شهدت العاصمة الأفغانية كابول، خلال الأيام الماضية، أحداثاً تنذر بفتح صفحة جديدة ومخيفة من أعمال العنف إذا استمرت الهجمات الجماعية على منازل قياديين ورموز أفغانية عدة. وعلى الرغم من أن هذه الهجمات استهدفت منازل شخصيات محددة، إلا أنها نشرت الخوف والذعر في صفوف عامة المواطنين، لا سيما النساء والأطفال، خصوصاً بعد تغطية وسائل الإعلام لما دار داخل المنازل.
ثمة تفسيرات كثيرة لهذه التطورات، التي اعتبر البعض أن الهدف منها نشر الخوف لا أكثر، وهي على شاكلة الهجمات المسلحة، بينما رأى البعض الآخر أنها استهداف للمصالحة الأفغانية، لأنه تمّ استهداف منازل قادة عاملين في المصالحة. وهذه ليست المرة الأولى التي تُستهدف فيها شخصيات على صلة بالمصالحة الأفغانية، بل ثمة قائمة طويلة من الأشخاص المستهدفين ممن قضوا حياتهم في سبيل المصالحة. الهجوم الأخير تمّ على منزل قيادي سابق في "طالبان"، وسفيرها لدى باكستان، الملا عبد السلام ضعيف. نجا الرجل لأنه لم يكن موجوداً في منزله وقت الهجوم، ولكنه أسفر عن مقتل أحد حراسه وهو من عناصر الاستخبارات الأفغانية.
وأكد القيادي عقب الهجوم أن "العمل من صنع أعداء البلاد وأعداء المصالحة"، مشدّداً على أن "إنجاح جهود الصلح هو الهدف الأسمى له ولجميع من له صوت، ولا مساومة عليها حتى ولو كان على حساب الحياة". ولم يوجّه القيادي الاتهام إلى جهة بعينها، ولكنه جزم أن "لا عداء له مع أحد سوى أنه يعمل لأجل المصالحة"، وسيمضي قدماً في سبيل ذلك، مشيراً إلى تلقّي تهديدات عبر الهاتف بالقتل من جهة مجهولة. وفي وقتٍ تبنّت فيه "طالبان" كل الهجمات في أفغانستان، دانت الهجوم على الرجل ووصفت الجندي الذي قتل في الهجوم على منزل القيادي بـ"الشهيد"، على الرغم من انتمائه للاستخبارات الأفغانية. موقف "طالبان" بدا غريباً لكثر، وزاد من تعقيد لغز هوية مهاجمي المنازل، كما زاد من التساؤلات إزاء من يقف وراء استهداف رموز البلاد، تحديداً الذين لهم باع في المصالحة.
في هذا الصدد، رأى الخبير العسكري جاويد كوهستاني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الهجوم على منزل الملا ضعيف، وعلى رموز المصالحة الآخرين، من صنع استخبارات المنطقة، تحديداً استخبارات دول الجوار، التي لا تصبّ جهود المصالحة في مصلحتها. وهي تسعى لتقويضها من خلال الحرب غير المعلنة، واستمرار دوامة الحرب".
ورأى الخبير أن "جهود الملا ضعيف، وأمثاله من قيادات طالبان السابقين الرامية لحلحلة الأزمة الأمنية في البلاد، إضافة إلى وجهة نظر الرجل التي تنبذ العنف، والتي لها تأثير كبير على أوساط طالبان، تحديداً أولئك الذين يرضون بحلحلة الأزمة عبر الحوار، تلك كلها هي الأسباب من وراء الهجوم عليه".
بدوره، رأى المحلل السياسي أحمد سعيدي، أن "الهدف من وراء الهجوم على ضعيف هو تخويف المنشقين عن طالبان وكل من رضي أو يرضى بإلقاء السلاح ويدعو إلى حل المعضلة الأفغانية من خلال الحوار". أما القيادي السابق في الحركة، الكاتب والمحلل السياسي عبد الحي مطمئين، فاعتبر أنه "بغضّ النظر عن الأسباب الكامنة وراء الهجوم على منزل ضعيف، إلا أن الهجمات الأخيرة على منازل القياديين تُعتبر بمثابة طريقة جديدة لإثارة الذعر في صفوف المواطنين، تحديداً القيادات البارزة في أطراف الصراع، بعيداً عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية".
وكان هجوم مماثل قد استهدف منزل زعيم قبلي آخر، العضو في البرلمان الأفغاني معلم مير ولي خان، في قلب العاصمة كابول، وتمكن الانتحاريون من دخول المنزل وتفتيشه، قبل أن يفجروا أحزمتهم الناسفة أو تتم تصفيتهم من قبل عناصر الأمن. وأدى الهجوم إلى مقتل ثمانية أشخاص بينهم أعضاء أسرة الرجل المستهدف، الذي تمكن من الفرار أثناء الهجوم بعد أن أصيب بجراح بليغة. والرجل من الشخصيات البارزة في جنوب البلاد وعامل في سياق المصالحة.
وعلى الرغم من إدانة "طالبان" للهجوم على الملا ضعيف، إلا أنها تبنّت الهجوم على منزل معلم مير ولي خان، من دون ذكر السبب، أو تفاصيل الحادث. ولعل الفارق بين الشخصيتين أن أحدهما كان قيادياً سابقاً في الحركة والآخر عضو في البرلمان.
مع العلم أنه ثمة قائمة طويلة للذين قضوا في سبيل المصالحة الأفغانية، منهم قيادات في "طالبان"، على سبيل المثال وزير شؤون المهاجرين في حكومة طالبان، الملا عبد الرقيب، الذي اغتيل في مدينة بيشاور الباكستانية في يونيو/ حزيران 2015، بالإضافة إلى القيادي عبد الله ذاكري، الذي قُتل قبل فترة في مدينة كويتا الباكستانية.