يدخل العراقيون عامهم الجديد بينما لا تزال غالبية مدن العراق الشمالية والغربية خارج سيادة الدولة التي تمرّ بأسوأ أزمة مالية شهدتها البلاد منذ الإطاحة بالعهد الملكي عام 1958. وتهدّد هذه الأزمة بطرد نصف عدد الموظفين الحكوميين بسبب عدم القدرة على دفع رواتبهم، مع استمرار تدّني أسعار النفط الذي يمثّل 95 في المائة من واردات البلاد المالية، وارتفاع مؤشر الفقر من 29 في المائة إلى 45، وفقاً لمراقبين أكّدوا أنّ العجز العام في الموازنة يصل إلى 30 مليار دولار.
ولم تفلح محاولات رئيس الوزراء حيدر العبادي في معالجة الوضع الراهن في الأشهر الأخيرة من عام 2015، إذ أطلق ست ورقات للإصلاح شملت تغييرات إدارية، وحكومية، ومالية، وقضائية، وإصلاحات في المؤسستَين العسكرية والأمنية لم تغادر درج مكتبه وصفحات الجرائد اليومية، إذ لم ينفّذ منها شيء بسبب الخلافات حولها.
ولم يتحقّق من تلك الإصلاحات، بدءاً برفض تمرير الإصلاح السياسي، وإقالة نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، مروراً بإصلاح القضاء وتطهير المؤسسة العسكرية، وقانون العفو، والحرس الوطني، ومعالجة الفساد المالي في المؤسسات الحكومية، وصولاً إلى ملف النازحين، والخلافات مع إقليم كردستان الذي يلوّح بين الحين والآخر بالانفصال عن العراق، إلّا ما لا يمسّ بمصالح الأحزاب والشخصيات السياسية في البلاد. كل ذلك، دفع بعشرات الآلاف من العراقيين، منتصف العام 2015، إلى ركوب البحر والفرار إلى أوروبا ودول أخرى، بحثاً عن حياة جديدة.
ويؤكد القيادي في جبهة "الحراك الشعبي"، الدكتور عبد الرحمن الأيوبي لـ"العربي الجديد"، أنّ "ترحيل مشاكل العام 2015 إلى هذا العام الجديد يعني استمرارها". ويضيف الأيوبي، أنّ "المعارك لا تزال قائمة في العراق، والدولة تُستنزف، والحلول معدومة، وسطوة المليشيات تزداد، وداعش يهرب من مدينة ويسيطر على أخرى بعد أيام. ولا يملك القادة السياسيون سلطة ولا قرار بأيديهم. والبلاد باتت مثل قطعة قماش بالية تجرّ بها واشنطن، فتعي طهران لسحبها مرة أخرى". ويرى أنّ "الحل الوحيد هو التغيير الجذري وإعادة ترتيب الأوراق من جديد. عدا ذلك، سنبقى في العام الجديد في الدوامة ذاتها".
اقرأ أيضاً: اغتيالات تطاول قادة التظاهرات العراقية... واتهامات للمليشيات
بدوره، يقول المحلّل السياسي العراقي، أحمد عبد المجيد لـ"العربي الجديد"، إن "العام 2016، لن يكون أفضل من سابقه. فالمشاكل الأمنية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية هي ذاتها، وتمّ ترحيلها إلى هذا العام ولا بوادر لحلّ قريب". ويضيف عبد المجيد، أنّ "العراق على حافة هاوية ولا أحد يكترث بذلك. ثلث العراق خارج سيطرة الدولة وفي يد الإرهاب، والثلث الآخر في كردستان لا يعترف بسلطة بغداد، والباقي تحت حكم المليشيات والحكومة فيه مجرد فزّاعة حقل لا أكثر". ويعرب المحلّل السياسي عن تشاؤمه ببدء الإصلاح في العام 2016، "فالحلول السياسية والأمنية ترقيعيّة"، وفقاً لقوله.
وشهد العام 2015 كوارث كبيرة حلّت بالعراقيين، أبرزها؛ تهجير ثلاثة ملايين ونصف مليون مواطن، وتدمير مدن وبلدات كاملة، واتساع رقعة العنف الطائفي وعمليات تطهير العراقيين من الطوائف الإيزيدية والمسيحية. كما ارتُكبت في العراق جرائم تغيير ديمغرافي طائفي، شملت تسع مدن شمال وغرب ووسط العراق، فضلاً عن هجرة الشباب، وارتفاع حصيلة ضحايا العنف إلى أكثر من 100 ألف قتيل وجريح، جراء الإرهاب، والعمليات العسكرية، والقصف الجوي، وجرائم المليشيات.
من جانبه، يقول عضو التيار الصدري العراقي، أحد النافذين السياسيين في البصرة، محمد الساعدي لـ"العربي الجديد"، إن "العام الجديد لا يحمل أي جديد. لا تملك الحكومة أي برنامج. وتنتظر الدولة معجزة من السماء لحلّ مشكلة داعش واسترداد الأراضي العراقية، وحلّ مشكلة النازحين، والاقتصاد، والفقر، والجوع، والبطالة، والتفكك الاجتماعي، وانهيار الخدمات، وتفشي الفساد".
ويضيف الساعدي، أنّ "كل هذه الأمور هي مخلّفات الاحتلال الأميركي. جلب هذا الأخير إلى الحكم، شخصيات لا يصلحون لإدارة مدرسة ثانوية ونصّبوهم حكّام على العراق"، على حدّ تعبيره. ويعتبر القيادي في التيار الصدري، أنّ "المطلوب في العام الحالي، إعادة ترتيب أوراق الجيش، وعقد مصالحة حقيقية مع السنة والأكراد، والإطاحة برموز الفساد السابق والحالي. ولا أظنّ أن العبادي قادر على ذلك، فهو ضحية إملاءات وضغوط خارجية". ويؤكد الساعدي، أنّ "الوضع في العراق مرتبط بالملف السوري بشكل أو بآخر، ولا يمكن فصلهما مهما حاولنا".
في المقابل، هناك من يتفاءل بأن يكون العام الجديد بداية نهاية مشاكل العراق، إذ يؤكد القيادي في "اتحاد القوى"، محمد عبدالله، أن "العام الجديد سنرى خيره بعد منتصفه". ويضيف عبدالله لـ"العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة لن تسمح لداعش التمدد أكثر من حدوده الحالية، وبغداد لن تسقط بيده. كما أنّه يمكن السيطرة على المليشيات من خلال المرجعية الدينية"، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة أكثر جديّة في مساعدة العراق عن السابق.
اقرأ أيضاً: العراق مسرح لـ14 جيشاً أجنبياً... إحصاء بالأرقام والانتشار والتجهيزات