مرشح للشباب وآخر للشيوخ
في الوقت الذي يرفض فيه عدد من مسؤولي "الجماعة" الحديث عن الاستحقاق الداخلي قبل حدوثه، يتداول أبناء "الجماعة" عدداً من الأسماء التي من المُحتمل أن تخلف المصري، ومنها؛ نائب الأمين العام، عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، مصطفى خير، ورئيس القطاع الدعوي والتربوي في "الجماعة"، الشيخ أحمد العمري. إلّا أنّ شخصَين فقط يحملان صفة "الأكثر جديّة" بين الأسماء المطروحة، وهما؛ نائب الأمين العام الحالي، الشيخ محمد الشيخ عمّار، ورئيس المكتب السياسي الحالي، عزّام الأيوبي.
وبحسب أجواء "الجماعة"، يُمثّل الأوّل خيار "الشيوخ" أو الفئة العمرية الأكبر سنّاً داخل صفوف "الجماعة"، ويُقابله الأيوبي كُمرشح للشباب. ويعود لأعضاء مجلس الشورى الذين لا تُعلن "الجماعة" عن عددهم لترجيح الكفّة وانتخاب الأمين العام الجديد، قبل تفرّع الهرم الانتخابي نحو المناطق التي ينتخب "الأخوة" فيها مكاتبهم في بيروت، وصيدا، والجنوب، والبقاع الغربي، وطرابلس، وعكار.
حضور بلا دور
يصف قيادي سابق في "الجماعة الإسلامية" لـ"العربي الجديد"، حال الأخيرة خلال الأعوام القليلة الماضية بـ"صاحبة الحضور بلا دور". واكبت "الجماعة" انكفاء دور تيار "المستقبل" (بزعامة النائب سعد الحريري) عن الشارع السنّي، "وبقيت في تموضعها من دون أن تحاول ملء الفراغ، وكانت مشاركتها في الاستحقاقات الطائفية والوطنية مجرد صدى لتيار المستقبل. ولدى محاولة الجماعة التمايز عن التيار، عاد الحديث عن اتباعها لسياسة المواقف الرمادية، وهو ما تمثّل في تزكية نائب الجماعة في البرلمان، عماد الحوت، لمرشح التوافق لمنصب مفتي الجمهورية، الشيخ عبد اللطيف دريان، وأيضاً لمرشح هيئة العلماء المسلمين التي كان للجماعة الدور الأبرز في إطلاقها، وهو الشيخ أحمد الكردي".
ويشير القيادي السابق إلى أنّ هذه الوقائع أدّت إلى استقالة عضو المكتب السياسي عن بيروت، ربيع دندشلي، قبل أشهر قليلة. ولم تكن استقالة الأخير يتيمة، فقد رافقتها مجموعة استقالات في مكاتب بيروت والمناطق، وأزمة مالية دقّت أبواب "الجماعة" ومختلف الأحزاب والهيئات الإسلامية في لبنان، نتيجة نقص الدعم الخارجي لها. وعلى الرغم من هذه الأزمات، قامت "الجماعة" بأدوار متفاوتة في الملفات العامة في لبنان.
اقرأ أيضاً: "العربي الجديد" ينشر محضر اعترافات أحمد الأسير
معركة عبرا
وضعت معركة عبرا في عاصمة الجنوب، صيدا، عام 2013، (بين الشيخ الموقوف حالياً أحمد الأسير والجيش اللبناني، والتي شارك فيها عناصر من "سرايا المقاومة" التابعة لـ"حزب الله")، القوى السياسية المحليّة ومن بينها "الجماعة"، أمام استحقاق صعب مع بلوغ الشحن الطائفي في المدينة حدّه الأقصى. ثم وجدت "الجماعة الإسلامية" في صيدا نفسها بين خصمَين (الأسير والحزب) اللذَين يلتقيان على انتقاد دورها بشكل عنيف. حمّل الأسير "الجماعة" مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في المدينة، وخصّها بتسجيل صوتي طويل قبل أسابيع قليلة من توقيفه، قال فيه، إنّ "كل من عاداني في كفّة والجماعة الإسلاميّة في كفّة". وفي الضفة المقابلة أيضاً، تناقلت وسائل إعلام محلية مُقرّبة من حزب الله خبراً يتهم الجماعة بـ"تهريب الأسير من منطقة الاشتباكات في سيارة إسعاف تابعة لها".
كما تلقّت "الجماعة" انتقادات من قبل العائلات الصيداوية التي انتقلت من اتهامها بـ"خذل الأسير" إلى "ترك أبنائنا الموقوفين في سجون الجيش بعد المعركة". بدا للمتابعين أنّ "الجماعة" لم تنجح في تسويق حركتها التي واكبت الأسير وتحوُّله من داعية إلى قائد مجموعة مسلّحة. ظلّلت هذه الاتهامات، حركة المسؤول السياسي لـ"الجماعة" في الجنوب، بسّام حمود، الذي زار الأسير مراراً مع وفد "هيئة علماء المسلمين" لإقناعه بالتعاون "لما فيه مصلحة الطائفة"، ثم واكب حمود إخلاء جهاز الإسعاف التابع لـ"الجماعة" للمدنيين من منطقة الاشتباكات عند اندلاع المعركة، وأجرى الأخير اتصالاته بالشخصيات السياسية والأمنيّة لتأمين حد أدنى من التعامل القانوني مع الموقوفين بعد تلك الأحداث.
