مع اقتراب الحملة العسكرية على مدينة الموصل العراقية من إنهاء شهرها الثالث، دفعت بغداد بمزيد من التعزيزات العسكرية للمدينة، بالتزامن مع إعلان التحالف الدولي عن رفع عدد مستشاريه العسكريين في الموصل إلى 450 عسكرياً، بينما تتواصل العمليات الجوية بصورة واسعة لليوم الثاني على التوالي، ضمن استراتيجية جديدة لتسهيل تقدم القوات البرية في أحياء المدينة الشرقية الواقعة على الساحل الأيسر منها.
في غضون ذلك، فتحت بغداد جبهة جديدة، وبشكل مفاجئ، إثر إعلان القيادة العسكرية في محافظة الأنبار، غرب البلاد، بدء عملية عسكرية واسعة لاستعادة مناطق أعالي الفرات من قبضة "داعش"، بمشاركة نحو خمسة آلاف جندي ومئات المقاتلين القبليين المناهضين للتنظيم وبغطاء جوي من التحالف الدولي. وكشفت مصادر عسكرية عراقية لـ"العربي الجديد"، أن "القوات العراقية سيطرت على وادي الصفّة، غرب الأنبار، بدعم جوي أميركي". وأشار قائد عمليات الجيش في الأنبار اللواء الركن إسماعيل المحلاوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحملة ستكون على مراحل عدة، وقد انطلقت من قاعدة عين الأسد، وستباشر عمليات التقدم قرية تلو الأخرى، لحين الوصول إلى المدن الرئيسية الثلاث، التي يسيطر عليها التنظيم، وهي القائم وراوة والعبيدي".
من جهتها، أكدت مصادر عسكرية في الجيش لـ"العربي الجديد"، أن "المرحلة الأولى من الهجوم تشمل 23 قرية وقصبة على جانبي الفرات، وأن منطقة الصكرة ووادي حجلان والوادي الأبيض هي المناطق المستهدفة في تلك المرحلة، قبل أن تشرع بمهاجمة معاقل داعش الأخيرة والرئيسة في أعالي الفرات".
أما الشيخ محمد العلواني، أحد القيادات البارزة في القوات القبلية المناهضة للتنظيم، فأكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "السعي لدفع التنظيم للتراجع إلى داخل البوكمال السورية، هو هدفنا حالياً". وبيّن أن "خمسة آلاف جندي غير كافٍ، بسبب احتياجات معركة الموصل الحالية، واستنزافها الكثير من الطاقات البشرية والمادية، لكن الحملة الحالية ضرورية لدفع داعش للتحول إلى موقف دفاعي بدلاً من هجومي". وكانت مصادر عسكرية عراقية في قيادة عمليات الجزيرة والبادية قد ذكرت أن "تعزيزات عسكرية وصلت إلى قاعدة عين الأسد خلال الأيام الماضية، تمهيداً لتنفيذ عمليات عسكرية واسعة". وما زال "داعش" يسيطر على نحو 40 في المائة من مناطق أعالي الفرات، الممتدة جنوباً إلى سورية وشمالاً إلى الأردن، وتتميز بتضاريس صعبة يصعب تحرك الجيش فيها.
وتشهد المناطق تلك عمليات استنزاف واسعة لقوات الجيش من خلال هجمات متكررة للتنظيم على وحدات وثكنات الجيش العراقي والشرطة في تلك المنطقة. من جانبه، اعتبر ضابط بالجيش العراقي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مقاتلات أميركية باشرت بعمليات قصف كثيفة لمنطقة الصكرة ووادي حجلان لتسهيل تقدم قوات الجيش العراقي في المنطقة"، فيما أكد سكان قرويون في مدينة حديثة سماعهم أصوات اشتباكات عنيفة وانفجارات في مناطق قرب نهر الفرات خاضعة لسيطرة تنظيم "داعش". وكان بيان عمليات الجيش في الأنبار أعلن، أمس، عن انطلاق عملية عسكرية واسعة لتحرير مناطق غرب نهر الفرات قرب مدينة حديثة كمرحلة أولى يعقبها التحرك على البلدات الغربية لانتزاعها من تنظيم "داعش".
في آخر تطورات معركة الموصل، كشفت مصادر عسكرية عراقية، لـ"العربي الجديد"، عن "وصول قرابة ثلاثة آلاف جندي إضافي قادمين من بغداد، إلى مشارف الموصل، في الوقت الذي زاد فيه التواجد الأميركي في المحور الشمالي والشمالي الشرقي". وقال مسؤول عسكري عراقي رفيع إن "الزيادة الجديدة أتت لمنح المعركة زخماً أكبر".
وأضافت المصادر في حديث من مقر قيادة عمليات الموصل بمحور مخمور، شرقي الموصل، أن "المعارك ستستمر ومن المتوقع أن نتمكن من الوصول إلى شاطئ دجلة، نهاية الشهر الحالي على أبعد الاحتمالات". وأكدت أن "تقدماً جديداً تحقق من خلال السيطرة على أحياء سكنية عدة في الساحل الأيسر".
