تتفق الأغلبية الحكومية والمعارضة البرلمانية في المغرب على الدعوة لمحاربة العزوف عن المشاركة في الانتخابات، والذهاب يوم الجمعة في 4 سبتمبر/أيلول الحالي إلى صناديق الاقتراع، لاختيار المرشحين المفضلين لدى الناخبين، في الانتخابات المحلية في البلاد.
إلا أن الأحزاب السياسية المتنافسة، تتبادل التهم باستخدام "المال الحرام" في الانتخابات، لشراء ذمم الناخبين وكسب أصواتهم، مع إجماعها على التخوّف من تأثير هذا المال على مسار هذا الاستحقاق.
وفي مؤشر يؤكد الأهمية المعلّقة على هذه الانتخابات، أجمع قياديون ينتسبون إلى أحزاب تنتمي إلى الأغلبية والمعارضة، على ضرورة الحد من العزوف الانتخابي الذي سُجل أكثر من مرة في انتخابات سابقة، ومن ذلك بلوغ نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات التشريعية عام 2007 نحو37 في المائة، وحوالي 45 في المائة في انتخابات 2011. وسبق للمندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة حكومية تُعنى بالإحصاء والتخطيط، أن ذكرت بأن 70 في المائة من الشباب المغربي لا يثقون في جدوى العمل السياسي، و5 في المائة يؤمنون بالعمل الحزبي، وواحد في المائة من الشباب فقط من يزاولون الفعل السياسي من داخل الأحزاب، على الرغم من أن 40 في المائة من الكتلة الناخبة هم من الشباب.
وأكد القيادي في حزب "التقدّم والاشتراكية" المشارك في الائتلاف الحكومي سعيد فكاك، أن الإفساد المالي في الانتخابات تناقص بشكل جلي، معتبراً أن الجلوس جانباً في انتظار إرساء الإصلاحات المنشودة، أو طلباً لمرشحين في المستوى المطلوب، لا يجدي نفعاً في مجتمع متحوّل ومتطور باستمرار.
وشدد فكاك على أنه لمحاربة الفساد الانتخابي، والمجيء بنخب محلية شابة وجديدة تضطلع بشؤون المواطنين في أحيائهم داخل المدن والقرى، بروح تتسم بالمسؤولية والجدية والشفافية، يتعين على المغاربة، وخصوصاً الشباب، التصويت بكثافة، وعدم الركون إلى العزوف السياسي. وعزا ظاهرة العزوف التي وصمت مشاركة المغاربة في محطات انتخابية سابقة، إلى رواسب ما سماها "سنوات الرصاص" في المغرب، والمقصود تلك المرحلة الزمنية العصيبة التي عاشتها المملكة إبان السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، والتي اتسمت باعتقال العديد من المطالبين بالتغيير والديمقراطية.
من جهته، رأى الأمين العام لمنظمة الشبيبة في حزب "الاستقلال" المعارض عمر عباسي، أن العزوف السياسي مفهوم يحجب حقيقة المشهد السياسي في البلاد، باعتبار أن المشكلة ليست في العزوف السياسي ما دامت درجة التسييس مرتفعة، بل في ضعف مشاركة المغاربة في الانتخابات. ولفت عباسي إلى أن أحد أهم الأسباب التي أفضت إلى العزوف السياسي يتمثّل في الحرب التي كانت تُشن ضد السياسيين في سنوات خلت، حيث لا تزال تبعات وتداعيات هذه الحرب مستمرة، مشيراً إلى ما سماه "شيْطنة الأحزاب"، واعتبارها الشماعة التي تُعلّق عليها جميع الإخفاقات.
وأعلن القيادي في حزب "الاستقلال" أن ما يمكن أن يساهم في محاربة العزوف هو الانخراط في المعترك الانتخابي بالتصويت، وعدم الاكتفاء بالانتظار والورقة البيضاء، لافتاً إلى أن "ما جنّب المجتمع المغربي ما جرى من ثورات في 2011 هو حيويته ونضاله من أجل نيل الكرامة". واعتبر عباسي أن المواطن لديه مسؤولية أيضاً في هذا السياق، باعتبار أنه مطالب بصيانة التجربة الديمقراطية التي دشنتها البلاد، وعدم تركها رهينة المخاطر التي تتهددها، ومن ذلك ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات، مشدداً على أن الانتخابات وصناديق الاقتراع تعد مفتاح ممارسة الديمقراطية.
