرب، تعود التصريحات الصادرة عن الرئيس محمود عباس منذ يومين إلى توجيه انتقادات للمقاومة الفلسطينية، لحماس تحديداً في هذا التوقيت، والقول إنها كان من الممكن أن توفر ألفين من الشهداء الفلسطينيين لو أنها قبلت المبادرة.
بالتفسير الإنساني، من الطبيعي أن تكون درجة التقارب الوطني في المجتمعات خلال الأزمات، أكبر من حالها في السلم والرخاء، وكما قال (الشاعر أحمد) شوقي: إن المصائب تجمع المصابين. ولكن هذا لا يبرر لأي طرف فلسطيني، بعد أن تنقشع المعركة والأزمة، أن يعيد الناس إلى سابق العهد في التراشق والاتهامات أو في تباعد المواقف من دون مبرر، خصوصاً أن هناك اتفاقات تجمعنا وهناك مسؤوليات علينا جميعاً، على كل طرف أن يسارع إلى تحملها، وبالتالي لا مبرر للعودة إلى الوراء. أنا طبعاً متألم من أن تأتي هذه التصريحات، ولن نجاريها، فالدم الفلسطيني الذي أريق من شعبنا غالٍ.
ــ لكن عندما يكون الحديث عن اعتداءات نُفّذت ضد نشطاء من حركة فتح ومسؤولين فيها، وإطلاق رصاص على الأرجل، هذا يستحق على الأقل توضيحاً أو رداً.
التوضيح حصل ويحصل. كما ذكرت، كل طرف في جعبته الكثير من الردود والحجج التي يسوقها في إطار تبادل الاتهامات أو إثبات مصداقية موقفه. لكن الدماء الغالية التي أريقت في غزة (ألفا شهيد وأحد عشر ألف جريح)، وهذه المعركة البطولية التي رفعت رأس الأمة لا يليق بها أن يكون ممثلو الشعب الفلسطيني من جميع الفرقاء أقل من مستوى هذه المعركة.
لذلك أقول لك بكل أمانة: نعم، أنا شخصياً متألم لهذا، ولكن لن ندخل في مجاراته، وندعو الجميع أن نعالج هذا في بيتنا الداخلي، وفي لقاءاتنا المباشرة، وليس عبر الإعلام. وإن كان لدى أي طرف رؤية أو تقدير أو مسائل تحتاج إلى نوع من المراجعة أو التقييم، فكل ذلك متاح على طاولة الحوار الوطني الداخلي والتواصل، وليس في الإعلام.
بكل أمانة أقول إن الشعب الفلسطيني واعٍ، وحريص على أن يكسب الرأي العام الفلسطيني، وذلك لا يتم باتهام الآخر، لكن كسبه بأن يؤدي كل واحد واجبه، والشعب الفلسطيني والأمة اليوم في زمن الوعي، أما زمن الغفلة والوقوع فريسة الخديعة والتضليل الإعلامي فقد انتهى، لذلك نحن نراهن على وعي شعبنا، فحركة حماس بشر تخطئ وتصيب، ولكنها لن تدخل في سجال إعلامي مع أحد.
ــ هل ستبقى الاتفاقات بينكم وبين السلطة قائمة؟
بالتأكيد. أنا قلت ذلك في اللقاءات المباشرة وفي كل لقاءاتنا في الماضي وفي الإعلام: كل ما اتفقنا عليه في القاهرة وفي الدوحة أو في غيرهما حول ملفات المصالحة الوطنية الفلسطينية، نحن ملتزمون به وسنحرص بكل طاقتنا على تطبيقه على الأرض، وندعو الجميع أن يفعل ذلك ونتواصى بالحق ونتواصى بالصبر.
