أعادت الأنباء عن عمليات قصف إسرائيلية لمواقع تابعة لـ"حزب الله" في منطقة القلمون الشرقي، تسليط الضوء من جديد على قواعد اللعبة بين إسرائيل والحزب، في خضم سيل من التعليقات الإسرائيلية، بين من ذهب إلى القول إن ما تم قصفه من سلاح بأيدي "حزب الله" لا يشكّل نقطة من بحر، كما كتب يوسي يهوشواع في "يديعوت أحرونوت". في مقابل قول البعض، كعمير بوحبوط، في موقع "والا"، إنها عودة إلى سياسة "هامش الإنكار" التي اعتمدها الطرفان حتى عملية فبراير/ شباط 2014، حين قصفت إسرائيل قافلة محمّلة بالسلاح إلى "حزب الله"، لم يخفِ فيها الاحتلال دوره، فيما اعترف الحزب بدوره بالعملية، خلافاً للسياسة السابقة حين كانت تكتفي إسرائيل بزرع "إشاراتها" وبصماتها وراء تعبير "وفق التقارير الأجنبية"، في المقابل ينفي الحزب وقوع الهجمات، ما يوفر عليه عناء الرد الكلاسيكي بـ"أن الحزب سيرد في الوقت والمكان المناسبين". وأخيراً هناك من اعتبر أن التسخين على جبهة "حزب الله" من قِبل الاحتلال جاء على أثر "التبريد" على الجبهة الإيرانية، وهو ما ذهب إليه عاموس هرئيل في "هآرتس".
ففي سياق العودة إلى سياسة "هامش الإنكار" التي مكّنت إسرائيل من توجيه ضربات لـ"حزب الله" من دون الاعتراف بها رسمياً، والاختباء وراء تعبير "التقارير الأجنبية"، فإن عمير بوحبوط، في تحليل له في موقع "والا"، وعبر اتّباع خطاب "وفقاً للتقارير الأجنبية" مع إبرازه التقارير التي بثتها قنوات إخبارية عربية حول هذا الهجوم، اعتبر أنه في حال "أغار سلاح الجو الإسرائيلي فعلاً، كما جاء في التقارير الإعلامية، على قواعد الصواريخ التابعة للواءين 55 و65 للجيش السوري في جبال القلمون، فإن ذلك يضع شبكة العلاقات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في فترة اختبار، وخصوصاً أن هذين اللواءين مسؤولان عن السلاح الاستراتيجي، مثل صواريخ سكود وصواريخ الفاتح 110 وأنواع أخرى من الصواريخ بعيدة المدى".
ورأى أن "الردع الإسرائيلي قد تم حفظه منذ الحرب الثانية على لبنان، عندما انطلق حزب الله في سباق للتسلح بالصواريخ المختلفة، من دون أن يكون هناك رد إسرائيلي، إلى أن قرر المستوى السياسي الإسرائيلي وضع خطوط حمراء، واتخذ خطوات فعلية وميدانية لإحباط تهريب السلاح لحزب الله، وهو ما تمثّل بجملة من العمليات والغارات التي استهدفت قوافل ومخازن السلاح التابعة للحزب عبر اعتماد عدم التصريح والاعتراف إسرائيلياً بوقوع هذه العمليات أو تنفيذها، والاكتفاء بنسب وسائل الإعلام الأجنبية للطرف الإسرائيلي، إلا في حالات تم فيها إيراد تصريحات تؤكد العمليات، نقلاً عن مصادر أمنية إسرائيلية من دون ذكر اسمها، وهو ما اضطر الطرفين السوري وحزب الله إلى التهديد بالرد على مثل هذه العمليات".
