عاد الجانب الأمني في النظام السوري إلى واجهة الحدث السوري، مع تعيين واحد من أبرز قادة الأجهزة الأمنية المتهمين بممارسة القمع وزيراً للداخلية في بلاد لا تزال الأجهزة الأمنية تحكمها بشراسة منذ نحو نصف قرن. وعيّن رئيس النظام السوري بشار الأسد منذ أيام محمد خالد الرحمون، الذي كان رئيساً لما يُسمى "شعبة الأمن السياسي" في استخبارات النظام، وزيراً للداخلية. كما عيّن اللواء ناصر سميع ديب، الذي يتحدر من قرية عين العروس التابعة لمدينة القرداحة في الساحل السوري، خلفاً له.
وقبل بدء الثورة السورية، في العام 2011، كان السوريون يدركون مدى الإجرام الذي تمارسه أجهزة النظام الأمنية وفروعها في المحافظات وفتكها بالمعارضين، لكنهم ذاقوا الويلات أكثر أثناء الثورة، إذ استباحت هذه الأجهزة البلاد بشراسة غير مسبوقة، وجرى اعتقال عشرات الآلاف، قتل الآلاف منهم تحت التعذيب، فضلاً عن تصفيات ميدانية وقتل متظاهرين واستباحة كل الحرمات.
وبرز خلال سنوات الثورة عدد من ضباط النظام، الذين كان لهم الدور الأكبر في الجرائم التي ترتكب بحق السوريين، لعل في مقدمتهم اللواء علي مملوك الذي كان مديراً للاستخبارات العامة قبل أن يرأس ما يُسمى "مكتب الأمن القومي" الذي يشرف على الأجهزة الأمنية المتعددة. وتوضح منظمة "مع العدالة" السورية، وهي كما تعرف عن نفسها "منظمة غير ربحية تسعى إلى إحقاق مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب لمجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان"، أن مملوك، الذي يتحدر من لواء إسكندرون، "له تاريخ طويل في تأسيس القمع والمؤسسات الأمنية، ويعتبر الصندوق الأسود لأسرار النظام السوري". وتشير المنظمة إلى أن السجل الجنائي لمملوك "يعود إلى ثمانينات القرن الماضي"، موضحة أنه "كان أحد الضباط المشرفين على تجارب الأسلحة الكيميائية، بين العامين 1985 و1995، وعلى استخدامها ضد معتقلين سياسيين في سجن تدمر في الوحدة 417 التابعة للاستخبارات الجوية والواقعة بالقرب من استراحة الصفا في منطقة أبو الشامات بالبادية السورية، حيث تم تجربة الأسلحة الكيميائية على المعتقلين، ومن ثم تم محو آثار الجريمة عبر الطيران الحربي للمنطقة". وفي العام 2005 تولى مملوك رئاسة جهاز الاستخبارات العامة، وأصبح منذ ذلك الحين الواجهة المخابراتية للنظام السوري، إذ أوكلت له مهمة التنسيق مع أجهزة الاستخبارات العالمية، بما فيها الأميركية والأوروبية والإيرانية وبعض الأجهزة العربية، ما أتاح له المجال للإمساك بعدد كبير من ملفات النظام بين العامين 2011 و2018. وتشير المنظمة إلى أن الأسد "كلف علي مملوك بمهمة قمع التظاهرات في العام 2011 نظراً لما يملكه من باع طويل في تقنيات القمع. كما أنيطت به مسؤولية قيادة غرفة العمليات في إدارة الاستخبارات العامة". ووضعت الولايات المتحدة علي مملوك ضمن قائمة العقوبات، كما تم إدراجه في قوائم العقوبات البريطانية، والأوروبية، والكندية.
جميل حسن
ربما لا يملك ضابط في أجهزة النظام الأمنية سجلاً أسود كما جميل حسن، المولود في قرية القرنية بمحافظة حمص في العام 1952، ويشغل حالياً منصب رئيس الاستخبارات الجوية في سورية، الذي يُعتبر واحداً من أكثر الأفرع الأمنية دمويةً في البلاد. وقد صدرت بحقه أخيراً مذكرة توقيف تم تعميمها على الإنتربول الدولي من قبل المدعي العام في ألمانيا للاشتباه بارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سورية منذ العام 2011.