ــ بعيداً عن دعوة باقي الأطراف إلى الترفع، كيف ترون مستقبل المصالحة الفلسطينية في ضوء هذا التصعيد الإعلامي والتراشق الذي يعيدنا إلى وصف المقاومة في بداية العدوان بـ"تجارة الحروب"، والقول إنها مسؤولة عن دماء الشهداء. كيف تنظرون إلى مستقبل المصالحة في ظل هذه الأجواء؟
نعم هناك عقبات حقيقية في طريق المصالحة، أهمها العقبة الإسرائيلية التي تدعو، قبل الحرب وأثناءها وبعدها، إلى فك هذه اللحمة الوطنية، لأن وحدتنا الوطنية والمصالحة تؤذي نتنياهو والحكومة الإسرائيلية.
العقبة الثانية هي التدخلات الخارجية والرباعية الدولية وشروطها التي تدخل في التفاصيل حتى في منع تحويل الرواتب إلى موظفي غزة من حكومة الوفاق الوطني.
أما العائق الثالث، فهو ركام سنوات الانقسام، فالخروج منه لا شك في أنه يحتاج إلى بعض الوقت وكثير من الجهد، فهذه كلها عقبات.
وهناك عقبة رابعة: تباينات حقيقية في الأجندة السياسية في الاستراتيجية النضالية بين الأطراف الفلسطينية. كلٌّ لديه رؤيته، وهذه عقبات لا شك، لكن ما الذي يجمعنا؟ بمعنى ما الذي نحتكم إليه، وما هو المرجع في ذلك؟ المرجع هو ما اتفقنا عليه في ملفات المصالحة من ناحية، ووثيقة الوفاق الوطني عام 2006 من 17 نقطة مهمة جداً. وقد وضعت هذه الوثيقة، النقاط على الحروف حول الرؤية السياسية وتقدير الموقف وأهدافنا الوطنية واستراتيجيتنا النضالية وكيف ندير المقاومة معاً، وكيف ندير الحراك السياسي، وما هو المشروع الوطني المشترك والقاسم المشترك في برنامجنا بين كل هذه القوى، وكيف نرتب بيتنا الفلسطيني في إطار السلطة والانتخابات ومنظمة التحرير، وكيف يكون قرار الحرب والسلم معاً قراراً بالشراكة... كل هذه مسائل اتفقنا عليها، وبالتالي من لديه ملاحظات لا يستعرض بها في وسائل الإعلام، فهناك مرجع يحكمنا.
ــ هناك لغط كثير وشائعات وروايات حول ما دار بينكم وبين الرئيس محمود عباس في الدوحة بضيافة سمو أمير قطر. ماذا جرى في هذا اللقاء؟ هل تواجهتم في هذه الملفات أو الانتقادات بشكل مباشر؟
هناك ثلاثة ملفات طرحت في لقاء الدوحة. أولها: طرح الأخوة في رئاسة السلطة الفلسطينية نيتهم إطلاق حراك جديد مع الأميركيين لوضع حد لهذا الاحتلال، وكانوا يريدون موقفنا من ذلك.
ــ تقصد المبادرة الخاصة بحدود 1967 والتي قال أبو مازن إنكم وافقتم عليها.
جرى نقاش، لم تكن لديهم تفاصيل، فقلتُ لهم سأجيبكم غداً، وأجبتهم في اليوم التالي، وكانوا في القاهرة، وقلت لهم إن أي تحرك سياسي فلسطيني يجب أن يكون مستنداً إلى وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني للعام 2006، والتي وافقنا عليها معاً، ووقعنا عليها معاً، وهي تمثل البرنامج السياسي المشترك بيننا، وبالتالي وضعنا المرجع واتفقنا عليه، والاحتكام إلى هذا المرجع يجعلنا متفقين على الخطوات وعدم الاحتكام إليه يباعد بيننا.