وأعاد الكاتب الإسرائيلي الحديث عن "سياسة الغموض" التي تبعتها إسرائيل في المرحلة السابقة في كل ما يتعلق بمنع وصول أسلحة لحزب الله "تخرق ميزان القوى الحالي"، مع الحرص على عدم إهانة الحزب ونظام (الرئيس السوري بشار) الأسد لتوسيع مجال مناورات "هامش الإنكار عند الطرفين". وخلص إلى القول إن العودة لسياسة الضبابية والغموض حول الغارات التي قيل إنها جرت الأربعاء الماضي، تُمكّن الأطراف المعنية من نفي تورطها في الموضوع والمضيّ قدماً من دون التوقف عند الرد اللازم أو المتوقع على هذه الهجمات. واعتبر أنه خلافاً لنظام الأسد الذي نفى وقوع الهجمات، فإن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، سينتظر لمراكمة أسباب إضافية تُمكّنه من تحديد موعد مريح للرد.
اقرأ أيضاً: غارات إسرائيلية على مواقع للنظام السوري في القلمون
في المقابل، اعتبر يوسي يهوشواع في "يديعوت أحرونوت"، أنه "على الرغم من انشغال حزب الله في الحرب إلى جانب قوات النظام السوري، وسط دفن مقاتليه سراً، فإن التحدي الذي يفرضه الحزب على إسرائيل يزداد أهمية وخطورة، وكل محاولة للرد والتخفيف من حجم هذا التحدي ينطوي على مخاطر جادة. فقد راكم الحزب خبرات قتالية كبيرة في إطار جيش كبير، وفي مجالات مختلفة، مثل إطلاق الصواريخ واستخدام أسلحة متطورة، وبالتالي على ضوء ما كُشف عنه الأسبوع الماضي من تزوّد الحزب بطائرات من دون طيار، وعلى ضوء القصور الذي تبيّن وجوده في قوات الاحتياط الإسرائيلية وتدريب الوحدات النظامية، فإن على الجيش الإسرائيلي أن يعزز من جاهزيته بشكل فوري وتسريع عملية التزود بمنظومة "العصا السحرية" لاعتراض الصواريخ، وإيجاد تهديد جوهري يردع الحزب عن خوض المواجهة المقبلة".
أما محلل الشؤون العسكرية في "هآرتس"، عاموس هرئيل، فاعتبر أن الهجمات "المنسوبة لإسرائيل، وفق التقارير الأجنبية"، في حال وقعت (وهو أسلوب يعزز القول بالعودة إلى سياسة هامش الإنكار)، فهي "جاءت بعد عدة تصريحات لمسؤولين في الجيش الإسرائيلي حذرت من تسلّح حزب الله". واستذكر هرئيل اتهام وزير الأمن الإسرائيلي، موشي يعالون، خلال جولة ميدانية في الجولان المحتل في 15 أبريل/ نيسان، لإيران بمواصلة تسليح "حزب الله".
وأشار هرئيل كذلك إلى أن رسالة مدير عام وزارة الأمن الإسرائيلية نيسيم بن شطريت لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، التي نشرت في الصحف، أظهرت أن وزارة الأمن تعتبر مسألة تزوّد "حزب الله" بالسلاح المسألة الأكثر إلحاحاً في المنظور الإسرائيلي.
واعتبر هرئيل أنه وعلى أثر اتفاق لوزان حول البرنامج النووي الإيراني، فيبدو أن فرص الخيار العسكري في الملف الإيراني تراجعت إلى الحد الأدنى، وبالتالي عاد تهديد صواريخ "حزب الله" ليحتّل مركز الصدارة باعتباره التحدي الأمني الأهم من وجهة النظر الإسرائيلية.
وميّز المحلل الإسرائيلي أيضاً بين "حجم الترسانة الصاروخية للحزب، وبين الدقة والنوعية التي باتت ترفع من حجم التهديد الصاروخي، إلى درجة سعي نصر الله لبناء معادلة ردع بوجه إسرائيل، تقوم على أن ضرب الأهداف والبنى المدنية في لبنان قد يجرّ على إسرائيل ضرراً مشابهاً".
اقرأ أيضاً: إسرائيل تُقرّ: الحزام الأمني في جنوب لبنان كان خطأً