ويعد حسن مسؤولاً عن مقتل آلاف النشطاء في الثورة تحت التعذيب في أقبية هذا الجهاز الذي شكّله الرئيس الراحل حافظ الأسد بداية توليه للسلطة في العام 1971، ليكون القناع المرعب للسوريين. وتدرج جميل حسن في أجهزة النظام قبل ترؤس جهاز الاستخبارات الجوية، وهو شارك في المجازر التي ارتكبها النظام بحق أهل حماة في العام 1982، والتي أدت إلى مقتل نحو 40 ألف مدني. ثم عمل رئيساً لسرية المهام الخاصة في الاستخبارات العامة، ورئيساً لفرع الاستخبارات الجوية في دير الزور، شرقي سورية، ثم نائباً لرئيس جهاز الاستخبارات العامة. تصفه مصادر في المعارضة بأنه "يد بشار القذرة" التي فتكت بالسوريين طيلة حكم آل الأسد، لكنه أظهر دموية خلال محاولة النظام وأد الثورة. هو شديد الولاء لعائلة الأسد، كما أنه نادر الظهور أمام وسائل الإعلام. وتقول منظمة "مع العدالة" إن "اللواء جميل حسن بادر، خلال فترة الثورة، إلى تطبيق سياسة تمييز طائفي مقيتة، إذ نقل معظم العناصر والضباط السنة من إدارة الاستخبارات الجوية وأعادهم للخدمة في صفوف الجيش، واستبدل بهم عناصر وضباطا من الطائفة العلوية، حتى بلغت نسبة العلويين في الإدارة نحو 99 في المائة". وتضيف "يعتبر اللواء جميل حسن أحد المسؤولين بشكل مباشر عن كافة عمليات القتل التي تمت بواسطة طائرات النظام الحربية والمروحية، إذ أطلق اليد للعميد سهيل الحسن خصوصاً ولرؤساء أفرع وأقسام الاستخبارات الجوية بشكل عام لقصف وقتل وتشريد واعتقال المدنيين دون حسيب، أو رقيب".
محمد ديب زيتون
اللواء محمد ديب زيتون هو مدير إدارة أمن الدولة، وفي مقدمة رجال الأسد المسؤولين عن مقتل آلاف السوريين، وتشريد الملايين منهم، وله سجل قديم في عمليات القمع بحق المعارضين للنظام. ويعتبر زيتون، المولود في القلمون في 1951، مسؤولاً مباشراً، وفق "مع العدالة"، عن كافة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها عناصر إدارة أمن الدولة منذ بداية تسلمها في يوليو/تموز 2012 وحتى الآن. كما تورط زيتون في عمليات القمع والحصار والتنكيل الجماعي بحق المدنيين في حمص، خصوصاً في حي الوعر، والتي أسفرت عن تهجير أهل الحي قسراً. وتوضح المنظمة أنه "تم إدراج اللواء محمد ديب زيتون في قوائم العقوبات البريطانية والأوروبية والكندية والأميركية، إذ إنه اشترك في العديد من الأعمال الإجرامية مع اللواء علي مملوك، وعملا معاً في عدد من الملفات ذات الحساسية العالية، خصوصاً ما يتعلق بإقامة علاقات وإجراء اتصالات مع أجهزة الاستخبارات الخارجية، وهما سافرا إلى العديد من الدول، أبرزها إيطاليا، التي سافرا إليها منتصف 2016 عبر طائرة خاصة، والتقيا مسؤول الاستخبارات الخارجية الإيطالية".
عبد الفتاح سليمان قدسية
عبد الفتاح سليمان قدسية هو من الشخصيات الأمنية التي باتت معروفة جيداً لدى السوريين، إذ مارس جهاز شعبة الاستخبارات العسكرية، وهو الجهاز الأكبر من بين أجهزة النظام الأمنية، دوراً أساسياً في عمليات القمع، التي جرت في سورية، قبيل الثورة وخلالها. وترأس قدسية هذا الجهاز في العام 2009، قبل انتقاله إلى منصب نائب مدير "مكتب الأمن الوطني" في 2012. وقدسية، المولود في ريف حماة في العام 1953، معروف بتوجهه الطائفي الذي قتل على أساسه معارضي النظام إبان سنوات الثورة السورية. ورد اسمه في عدد من التقارير الدولية التي وثقت الجرائم والانتهاكات في سورية، ومنها تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش". كما أدرج في قوائم العقوبات البريطانية والأوروبية والكندية والأميركية بسبب مسؤوليته عن عدد كبير من الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين.