الملف الثاني: طرحت قضية دور حكومة الوفاق الوطني، وكيف تبسط مسؤولياتها في غزة، وكيف يكون قرار الحرب والسلم معاً، وهذا تكلمنا فيه بكل صراحة، ودعونا حكومة الوفاق الوطني لأن تتحمل مسؤولياتها في غزة كما في الضفة الغربية، وقلنا لهم إننا ملتزمون بكل ملفات المصالحة التي اتفقنا عليها، ودعوناهم أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه شعبنا في غزة والضفة، وأن نمضي في متابعة كل ملفات المصالحة، فهي رزمة واحدة، وقلنا إن قرار الحرب والسلم معاً ينبغي أن يكون للحكومة ولكن بالشراكة. كما دعونا أن نطبق المصالحة بمفهوم الشراكة، وليس بأن يحل طرف مكان آخر، فلا أحد يحل مكان حماس في غزة، ولا أحد يحل مكان فتح أو السلطة في الضفة الغربية، إنما في غزة والضفة كلنا شركاء في المسؤولية في إطار السلطة وفي إطار منظمة التحرير، شركاء في القرار السياسي والانتخابات وبناء النظام السياسي، وشركاء في الاستراتيجية الوطنية.
ومن يجادلون في مسألة المقاومة عليهم أن يعودوا إلى مسألة الوفاق الوطني التي أكدت هذه الاستراتيجية، وإن كان من عذر لمن ينتقد برنامج المقاومة قبل حرب غزة الأخيرة ــ معركة العصف المأكول ــ فهل يعقل أنه بعد هذا الإنجاز المبهر للمقاومة، وهذه الصورة التي أعادت الروح للشعب الفلسطيني وللقضية، وأثبتت أن عدونا لن يجلس على طاولة التفاوض، ولن يكون مهيئاً لأن يعطي في القضايا الجوهرية الأرض والقدس وحق العودة إلا تحت ضغط المقاومة، غير معقول اليوم أن يجادلنا أحد فى ذلك. والنقطة الثالثة التي بحثت في ذلك اللقاء، كانت كيف نوقف الحرب؟ وقتها، كانت هناك فكرة وقف إطلاق النار ثم التفاوض، وقلنا لهم إن هذا غير مجدٍ في ضوء التجربة الطويلة مع العدو الصهيوني، إنما الذي يجدي أن يكون هناك وقف إطلاق نار مستند إلى تحقيق مطالب محددة، وهذا هو الذي تم بالإعلان المصري الأخير.
ــ بالنسبة لوثيقة الوفاق الوطني، هل فهمكم لها يؤدي إلى موافقتكم على المسعى الذي تنوي السلطة الفلسطينية السير به بالنسبة لتسوية جديدة أو حل؟
قلتُ إن المعادلة واضحة: إذا كان هذا التحرك مستنداً في إطاره وفي تفاصيله وفي مواقفه المحددة، إلى ما تم النص عليه في وثيقة الوفاق الوطني، فنحن موافقون. مبدأ التحرك لا خلاف حوله، ولكن التفاصيل لا بد أن تكون محكومة بوثيقة الوفاق الوطني.
ــ إذاً ليس دقيقاً أنكم وافقتم على مبادرة جديدة للتسوية على حدود 1967؟
قلتُ بكل وضوح إننا أجبناهم بأن تحركاً من هذا النوع يجب أن يكون مستنداً إلى وثيقة الوفاق الوطني.
ــ في حال كانت التسوية على حدود 1967، هل توافقون؟
نصّت وثيقة الوفاق الوطني على أننا نقبل أن يكون هناك حل وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس مع إنجاز حق العودة، وطريقنا في تحقيق ذلك هو المقاومة والنضال بكافة الأشكال والتمسك بالثوابت الوطنية. هذه هي الأرضية، وهذا ما اتفقنا عليه، ومن ثم أي التزام بذلك، يجعلنا معاً، وأي افتراق يباعد بيننا، لا سمح الله، وإن شاء الله نظل متقاربين، ولكن على أساس ثوابتنا الوطنية والالتزام بتطلعات وحقوق شعبنا.
ــ هل كان هناك اتفاق على الانتساب إلى منظمات الأمم المتحدة؟
هذا ليس بالجديد، وقد تم طرحه من قبل، ومطلب الفلسطينيين جميعاً على شتى انتماءاتهم ضرورة الانتساب إلى هذه الهيئات والمواثيق الدولية من أجل ملاحقة إسرائيل، ومنها ميثاق روما ومحكمة الجنايات الدولية وكل الفصائل وقّعت على ذلك.
