يتزايد التخوّف لدى كثير من المقدسيّين من أن يصبحوا ضحايا رصاص الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، الذين تلقوا، في الأيام الأخيرة، تعليمات من حكومتهم وأجهزتهم الأمنية بحمل السلاح، والضغط على الزناد من دون تردد، مما قد يتحوّل إلى ظاهرة من التصفيات والإعدامات الميدانية من دون محاكمة، ومن دون أن يتحقق القاتل، أكان رجل أمن أم مستوطناً، من براءة ضحاياه.
ولعل تصفية الشاب الفلسطيني مصطفى عادل الخطيب (18 عاماً) من حي جبل المكبر جنوب القدس المحتلة، قرب باب الأسباط، أمس الاثنين، وما سبقها من حوادث، مبرر لحالة الفزع في أوساط المواطنين المقدسيين على حياتهم ومصير أبنائهم، إذ بات كل واحد منهم يشعر أنه هدف لتصفية أو إعدام من دون ذنب لمجرد الاشتباه به.
ووفقاً لما أكد شهود عيان، من بينهم أحد حراس المسجد الأقصى الذي كان ماراً من هناك، فإن الشاب الخطيب الذي ترجّل من درجات المقبرة اليوسفية على مدخل باب الأسباط، كان يضع يده في جيبه، ولم يكن يحمل سكيناً على الإطلاق، حين طلب منه جنود من حرس الحدود مقابل درجات المقبرة إخراج يده من جيبه، وخلال ذلك حدث جدال بينه وبين الجنود، مستفسراً منهم عن السبب الذي يدفعهم للطلب منه إخراج يده من جيبه، لكنه حين استجاب لمطلبهم، بادروا إلى إطلاق النار عليه، مدّعين أنهم اشتبهوا بأنه يحمل سكيناً.
في حين روى أصحاب المحلات في باب الأسباط، أن إحدى السيدات التي كانت تقود سيارتها في المكان نفسه، شاهدت الجنود وهم يطلقون النار، وقد سمعها أصحاب المحلات وهي تتحدث عبر الهاتف، "الشاب لم يفعل شيئاً، لقد طلبوا منه رفع يديه، وحين فعل ذلك أطلقوا النار عليه".
وقد أعادت حادثة تصفية الشاب الخطيب إلى أذهان المقدسيين ما حدث قبل نحو أسبوعين مع الشهيد، فادي علون، الذي تمت تصفيته برصاص الشرطة الإسرائيلية، بعد أن فر من مستوطنين ادعوا أنه هاجمهم. كما تكرر الأمر ذاته، مع الطالبة الجامعية شروق دويات التي تعرضت لاعتداء بالضرب والدفع من مستوطن، وحين دافعت عن نفسها بدفعه ومنعه من محاولة نزع الحجاب عن رأسها، بادر على الفور إلى إطلاق الرصاص عليها مصيباً إياها بجروح خطرة.
وقد أظهرت مقاطع فيديو للشهيد علون، وللفتاة دويات، عدم صحة رواية الاحتلال الذي حاول إلصاق تهمة الطعن بالاثنين، لتبرير إطلاق النار عليهما لمجرد الاشتباه. فيما باتت ادعاءات المستوطنين ومزاعمهم بتعرّضهم لهجمات من فلسطينيين، روايات مسلّم بها ولا تحتاج إلى مراجعة من الجنود الإسرائيليين، الذين يسارعون إلى إطلاق نار، أو كما قال أحد المواطنين المقدسيين ويدعى ماهر الوعري: "المستوطن يأمر الجندي، والجندي ينفذ ويقتل".