الإغاثة والأحزمة الناسفة
قامت "الجماعة الإسلامية" بدور بارز في الملف الإغاثي، وقدّمت المساعدات للاجئين السوريين في لبنان من خلال الجمعيات الأهلية التابعة لها، والتي تنتشر في مختلف المناطق اللبنانية. اتسمت المرحلة الأولى من العمل الإغاثي بشكل فردي مناطقي متخبّط في بعض الأحيان. وعلى الرغم من استناد كوادر "الجماعة" إلى خبرات إغاثية سابقة اكتسبوها خلال العدوان الإسرائيلي عام 2006، والاشتباكات في صيدا (عبرا ومحيط مخيم عين الحلوة عام 2013) وطرابلس (معارك بين منطقتَي باب التبانة وجبل محسن بين الأعوام 2008 و2014 بشكل متقطّع)، تجاوز حجم اللجوء السوري قدرة كل الهيئات الإغاثية الرسمية وغير الرسمية اللبنانية.
ومع توسع العمل الإغاثي نحو وضع خطط إيواء طويلة الأمد وبلوغ ميزانية هذا العمل ملايين الدولارات الأميركية سنوياً، قرّرت "الجماعة" مأسسة الإغاثة وربطها مركزياً بالعاصمة بيروت، فتمّ إنشاء "اتحاد الجمعيات الإغاثية" كائتلاف لمؤسسات "الجماعة"، عام 2012.
اقرأ أيضاً: أزمة إسلاميي لبنان
توسّع هذا "الاتحاد" سريعاً على الصعيدَين الإداري والمالي وبلغ عدد موظفيه العشرات، "في ظل غياب الرقابة بشكل شبه كامل عليه"، بحسب أحد المسؤولين السابقين الذين عملوا في "الاتحاد" لفترة قصيرة. وساهم توقيف المدير التنفيذي للاتحاد، الشيخ حسام الغالي، برفقة شخص سوري يحمل حزاماً ناسفاً في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، في تسليط الضوء على تشابك الملف الأمني بالإغاثي داخل "الجماعة"، إذ يشغل الغالي أيضاً منصب عضو مجلس شورى "الجماعة"، وعضو المكتب الإداري لـ"هيئة علماء المسلمين"، وقام بدور أساسي في مفاوضات إطلاق سراح العسكريين المخطوفين لدى تنظيمَي "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة" عام 2014. ابتعد الغالي عن إدارة "الاتحاد" "صورياً"، كما يقول المسؤول السابق في الاتحاد.
اعتقالات ومحكومون
لم يكن العمل الإغاثي البوابة الوحيدة التي أدخلت "الجماعة" إلى الملف السوري، إذ يقبع أحد كوادرها العسكريين في منطقة البقاع الغربي في سجن وزارة الدفاع بتهمة نقل أسلحة إلى سورية لصالح معارضي نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ولم تنجح الاتصالات السياسية لـ"الجماعة" في إطلاق سراح الموقوف. كما سجّلت قيادة "الجماعة" توجُّه عدد محدود من كوادرها إلى سورية للقتال ضد النظام السوري لفترات قصيرة. وتمّت معالجة هذا الملف على الصعيدَين الأمني والديني بالتنسيق مع قيادة الجيش، كما تشير مصادر لـ"العربي الجديد"، التي أوضحت أنّ السبب وراء ذلك، هو اجتذاب "جبهة النصرة" لهذه الكوادر.
على الصعيد العسكري، كان لافتاً الحكم الذي أصدره القضاء العسكري بسجن عضو "الجماعة"، الشيخ حسين عطوي، لمدة شهر والاكتفاء بفترة توقيفه في المستشفى العسكري بتهمة إطلاق صواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة عام 2014. وهو ملف لم تنجح "الجماعة" في تحويله إلى قضية رأي عام، على الرغم من تذكيرها الدائم بأنها "أم المقاومة الإسلامية في لبنان". كما لم تفلح الجماعة في تفادي الحكم على عطوي عبر اتصالاتها، على الرغم من أنّ حق اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي مُعتمد في البيان الوزاري للحكومة الحالية، ولم تعلم كيفية توجيهه وتحويله إلى قضية رأي عام. وتأتي هذه الانتخابات لتُحدد نتيجة شكل تعاطي "الجماعة" مع هذه الملفات وغيرها، إذ يتوقع مراقبون أن تشهد المراكز الرئيسية في "الجماعة" تغييرات كبيرة، بعدها.
اقرأ أيضاً: احتفالات شعبية ورسمية بالعائدين... فوضى وفرحة ناقصة