ــ هناك كلام كثير أن الرئيس محمود عباس عطل هذا المشروع، وسحب بالفعل الطلب الفلسطيني لإدراج الجرائم الإسرائيلية أمام المحكمة. هل حدث ذلك فعلاً، وهل تم تناوله في لقاءاتكم في الدوحة؟
في لقاء الدوحة الأول أثناء الحرب، طالبتُ الرئيس محمود عباس بالمسارعة في التسجيل أو الانتساب إلى ميثاق روما حتى تكون لدينا القدرة على محاكمة قادة العدو في محكمة الجنايات الدولية. وعد بذلك وطلب أن تكون جميع القوى موافقة، ومن هنا جاءت فكرة التوقيع كي لا يكون هناك أحد لديه اعتراض في المستقبل بناءً على أي تبعات تترتب على هذا التسجيل. من جهتنا، تريثنا قليلاً قبل التوقيع بكل صراحة، لأننا أردنا أن نعود إلى نوع من الاستشارة القانونية، وقد حصلت ووقّعنا في اللقاء الثاني. الآن، الملف بات جاهزاً، والأصل أن هذا من مسؤولية الرئاسة الفلسطينية، ولا أدري حقيقة الموقف، لكن من التصريحات التي ظهرت من الرئاسة الفلسطينية في الإطار العام، يوحي بأن هذا كان مرجأً في حال لم يلبِّ المسار السياسي الفلسطيني، بمعنى إذا لم تقم الولايات المتحدة بإعطاء تعهد على وضع حد للاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع خلال فترة من الزمن.
لكن نحن ما زلنا كحركة حماس ومعظم القوى الفلسطينية ومعظم الرأي العام الفلسطيني، نطالب بسرعة الانتساب والتوقيع على هذه المعاهدات الدولية وانضمام فلسطين إليها من أجل تمكيننا من ملاحقة القادة الصهاينة، خاصة بعد حرب غزة، فجريمة الدمار وقتل الأطفال وهذا الهولوكست الذي ارتكبته القيادة الإسرائيلية العسكرية والسياسية والأمنية، يفرض علينا سرعة محاكمة قادة العدو.
ــ باختصار ما الذي يعطل هذا التوجه؟
بالنسبة للموقف الفصائلي الفلسطيني والرأي العام الفلسطيني، لا شيء يعطله، الآن الكرة فى ملعب الرئاسة الفلسطينية.
ــ متى سيجتمع الإطار القيادي الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية؟
بناء على اتفاق مخيم الشاطئ الذي أطلق قطار المصالحة من جديد في أواخر شهر مايو/أيار الماضي، الأصل أن تشكل الحكومة خلال شهر، وأيضاً أن ينعقد الإطار الوطني للقيادة المؤقت بعد شهر من تشكيل الحكومة. لقد مضى شهور ودخلنا في أجواء الحرب والأصل ألا يعطل شيء الاجتماع وأن يتم تحديد مكان، ويُدعى كل أعضاء هذا الإطار القيادي.
ــ هل نوقشت هذه المسالة في لقائكم الأخير بالرئيس محمود عباس؟
تم بحثها، وكانت هناك إشكالية في المكان، وقلنا إننا ليس لدينا مشكلة في المكان. المهم أن يتم تحديد المكان والزمان، هذا استحقاق من استحقاقات المصالحة، ولا بد منه لأن هذا مفهوم الشراكة في القرار السياسي وإطاره اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عندما يعاد تشكيلها وانتخابها وعندما تنضم كل الفصائل إليها، وهذا ليس متحققاً الآن. لذلك، هناك مرحلة انتقالية فيها إطار قيادي مؤقت، وفيها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الحالية، ورئاسة المجلس الوطني الفلسطيني والأمناء العامون للفصائل وشخصيات مستقلة، وقد عقدنا جلسات عدة في الماضي، ويجب أن يعقد هذا الإطار سريعاً.