اقرأ أيضاً: الكنيست يستأنف أعماله بتشريع قتل الفلسطينيين
في حين تكرر الأمر، أيضاً، مع المواطنة إسراء رياض جعابيص من جبل المكبر، التي كانت تقود سيارتها من العيزرية باتجاه حاجز الزعيم إلى الشرق من القدس المحتلة، حين اصطدمت بحاجز مفاجئ لشرطة الاحتلال وُضع أمامها كونها قادت سيارتها في مسار مخصص للشاحنات فقط، وأدى الاصطدام إلى حدوث تماس كهربائي وانفجار بالون الحماية داخل السيارة في وجهها متسبباً لها بحروق وإصابات خطرة، إضافة إلى إصابة أحد عناصر الحاجز بجروح طفيفة. لكن الرواية الإسرائيلية التي صدرت بعد الحادث، تحدّثت عن "عمل إرهابي"، وأن الفتاة كانت تقود سيارة لتفجّرها في الحاجز، بيد أن القنبلة التي كانت بحوزتها انفجرت بين يديها مما أدى إلى إصابتها وجرح الشرطي، بحسب الادعاءات الإسرائيلية.
ولا يخفي كثير من المواطنين المقدسيين قلقهم مما باتوا يشعرون به من ترهيب نفسي مصحوب بعمليات تصفية وقتل بدأت تُنفذ في حقهم لمجرد الاشتباه. وتفيد معطيات وشهادات بعض الفتيات والشبان، أنهم كادوا أن يكونوا ضحايا عمليات قتل مشابهة من الشرطة الإسرائيلية ووحداتها الخاصة التي باتت أكثر عنفاً ووحشية في قمعها المواطنين، حتى الذين لا صلة لهم بالأحداث ومجرياتها.
ومع الإقرار، إن بعض الهجمات وقعت بالفعل، كالهجوم الذي نفذه الشهيد، مهند الحلبي، في شارع الواد بالبلدة القديمة، وقتل فيه مستوطنين قبل نحو أسبوعين، مفجّراً مرحلة جديدة من المواجهة مع الإسرائيليين فيما باتوا يطلقون عليه "انتفاضة السكاكين"، كان آخرها الهجوم الذي استهدف عناصر من الوحدات الخاصة في باب العمود من الشهيد، محمد سعيد محمد علي، من مخيم شعفاط، إلا أن ما عداها من ادعاءات ومزاعم إسرائيلية بوقوع هجمات جديدة شابها كثير من عدم الدقة، مع تنامي الشعور بالخوف والهوس الأمني لدى الجنود الإسرائيليين الذين باتوا في وضع قتالي دائم وأيديهم على الزناد، وباتوا أكثر خشية من أي حركة تصدر عن فلسطيني كما حدث، أمس، مع الشهيد الخطيب، وتكرر، أيضاً، مع الفتاة دويات، وحتى مع الفتاة من داخل فلسطين المحتلة عام 48، التي تعرضت لإطلاق نار داخل محطة الحالات في مدينة العفولة قبل أن يتحقق الجنود من اشتباههم حيالها. وقبل ذلك كانت الشهيدة هديل الهشلمون أبرز ضحايا جرائم القتل لمجرد الاشتباه من جنود، قال شهود عيان في حينه: إنهم كانوا مرعوبين منها وهم يطلبون منها التقدّم نحوهم ورفع نقابها، قبل أن يعاجلوها بصليات من رصاصهم.
وتفيد مصادر فلسطينية في القدس المحتلة، أن ثلاث فتيات مقدسيات على الأقل، كدن أن يصبحن ضحايا هذا الاشتباه، خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، آخرهن موظفة تعمل في مستشفى "شعاريه تصيدق" في القدس الغربية، وجّه إليها حراس المستشفى سلاحهم، قبل أن يتدخل الأطباء هناك وينقذونها من موت محقق.
فيما يقول متابعون لما جرى من أحداث أخيرة، إن حالة الهوس التي تنتاب الإسرائيليين من جنود ومستوطنين جسّدها الظهور المسلح لرئيس بلدية القدس نير بركات في أحد أحياء القدس، إضافة إلى دعوات وزراء في الحكومة الإسرائيلية رعاياهم لحمل السلاح في مواجهة الفلسطينيين، حيث بات الفلسطينيون ضحايا حقيقيين لهذا الهوس الأمني ويدفعون ثمنه من حياتهم وحياة أبنائهم.
اقرأ أيضاً: استشهاد شاب فلسطيني بالقدس بادعاء محاولته تنفيذ عملية طعن