ونشرت الخبر صحيفتا "الوطن" و"اليوم السابع" المؤيدتان للنظام المصري والسيسي، وجرى نقله عن مصادر أمنية لم تكشف هويتها، ويفيد بتعرض سيارات تابعة لرئاسة الجمهورية تقل موظفين وعاملين بمؤسسة الرئاسة لإطلاق نار دون وقوع إصابات، خلال رحلة عودة السيارات من مدينة شرم الشيخ جنوب سيناء إلى القاهرة، بعد انتهاء أعمال قمة التجمعات الاقتصادية الأفريقية التي استضافتها المدينة الساحلية.
اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب يقاطع السيسي القمّة الأفريقية
لم يشر الخبر المبهم إلى مكان إطلاق النار على السيارات تحديداً، لكن الإشارة إلى أن الحادث وقع في جنوب سيناء، دفعت محافظ جنوب سيناء إلى الظهور على وسائل الإعلام لنفي الخبر رسمياً، ثم أخذ الأمر منحى متصاعداً بحيث أصدرت رئاسة الجمهورية بياناً، هو الأول من نوعه، ينفي الخبر جملة وتفصيلاً، اختتمته بمناشدة وسائل الإعلام تحري الدقة والعودة لمصادر الأخبار الأصلية قبل نشرها.
ولم يكن خبر جريدة "الوطن" منسوباً إلى مصدر محدد أو محرر محدد، ما يعني في الغالب أنه قادم رأساً من رئيس تحرير الصحيفة مجدي الجلاد. وبحسب روايات صحافيي "الوطن" أنفسهم، فقد رضخ الجلاد لضغوط مارستها عليه جهات وصفت بالسيادية لتغيير غلاف الصحيفة منذ عدة أسابيع، وحذف مقال مدير تحرير الصحيفة الذي كان يهاجم أحد قياديي مؤسسة الرئاسة الصاعدين من المؤسسة العسكرية وهو المقدم أحمد شعبان، الذي يكتب باسم مستعار مقالاً دورياً في جريدة "اليوم السابع".
أما "اليوم السابع"، فهي أيضاً معروفة بعلاقاتها القوية بأجهزة أمنية واستخباراتية، وقد تجلى ذلك في مواقف عديدة، أحدثها نشر معلومات خاصة بجهاز الاستخبارات وقيد التحقيق في النيابة العسكرية عن القضية المعروفة إعلامياً بـ"أولاد خيرت الشاطر"، والتي تدعي الأجهزة الأمنية المصرية أنها متعلقة بخلية رصدت وخططت لاغتيال شخصيات سياسية وقضائية وإعلامية مصرية.
وبما أن علاقة الصحيفتين بالأجهزة السيادية ليست خفية، تُطرح تساؤلات حول نشر الخبر في الصحيفتين تحديداً، ثم نفيه بهذه السرعة وعلى هذا المستوى الرسمي الرفيع.
وقالت مصادر إعلامية تنتمي لإحدى هاتين الصحيفتين، لـ"العربي الجديد" إن "المعلومات صحيحة وأكيدة، ومصدرها جهاز سيادي وليس أمنياً (يرجح أنه الاستخبارات)، وإطلاق النار الذي وقع تم التعامل معه بواسطة وحدات الحرس الجمهوري المكلفة بتأمين موكب السيارات". لكن مصادر حكومية في المقابل، أكدت لـ"العربي الجديد" أن "الحكاية كلها مختلقة، ولا أصل لها، لأن السيارات التابعة لرئاسة الجمهورية تحركت منذ مساء أمس إلى القاهرة، والرئيس السيسي نفسه انتقل إلى القاهرة بطائرته الرئاسية، مما ينفي معه أي سبب وجيه للإقدام على مثل هذه العملية الإرهابية".
وفي ظل هذا التضارب تبرز ثلاثة سيناريوهات للحادثة. الأول، أن لا شيء حدث، وأن أشخاصاً مرتبطين بجهة معينة داخل السلطة المصرية يخططون للإساءة إلى جهات أمنية عديدة تتولى عملية تأمين المواكب الرئاسية، وفي مقدمتها الحرس الجمهوري، الذي يعتبر جزءاً من القوات المسلحة، لكنه يأتمر مباشرة بأمر رئيس الجمهورية ويتولى حراسة جميع سيارات ومواكب الرئاسة سواء كان الرئيس فيها أم لم يكن، ووزارة الداخلية التي تتولى عبر الشرطة التأمين الخارجي لوحدات وأفراد الحرس الجمهوري، إضافة إلى الاستخبارات الحربية التي تتعامل مع الحرس الجمهوري فيما يتعلق بالمعلومات والتقارير السرية.
ولا يرمي هذا المخطط إلى إرسال رسائل سلبية ضد هذه الأجهزة لإشغالها بصراعات جانبية، بل يهدف إلى إحراجها أمام الرأي العام وإظهار السيسي في صورة الرئيس الذي لا يستطيع حماية موكبه، مما يهز صورته أمام مؤيديه.
السيناريو الثاني، يفيد بأن الواقعة حدثت فعلاً، وأن أشخاصاً مرتبطين بالجهة السيادية أرادوا فضح الواقعة أمام الرأي العام لتحقيق نفس أهداف السيناريو الأول، في إطار عملية تصفية حسابات بين أجهزة وأشخاص داخل نظام السيسي، وربما للإطاحة بالدائرة الأمنية اللصيقة به والتي يقودها مستشاره للأمن القومي أحمد جمال الدين، صاحب النفوذ الكبير في الحرس الجمهوري ووزارة الداخلية على حد سواء.
السيناريو الثالث، يرتبط في أن معلومات خاطئة تم تناقلها بين مصادر أمنية وصحافيين من دون أهداف خفية، وهو ما لا يتناسب حقيقة مع رد فعل الرئاسة التي تخرج للمرة الأولى لنفي معلومة تنشرها صحيفة خاصة.
وبين هذه السيناريوهات المحتملة يرجح أن السيسي لم يتعرض لمحاولة اغتيال، لكنه بالتأكيد فتح تحقيقاً للوقوف على ملابسات الواقعة، سواء حدثت أم لم تحدث، خصوصاً أنها أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن وسائل الإعلام المنتمية لنظامه لا تزال تتحكم فيها أجهزة أخرى متداخلة ومتعارضة، تحاول استغلالها لأهداف خاصة، تعرقل أهداف السيسي وأحلامه بـ"الاصطفاف الوطني" والتحكم الكامل في وسائل الإعلام.