اقرأ أيضاً: الانتخابات المحلية في المغرب: مجموعة استحقاقات في موعد واحد
من جهة أخرى، وفي كل مرة تشهد البلاد فيها عملية انتخابية، يتجدد موضوع تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية، إذ يتم الحديث بين الفينة والأخرى عن طبيعة وأصل الأموال المستعملة من مرشحي الجهات السياسية المتنافسة، خصوصاً أن الدعم الرسمي المقدّم للأحزاب لا يكفي لسد مصاريف الحملات الانتخابية. وعلى الرغم من ارتفاع الدعم المالي الذي قدّمته الدولة للأحزاب بمناسبة إجراء الانتخابات المحلية، مقارنة مع الانتخابات الماضية عام 2009، فإن السقف المالي المحدّد للمرشحين لا يزال غير كافٍ لتغطية مصاريف الحملات الانتخابية، ما يدفع الكثيرين منهم إلى استخدام "أموال خاصة".
ويُلزم قانون الانتخابات في البلاد المرشحين للفوز بمقاعد داخل مجلس المستشارين، وهو الغرفة الثانية للبرلمان المغربي، بالتصرّف في سقف مالي لا يتجاوز 300 ألف درهم (حوالي 31 ألف دولار) في سياق الحملة الانتخابية، والتي تنتهي ليلة الخميس-الجمعة 4 الحالي، بينما مرشحو مجالس المحافظات لا ينبغي أن تتجاوز مصاريفهم 50 ألف درهم (حوالي 5 آلاف دولار).
وكشفت أحزاب عديدة أنها ستمنح مبالغ لا تتجاوز الألف درهم (حوالي 100 دولار) لكل مرشح باسمها في البوادي والأرياف، و500 درهم لمرشحيها في المدن، فضلاً عن مصاريف طبع المنشورات الانتخابية، وهي مبالغ يراها مراقبون هزيلة لا تكفي المرشحين في سد مصاريف حملاتهم، ما يدفع بعض الأحزاب إلى اللجوء إلى أموال يتساءل البعض بشأن أصلها ومنبعها.
وتحاول وزارة الداخلية التحكّم في مصاريف الحملات الانتخابية، وشن حرب على "المال الحرام" في الانتخابات، من خلال تشديدها على الأحزاب السياسية بالكشف عن مصادر تمويل المرشحين لحملاتهم الانتخابية وتبريرها بالوثائق، عبر وضع بيانات مفصّلة لمصادر تمويل هذه الحملات.
وحذر حزب "العدالة والتنمية"، الذي يقود الائتلاف الحكومي الراهن، من مخاطر استخدام ما سماها أموال تجارة المخدرات في عالم السياسة، من خلال "توظيف المال الحرام لشراء أصوات الناخبين، وهو ما يهدد نزاهة العملية الانتخابية وصدقيتها"، وفق تعبير الحزب في بيان له.
وقال البرلماني والقيادي في "العدالة والتنمية"، عبد السلام بلاجي، إن "بعض السياسيين لجأوا منذ أكثر من سنتين إلى مغازلة منتجي القنب الهندي (الحشيش) بالدعوة إلى السماح بزراعته وتقنين قانون خاص به، وهذا دليل على تحالف مسبق ومعلن بالخضوع لمنتجي المخدرات والعزم على استعمال "العمولات" المحصلة من طرفهم". وأكد بلاجي أن "العديد من الممارسات على الأرض، مع قرب موعد الانتخابات المحلية، تدل على أن المال الحرام في الانتخابات المقبلة سيكون حاضراً، ولكن المشكلة لا تكمن في استعماله بل في القدرة على رصده ومكافحته حتى لا يؤثر سلباً على نتائج الانتخابات".
من جهته، انتقد الأمين العام لحزب "الاتحاد الاشتراكي" المعارض إدريس لشكر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ما وصفه بـ"تعمّد بعض أحزاب الأغلبية الحكومية شراء ذمم المرشحين"، معتبراً ذلك "إفساداً للحياة السياسية في البلاد عن سبق إصرار وترصد". واتهم لشكر الحكومة الحالية بغض الطرف عما سماه "المتاجرة" في الانتخابات المحلية في البلاد، من خلال استخدام "المال الحرام"، بهدف استمالة المرشحين وشراء قوائم انتخابية بكاملها، موضحاً أن "ما حدث يدخل في سياق فساد انتخابي لم يسبق للبلاد أن عرفته" وفق تعبيره.
اقرأ أيضاً: بنكيران في أول أيام الحملة الانتخابية: هناك مخطط لإسقاطنا