وقد سجلت القوات العراقية، أمس الخميس، تقدماً في المحورين الشرقي والجنوبي على حساب "داعش"، بينما تعثرت العمليات العسكرية الجارية في المحور الشمالي، بسبب مقاومة التنظيم واستماتة عناصره في الحفاظ على تواجده في مناطق شمال الموصل، التي تُعدّ بمثابة طريق مناسب لتحرك عناصره بين مدينتي الموصل وتلكيف.
من جهته، أفاد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول، لـ"العربي الجديد"، بأن "القوات العراقية تقوم بعملية تطهير لمناطق السادة وبعويزة ومعمل الأدوية، في الوقت الذي تقوم قطعات الجيش الأخرى بتطويق حي الحدباء في محور شمال الموصل، استعداداً لاقتحامه خلال الأيام المقبلة". وحول سبب تباطؤ القوات العراقية في التقدم في المحور الشمالي، ذكر رسول أن "قوات الجيش حريصة على تطهير المناطق من دون إلحاق خسائر بالمدنيين".
في المحور الشرقي، أعلن جهاز مكافحة الإرهاب عن تمكن قواته من السيطرة على منطقة الكرامة وصناعة الكرامة وحي المعارض في الجانب الشرقي لمدينة الموصل، واصفاً هذه المناطق بـ"أنها مناطق مهمة وكانت تمثل عمق سيطرة داعش على مناطق شرق الموصل".
بدوره، كشف قائد العمليات الثانية في جهاز مكافحة الإرهاب، اللواء معن السعدي، لـ"العربي الجديد"، أن "قطعات قوات مكافحة الإرهاب، تمكنت من السيطرة على مناطق الكرامة وصناعة الكرامة والمنطقة الصناعية في وسط الجانب الأيسر لمدينة الموصل". وأضاف أن "القوات الأمنية تقوم حالياً بعملية تطهير واسعة لهذه المناطق ومصادرة الأسلحة والعربات المفخخة التي تركها عناصر داعش خلال سيطرتهم على المنطقة".
ورجّح السعدي "تسارع عملية تحرير الجانب الأيسر لمدينة الموصل، بعد انهيار دفاعات تنظيم داعش في مناطق شرق الموصل، إثر خسارته لمنطقة الكرامة"، مؤكداً أن "قطعات مكافحة الإرهاب لا تفصلها سوى ثلاثة كيلومترات عن ضفة نهر دجلة".
في المحور الجنوبي، تخوض قوات الجيش العراقي وقوات الشرطة الاتحادية وقوات التدخل السريع التي وصلت حديثاً إلى مدينة الموصل، لدعم القوات العراقية في عملية السيطرة على مدينة الموصل، معارك مستمرة في ثلاث مناطق مختلفة بإسناد جوي من طيران التحالف الدولي وبإشراف مباشر من قوات التحالف الدولي.
كما أعلن قائد الشرطة الاتحادية، اللواء رائد شاكر، في مؤتمر صحافي عقده في جنوب مدينة الموصل، أن "قوات الجيش العراقي من الفرقة التاسعة وقوات الشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع، تمكنت من تحرير أحياء الانتصار والشيماء وسومر ويافا ويونس السبعاوي والميثاق والمعلمين والوحدة بالكامل في محور جنوب شرقي الموصل".
وحول الأوضاع الإنسانية لسكان مدينة الموصل، أكدت مصادر طبية في الموصل مقتل وجرح عشرات المدنيين، أمس الخميس، بالقصف العشوائي الذي تتعرض له مناطق الموصل الشرقية والجنوبية، وبعمليات انتحارية نفذها عناصر "داعش" في مناطق الكرامة والانتصار ويونس السبعاوي، لم يعرف عددهم بالضبط بسبب صعوبة وصول طواقم الإسعاف إليهم.
وأكد سكان محليون في مدينة الموصل، لـ"العربي الجديد"، أن "عمليات القصف العشوائي بقذائف الهاون والمدفعية والعمليات الانتحارية، قد اشتدت خلال اليومين الماضيين، ما أدى لسقوط قتلى وجرحى من المدنيين، تمّ دفنهم في حدائق المنازل والشوارع"، مؤكدين "وجود عشرات الجثث ملقاة في مختلف مناطق الموصل لمدنيين ولعناصر في تنظيم داعش قتلوا خلال المعارك".
وقال ناشطون يعملون في منظمات إغاثة محلية لـ"العربي الجديد"، إن "الموصل تشهد بشكل يومي موجات نزوح مستمرة من مختلف مناطق المدينة بالتزامن مع اشتداد العمليات العسكرية وتواصلها". وأكد هؤلاء أن "مخيم الخازر يستقبل أكثر من ثلاثة آلاف نازح من مدينة الموصل بشكل يومي، معظمهم يعاني من إصابات وأمراض مزمنة بحاجة إلى علاج".
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد أعلن في بيان، أن "تكثيف العمليات العسكرية في مدينة الموصل قد ساهم في مضاعفة وتيرة النزوح منها بشكل ملحوظ، مع فرار تسعة آلاف شخص من المدينة في غضون أربعة أيام".