محمد خالد الرحمون
قفز اسم محمد خالد الرحمون إلى الواجهة في المشهد السوري عقب تعيينه وزيراً للداخلية، قبل أيام، إذ كان رئيساً لجهاز شعبة الأمن السياسي. والرحمون، المولود في خان شيخون التابعة لمحافظة إدلب في العام 1957، شديد الولاء لعائلة الأسد وخدم في أكثر من جهاز قمعي، منها الاستخبارات الجوية. وتولى الرحمون في العام 2004 رئاسة قسم الاستخبارات الجوية في درعا، ثم تدرج في الرتب العسكرية والمناصب الأمنية حتى تسلم رئاسة فرع الاستخبارات الجوية في المنطقة الجنوبية، والكائن في مدينة حرستا، وهو الفرع المسؤول عن محافظات المنطقة الجنوبية، وهي دمشق وريفها، ودرعا، والقنيطرة، والسويداء. وتقول عنه منظمة "مع العدالة"، إنه "في العام 2011، أشرف على عمليات الاعتقال والاقتحام في مناطق حرستا وعربين ودوما وأحياء برزة والقابون، وتولى عمليات التحقيق والتعذيب، التي كانت تتم في الفرع الذي اعتُقل وقتل فيه عشرات الآلاف السوريين تحت التعذيب. كما تم إجبار من تبقى من المعتقلين على دعم المجهودات الحربية من خلال إجبارهم على حفر خنادق وأنفاق بالقرب من مبنى فرع الاستخبارات الجوية بحرستا، والذي يطلق عليه فرع الموت".
وفيق ناصر
طيلة سنوات الثورة كان وفيق ناصر يتولى قيادة الاستخبارات العسكرية في السويداء، لكن بشار الأسد نقله إلى حماة في يناير/كانون الثاني الماضي. وتقول مصادر في المعارضة السورية إن ناصر "زرع الخوف" في جنوب سورية، وكان المسؤول عن خلق فزاعة تنظيم "داعش" في ريف السويداء لتطويع أهل المنطقة. وهو كان معروفاً بعلاقته مع التنظيم، كما أنه متهم بالاتجار بالمخدرات وتهريب الآثار خارج سورية.
رفيق شحادة
لرفيق شحادة سجل طويل في عمليات القمع في سورية، إذ إنه ترأس أكثر من جهاز أمني، قبل أن ينقل للعمل في مكتب بشار الأسد. ويشتبه بأن شحادة هو المسؤول عن مقتل رئيس شعبة الأمن السياسي، اللواء رستم غزالي، في العام 2015. ومع اندلاع الثورة السورية في العام 2011، كان شحادة يشغل منصب رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية بحمص، وهو كان مسؤولاً مباشراً عن مجزرة الساعة في مدينة حمص، والتي راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى من أبناء مدينة حمص، إضافة إلى الانتهاكات التي ارتكبتها قوى الأمن بمحافظة حمص. وفي 2012 عُين اللواء رفيق شحادة رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية، حيث مارس مختلف الانتهاكات والممارسات الإجرامية من قتل واعتقال وتغييب واغتصاب.
أديب سلامة
أديب سلامة هو مجرم مدينة حلب وزارع الخوف في نفوس أبنائها على مدى سنوات الثورة، وارتبط اسمه بعشرات المجازر التي حصدت أرواح مئات المدنيين، لعل أبرزها مجزرة نهر قويق بحلب بداية 2013، والتي راح ضحيتها 128 مدنياً، أطلق عناصر الاستخبارات النار على رؤوسهم وألقوا بجثثهم في النهر. وظل سلامة، المولود في ريف حماة الشرقي في 1953، رئيساً لفرع الاستخبارات الجوية في المنطقة الشمالية لمدة 10 سنوات قبل أن ينتقل في 2016 ليكون معاون مدير إدارة الاستخبارات الجوية. كما كان أحد المسؤولين عن حملة البراميل المتفجرة على حلب أواخر 2013 والتي شردت مليون مدني. وبالإضافة إلى هؤلاء، فإن هناك العديد من الضباط المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق السوريين، منهم القيادي في "الحرس الجمهوري" محمد إبراهيم، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، محمد محمود محلا.