ــ متى وأين تتوقع انعقاد هذا الاجتماع؟
يبدو أن هناك بعض المشاكل في المكان. بالنسبة لنا في حماس، ليس لدينا مشكلة في المكان، ونحن جاهزون أن نعقده في أي مكان.
ــ ألم تناقشا تحديد هذا المكان؟
جرى حوار، والقرار عند رئيس السلطة الفلسطينية. باختصار، من مسؤوليته أن يحسم هذا الأمر، وبالنسبة لنا لم نختر مكاناً بعينه. في الماضي عقد في القاهرة، الآن قيل في وسائل الإعلام بعض الكلام الذي لا أريد أن أدخل في تفاصيله، ولكن بالنسبة لنا، لا بد من تنفيذ هذا الاستحقاق، والمكان يجب ألا يكون عقبة، وإن تعذر في مكان معين، يعقد في آخر.
ــ هذا التجاذب بعد وقف العدوان، هل هو فقط فلسطيني ــ فلسطيني، أم أنه انعكاس لمواقف إقليمية ودولية؟
ليس انعكاسا، فهناك تباين فلسطيني ــ فلسطيني موجود من البداية، تباين ذاتي بحكم تعدد الأجندات والرؤى، وهناك للأسف تجاذب عربي ــ عربي وإسلامي ــ إسلامي وإقليمي ودولي، والقضية الفلسطينية تتأثر بكل ذلك، لكن الأصل أن قرارنا الوطني الفلسطيني يظل فقط محكوماً بتفاهمنا الفلسطيني. نعم، نتأثر بمحيطنا الإقليمي والدولي، لكن بقدر محسوب، ويبقى الأصل أن القرار الفلسطيني يجب أن يُحرر من أي تأثيرات إقليمية أو دولية.
ــ وسائل إعلام مقربة من إيران وحزب الله وجهت انتقادات لكم على أنكم لم تشكروا إيران على وقف العدوان. لماذا لم تشكروا إيران؟
في مؤتمرنا الصحافي في ختام هذه المعركة، أردنا أن نكون منصفين ودقيقين، وعبرنا عن الواقع كما هو، من دون زيادة أو نقصان. أعطينا كل ذي حق حقه باجتهادنا، فنحن تكلمنا عمن دعمنا دعماً استثنائياً وعمن وقف إلى جانبنا وعمن اتصل متضامناً، وعمن بذل جهداً في هذا المسار أو ذاك، وترفعنا عن الدخول في مساجلة أو حتى لوم على من قصّر معنا وخذلنا أو فعل أكثر من ذلك.
نحن لم نسئ لأحد، ولم نقصّر في حق أحد، حتى عن إيران قلنا إنهم اتصلوا متضامنين معنا ولهم الشكر في ذلك، ونحن حريصون على العلاقة مع كل دول الأمة من أجل معركة الأمة، ونحن خارج التجاذبات الإقليمية وخارج خلافات وتباينات المحاور، ولسنا طرفاً فيها. لدينا قضية وهي قضية فلسطين، ونحن حريصون أن ننفتح على الجميع.
ــ الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، اتصل بكم أثناء الحرب. هل عرض فتح جبهة الجنوب اللبناني؟ كما أنه رد في حوار مع صحيفة "الأخبار" اللبنانية، على تصريحات موسى أبو مرزوق. كيف ترون هذه المسألة، وكيف هي علاقتكم بالأمين العام لحزب الله؟
السيد حسن نصر الله اتصل بي أثناء الحرب، وعبر عن تضامنه وتأييده للمقاومة الفلسطينية، واتصل أيضا مسؤولون من إيران. كما اتصل زعماء ومسؤولون عرب ومسلمون وعلى المستوى الدولي. نحن لم نطلب منهم تدخلاً ميدانياً، وهم لم يعرضوا ذلك، وهذه ليست أول حرب نخوضها، إذ سبق لنا أن خضنا حرب 2008 و 2009 و2012، وقلنا دائماً إن كلّ منا يقاتل على جبهته، ونتمنى أن تكون دائماً جبهة فلسطين هي التي تنخرط فيها جميع الجهود والقوى.